الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دفاعا عن التاريخ، في الرد على فوبيا-اليسار

عزالدين بوغانمي
(Boughanmi Ezdine)

2013 / 9 / 15
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم



لا شك أن اليسار ولد فيحقل الدفاع عن المساواة ، والعدالةالاجتماعية ، و الكرامة الانسانية ، علىأساس هدف إستراتيجي عام هو القضاء علىالفوارق الطبقية؛ وبناء مجتمع تضمن فيهالمساواة بين الافراد و الجماعات، و الشعوب،بغض النظر عن الديانة واللغة والعرقواللون،وتحجر فيه أشكال الحط منالكرامة الادمية .
و علىهذا الأساس، فإن الانتماء لليسار هوالانتماء لقيم أخلاقية وإنسانية نبيلة،قدستها الأديان و الفلسفة وكل الأفكارالعظيمة عبر التاريخ. من هذه القيم نكران الذاتو تقديم المصلحة العامة عن مصلحة الفرد،والتضحية،و نشر ثقافة الحرية ورفض الظلم، والدفاع عن حرية المعتقد ... إلخ..

واليسار في تونس هوجزء من هذا اليسار في العالم دون الخوضفي آداءه أوقوته أو ضعفه أو إنقساماته أوتحالفاته. فكلتلك الأمور مردها إلى شروط موضوعية منهاالإستبداد، و أسباب أخرى ذاتية كعجزاليسار على تجاوز انقساماتهوتفككه .. وبكل الأحوال، ربما عدنا إلى ذلك لاحقا .

الثابت أن اليسارإرتكز نظريا (على الأقل) على الطبقة العاملة بوصفها قاعدتهالإجتماعية، إنطلاقا من مقولة أساسية فيمرجعيته الفكرية ألا و هي :"النضالالطبقي"، التي تقوم على تناقض المصالح بين أرباب العمل المالكين لوسائل الإنتاج ، وبين المنتجين الأجراء الذين يبيعون جهدهم مقابل التمكن من العيش. أي أن الميكانيزم الداخلي لعلاقة الأجير بالمؤجِّر تحتوي مظلمة هي في الحقيقة أساس كل المظالم الأخرى : فالعمل أو الجهد المبذول لإنتاج بضاعة ما، أو بلغة أبسط عرق الخَدَّامْ هو أيضا بضاعة تباع لرب العمل مقابل أجر زهيد يكفي للعيش فقط . ولكن عرق الخَدَّامْ بضاعة تمتلك سمة خاصة: فهو ينتج قيمة أعلى من ثمن شرائه. وبالفعل؛ فالرأسمالية تستفيد بكل العمل المبذول من طرف الخَدَّامْ ، ولكنها لا تؤدي له من ثمن قوة عمله (إلا ما يكفيه للعيش ). والفارق القيمي في ما بين الثمن الحقيقي للعمل المنجز W بين أجر العامل يساوي فائض القيمة أو (الجزء المسروق من الجهد المبذول ) وهو منبع توسع رأس المال. إن الرأسمال يخلق ذاته ويعيد خلقها باستمرار داخل علاقة الاستغلال الاجتماعية هاته.
طبعا هذه المظلمة الطبقية يخفيها مفكرو البرجوازية ومثقفيها وخدمها من الاقتصاديين والإداريين ورجال القانون ورجال الدين، ويسخرون لذلك كل الإمكانيات المادية والآيديولوجية، حتى يصبح الكشف عنها وفضحها مدعاة لسخرية وتندر جمهور الأغبياء من الذين يقفون في ساحة الصراع الطبقي في صف سراقهم.
إذا هذا هو أصل فكرة النضال التي نشأ من أجلها اليسار في تونس وفي العالم ..وكان من الطبيعي-خصوصا في ظل الآستبدادوالآنغلاق السياسي و انحصار هامش النشاطالسياسي - أن نجد أغلبمناضلي و مناضلات اليسار في الحركة النقابية العمالية. بل أن أهمكوادر المواجهة الفعلية في عملية الصراعضد السلطة والأعراف المدعومين من السلطةمباشرة، كانوا يساريين منتظمين في منظماتسرية أو مستقلين، جاء بعضهم من حركة آفاق.. و آخرون من الشعلة ..من العامل التونسي، من الوطنيينالديمقراطين، من حزب العمال و من حساسياتأخرى يسارية وعروبية قومية .. وحولالساحة النقابية العمالية انبنى قطبمواجهة ضد الاضطهاد الطبقي وضد الظلموالدكتاتورية، وراكم النضالات في ظل ظروفصعبة تعرض خلالها النقابيون إلى السجن والتعذيب و الطرد التعسفي ، و قطع الارزاق؛؛؛و لوحقوا حتى في لقمة عيش أبناءهم .
ورغم ثقافة الانبطاح و التراجع و الانتهازيةو الفساد والإفساد التي عمد نظام بن علي خاصةإلى تعميمها من خلال شراء ذمم بعض القياداتالنقابية المتنفذة .. إلاأن اليسار ظل منحازا في عمومه إلى الأجراءوالمهمشين والمعطلين وضحايا حقوق الإنسان.. ورغم الحصار والتضييق،حافظ اليسار التونسي على مكامن القوة. ورابط في ساحاتالنضال عقودا طويلة، راكبا صهوة النبلوالآنحياز للشعب، و مسلحا بمرجعية كفاحية، شكلتمدرسة النضال الأولى على المستوى الكوني-دون منازع-،رغم كل ما يجب مراجعته وما يجب تحيينه وما يجب تجاوزه فيها .

