الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ناطحة سحاب وبرج حمام

دينا سليم حنحن

2005 / 5 / 22
الادب والفن


يجلس وحيدا يحتسي كأس خمر ويناجي أخرى تنتظر فارغة، ربما الخمر ينسيه فراقها.
شرفته واسعة تطلّ على عمارات عملاقة في بلدة غريبة، للتوّ وصلها، لا يعرف أحدا فيها ولم يلحظ بسمة بشرية. يشتاق فجأة لبرج الحمام في قريته وعيناه تطلان على كل هذا العمار، نظراته ثابتة. يستذكر مجانحة النسيم لوجه معشوقته الصّبوح. التقيا في كل صباح والحمام حولهما حائم ينشر هديله في الأنحاء يناجي فؤادين أدمنا العشق.

انتظرَ...ربما تطلّ احداهن! لم تفعل! انتظر كثيرا والكأسان الفارغتان تنتظران زجاجة أخرى.
ظن نفسه سكران. عاث بفراغ المدمنين، تهدّلت جفونه، قاوم النعاس، ارتخت أوصاله وطالب المزيد. بهرت الأضواء عينيهِ، حملق والسماء تشاركه أفول المزيد من كواكبها المتلألئة.
يسند رأسهُ الى كرسيه الهزاز ويعلّق نظره الى احداها... الى البعيد... حيث الجمهرة المضيئة، تبعث حيرتها عبر المسافات...اليهِ، تقاسي العزلة... مثلهُ، فتآخى مع العزلة والوحدة، بحث عن الوالد... القمر، لم يسكن السماء في تلك الليلة، ارتكن العتمة... وغفا...
راح في سبات قبل ولوج الفجر، استفاق الندى على أوراق الشجر. وجد نفسه محاطا بكم هائل من الحمام الزاجل، كل واحدة وضعت في راحته حبة من العشق، كل حبة أنبتت برعما، حملق فيها، فتحولت البراعم الى أوراق معطرة برائحة الحبيبة.
اهتز جفناه وارتجفت يداه، قطرات الندى تعكس أضواء الأبراج المسكونة على خديه المعرقين، سرّت أساريره وأفعمته وشوشة اليمامات حبورا. ضحك في منامه فرشقته بجناحيها تعلّق بعض الأشواق على جسده المنتفض، وبحركتها الخفيفة توقظه.
تأرجحت الذكريات، خرجت من قلب المسافات وتحولت الحبات في يديه إلى أوراق متناثرة، تتهادى مع الريح، تتساقط كل قطعة على حدة، وقبل وصولها الأرض تكون قد تحوّلت الى كلمات مكتوبة بمداد الفراق.
اكفهرت الشرفة وأحاطتها أشباح البرد القارس... صمتَ النائم والكأسان الفارغان ينتظران.
قرصهُ الليل الملبد بالغيوم، زاده سوادا وظلاما، أثقلته الأحزان، حطّم أحلامهُ وأطفئت أنوار ناطحات السحاب من حوله... وأختفت أبراج الحمام...
نامت قطرات الندى داخل وريقات الندم. أحتضنهُ السكون ومن يده هوى اسم المحبوبة. طواهُ الماضي بأسلافه وامتنع العقل عن إثارة مرفأ الحنين... رست في الظلمة سفينة بلا شراع.

أفقده الفجر الأنين وبارح الصراع أعماقه. جفت قطرات الندى والكأسان ظلتا قيد الانتظار!
محاط بعالم صامت، على شفا قارة بعيدة، شرفتهُ تلازم البحر، يغادره الزمان وطيف الحبيبة لا ينعزل ولا يغيب. يشع بين الحين والحين، يحاوره ويراوغه ويداهُ موثوقتان، مقيدتان بسلاسل الأسر، تقودانهُ بلا رقيب، على غير هدى يسير ويسير الى حيثُ أخذه الشوق اللعين. يلمحُ من بعيد طوق حمامة بلون الحب، وربما بلون الدّم، تحاصر ناطحة سحاب، تشع نورا، تدور وتجانح السماء بالمزيد، أوراق بيضاء عاش فيها ومنها، رسائل حب محملة باسم الحبيب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن عن أدائه في المناظرة: كدت أغفو على المسرح بسبب السفر


.. فيلم ولاد رزق 3 يحقق أعلى إيرادات في تاريخ السينما المصرية




.. مصدر مطلع لإكسترا نيوز: محمد جبران وزيرا للعمل وأحمد هنو وزي


.. حمزة نمرة: أعشق الموسيقى الأمازيغية ومتشوق للمشاركة بمهرجان




.. بعد حفل راغب علامة، الرئيس التونسي ينتقد مستوى المهرجانات ال