واليسار، أيها السادة، دفع بطاحونة الصراعالاجتماعي لخدمة مصالح الفقراء المتضررينمن السيطرة الاقتصادية و الاجتماعية والسياسية للنيوليبيرالية المتوحشة المستفردة بالعالم منذ عقود . وفي غمرة الصراع ، إنتزع الخدامةالكثير من المكاسب (التيلا يراها الكثيرون) بفضلتلك النضالات التي لا يعرف حجمها إلا منخاضها ..

واليسارالذي لا يرى له البعض أي فضل، وقف بقوة ضدثقافة الخنوع و الخضوع و القبول بالعبودية.. و نشر في مقابل ذلك ثقافةالمواجهة و التحرر من قيود الهيمنة والسيطرة و أشاع ثقافة المساوماة بينالمواطنين وبين البشر بصفة عامة، عبر الروايةو القصيد و الأغنية الملتزمة والمسرحية ...و في الساحات النقابية والسياسية الحقوقيةو الطلابية و النسوية،ودون توقف :
ففي النضال النقابي أسهماليسار في تكوين العمال، وتأطيرهم، والانخراط معهم في الدفاع عن مصالحهم، والتشهير بكل ما يمس حقوقهم، وتوعيتهم بشرعية إسترداد حقوقهم الطبيعية التي تسرق كل يوم ، وتسليحهم بالثقافة الكفاحية وتأهيلهم للانخراطفي النضال ضد سياسات التفقير، والعمل الهش،والمناولة، وضد دعاة النيوليبرالية الظالمة.. و ضد أرباب العمل الذينلا هم لهم سوى سرقة جهد المنتجين الفعليين،و صرف الأموال في البذخ و المجون وإخراجهامن الصيرورة الإنتاجية الى سوق الريع والمضاربات . ....

وفيالساحة الثقافية كافح اليساريون من أجلتكريس ثقافة بديلة تؤسس لمجتمع الحرية والسماواة. والتزموا بتوعية المضطهدينبواقعهم و فتح أعينهم على الوضع البديل، عبر نشر ثقافة نقيضة لذهنية الذل و الخضوع...
وخلال هذه المسيرة العسيرة، وفيما كان أغلب منتقدي اليسار اليوم يشاركون النظام خياراته، كان اليسار يتعرض لكل ضروبالتنكيل، والقمع، من نظامبورقيبة إلى آخر يوم في نظام بن علي ..

منالإنصاف والوطنية، ومن الحياء أيضا، أن نقر بأن اليسارالتونسي دفع ضريبة انحيازه للشعب ..بدلا من أن نغمض أعيننا ونستسهلنسف تضحيات أجيال من المناضلين ..ويكفي أن نتذكر أن بعض قادة اليسار اليوم ،سجنوا أول مرة منذ أربعين عاما، وعاشوا طوالحياتهم إما وراء القضبان يخوضون ملحمة الصمود ضد الجلادين، أو ملاحقين ! يكفيأن نذكر بحياة حمة الهمامي، أو الشهيد شكري بلعيد الذي قدم حياته رفضا للظلم حتى يخجل هولاء الذين يفرقون اتهاماتهم جزافا ويشوهون مسيرة اليسار المضيئة. وتجدرالإشارة هنا إلى أن أجيال مماثلة منالوطنيين والقوميين من غير اليساريينالذين قدموا تضحيات لا تقاس من أجل تونسومن أجل شعب تونس ، غير أن التركيز علىاليسار تحديدا في هذا التعليق هو منمقتضيات الموضوع، لا غير.

فيالمقابل لا يجب أن ننسى أفراد ممن نعتوا ذات يوم ب "اليساريين"،دخلوا في المؤسسات السياسية الرسمية منموقع ضعف إيمانهم بقضية الثورة والتغيير الجذري، و بعقيدة التوافق مع النظام. أو بذريعة "مجابهةالتطرف" اليساري أو اليميني .. وكان انضمامهم لخيارات النظام بلا تأثير على مجمل الحركة الديمقراطية. ولكنهم أسهموا في تلميع صورة الآستبداد،وفكوا عزلته وأظهروه كما لو أنهنظام ديمقراطي ! ووجدواأنفسهم مسيجين بخطوط حمراء رسمها بن عليونظامه البوليسي ، وتحولوا في النهايةإلى خدم للنخبة الحاكمة الأشد رجعيةوفسادا .. كما لا يجب أنننسى أقلية أخرى دخلت مع النظامفي استراتيجية الوهم الدمقراطي البرلماني.و كانت مبرراتهم ، توسيع هامش"الحرية" والدفع ب"الانتقال الديمقراطي" الى الأمام،مثلما أوهمهم بذلك بن علي، فيما كان يشيدنظاما بوليسيا هو من أشد الأنظمة بشاعة. و رغم أن استراتيجيةهولاء أبانت لهم عن محدوديتها في الواقع، الا أنهم تماهوا مع النظام و قلبواظهورهم لكل نضال يعتمد وسائل الضغط الشعبي، لينخرطوا في استراتيجية الاندماج فيالخيار النوفمبري، ولاحقا صاروا قوادين صغارايحاربون المعارضة بكل ألوانها ومشاربها. هذا أيضا يجب أن يقالويدان .

والحقيقة أنأخلاق التملق ولعق الأحذية وخدمة السلطانليست منتوجا يساريا، بل أنها أخلاق لصيقةبالبشر أي كان الفكر والعقيدة والأصل. وهنا تجدر الإشارة إلى أن أعداد كبيرة من كوادر حركة النهضة (على سبيل المثال)، تحولوا إلى ضباط في مختلف أجهزة البوليس السياسي . ولعل هذا هو سبب إخفاء حركة النهضة لأرشيف هذا الجهاز ، فيما طالب اليسار مرارا وتكرارا بكشفه .

أمافي خصوص بعض الصفحات التي هي عبارة عن منابر سخيفة للسباب والشتم وتشويه اليسار وكوادره ورموزه ، بشكل منحط ، يشير إلى الكراهية البدائيّة التي يكنها قادة حركة النهضة لفكرة الحرية .. فلا أرىنفسي معنيا بالرد عليها ، أولا لأن الكراهيةلا تنتج معرفة ، وثانيا لأن الشتم والقذفلا يندرج ضمن أخلاق الرجال .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فراس ورند.. اختبار المعلومات عن علاقتهما، فمن يكسب؟ ????


.. 22 شهيدا في قصف حي سكني بمخيط مستشفى كمال عدوان بمخيم جباليا




.. كلية الآداب بجامعة كولومبيا تصوت على سحب الثقة من نعمت شفيق


.. قميص زوكربيرغ يدعو لتدمير قرطاج ويغضب التونسيين




.. -حنعمرها ولو بعد سنين-.. رسالة صمود من شاب فلسطيني بين ركام