الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفنانة الكبيرة وداد سالم

قاسم حسن

2013 / 9 / 15
الادب والفن


الحلقة الثالثة والأخيرة
الفنانة وداد سالم
المنفى والمهجر قاتل الأبداع .. وبالأصرار تواصلنا
سخروا إمكانياتهم الخبيثة لغسل الأدمغة
وسائل الإغراء لاتنفع أبدلوها بوسائل القمع والمضايقة
حاولت السلطة إسقاطنا وتسقيطنا لكنها لم تجد منفذا
اذاعة صوت الشعب العراقي فرصة كبيرة لتواصلي مع شعبنا
في عام 1978 تصاعدت وتيرة الملاحقات وإزدادت حدتها لدى اجهزة الأمن القمعية وكثرت معها الأعتقالات والمتابعات اليومية للمبدعين في بيوتهم ومقارعملهم، والمحظوظ منهم من أستدعي في مقر عمله لمحاولة إغراءه أو تهديده ، أو إنذاره، وسخرت السلطة كل إمكانياتها الخبيثة والدنيئة وادواتها القمعية لتسقيط الفنانين المبدعين والكتاب والصحافيين وإرهابهم وتعذيبهم ،مما اظطر الكثيرون منهم الى الإختفاء أو مغادرة الوطن تجنبا للوقوع بمصيدة السلطة وقواها المتمرسة على البطش والقمع والتسقيط ، وتجنباللمطاردة والسقوط ، لكي يحافظوا على شرفهم وشرف الرسالة التي طالما حملوها أنقياء وإحتراما لأفكارهم التي يحملونها ، فغادر من غادر وبقي من بقي مفضٌلا الصمت على أن يخون شرف رسالته ومهنته وافكاره ...
( في وسط هذه الأجواء المرعبة والقلقة والقاسية كنت وزملائي في فرقة المسرح الشعبي نواصل وبصعوبة بالغة تماريننا اليومية على مسرحية ( رقصة الأقنعة) للكاتب شاكر السماوي مع زملائي غانم بابان وفلاح هاشم واديب القليه جي والراحل عوني كرومي وعدنان الحداد حيث كان قرار الفرقة تقديمها في موعدها المعلن والمحدد ، المسرح جاهز والديكورات نُصِبت والأعلانان تم توزيعها ، واسماءنا معلنة ويوم العرض اصبح معلوما ، وكل شيء اصبح جاهزا، ولكن وقبل ثلاثة ايام من موعد العرض ، أستدعيت الى مكتب ( ضابط أمن الاذاعة والتلفزيون).. وعلى غير ماأتوقع
إستقبلني، بحذر شديد ،وقال عليك الذهاب الى مديرية الأمن العامة لسبب( أمني بحت) يتعلق بمعلومات عن انتسابي للحزب الشيوعي العراقي ... حينها عرفت بأن الدور وصلنا وسط هذا الجو الغائم والمعتم والموتور من الملاحقات والأختطافات والاختفاء لزملاء لي ومعارف شملتهم هذه الهجمة البربرية واختفى من اختفى وهرب من هرب وقاوم من قاوم والملاحقات والاعتقالات على أشدها.)
في هذه الأجواء من الرعب والقلق، وعدم الأستقرار، كانت الفنانة وداد سالم وأطفالها وزوجها وعائلتها تعيش تلك الايام الأخيرة في بغداد ، وتتنقل بين احياءها لاتعرف أين سيؤول بها المصير بين استدعاء هنا وتضييق هناك مُلاحقة في عملها ورزقها، مهددة في أي لحظة بمصير مجهول، محاطة بمخاطر شملت حتى اطفالها في مدارسهم...
(أخبرني المدير العام للأذاعة والتلفزيون آنذاك، بقدوم مدير الأمن العام الى المؤسسة واخبرنا بقدرتهم على إعتقالي اثناء وجودي في المؤسسة او من الشارع أو مباشرة من دارها ومكان سكنها ، ولكننا لانفعل ذلك، وآلينا أن يكون إستدعاءها هادئا ، كي لايثير لنا فضيحة نحن في غنى عنها ، لذلك عليها ان تاتي إلينا بنفسها وبخلاف ذلك لدينا إجراءات أخرى ... حينها أخبرني بتوفير سيارة لتنقلني الى مديرية الأمن وستبقى بأنتظاري ... أجبته بلاداعي لذلك .. سأذهب بنفسي غدا ... هذا كان اليوم الأخير لي في المؤسسة ... عدت الى البيت تشاورت مع زوجي الفنان أديب القليه جي .. والعائلة ... وعزمنا على الرحيل مستفيدين من صلاحية جوازات سفرنا ... وفي ليلة لاتخلو من القلق والرعب وغموض المصير والمستقبل المجهول بدأنا رحلة منفانا..)
صوفيا ( العاصمة البلغارية) كانت محطتهم الأولى في المنفى، تركت العراق بحسرةٍ كبيرة خاصة وكان لها موعدا مع جمهورها بدورها المهم في مسرحية (رقصة الأقنعة) المسرحية التي أعلن عن تقديمها بعد ايام من خروجها والتي تدربت على دورها فيها ليام وليال ، بضنا وجهد كبيرين ... وماان حطت رحالها في صوفيا استقبلها زملاء لها كانوا قد سبقوها الى هناك يتشابهون معها في الهٌم المسرحي والوطني والانساني، مما خفف عن كاهلها ، واطفالها، وقع الغربة وقساوة المنفى ، وهذا لايعني ان الطريق معبدا لمواصلة مسيرتها الفنية والأبداعية في المسرح والسينما بل كان عليها ان تبدا من جديد ، وهي التي لاترى ان لها مقعدا أو موقعا بغير ماتكون في مجالها الفني ولأبداعي ، مع شعورها بان هناك متنفسا اوسع واكثر حرية في العمل الى جانب قضايا شعبها ووطنها والدفاع عن قضيتهم العادلة في الحرية والعدالة الاجتماعية والحياة الكريمة ، حيث لامجال لها سوى العمل من خلال هذه النافذة لمناصرة شعبها عازمة على ذلك منذ اليوم الاول لوصولها ووجودها في العاصمة البلغارية صوفيا...
بدأت مشوارها الفني بعد استقرارها النسبي مع اطفالها، وإلتحاق زوجها الفنان اديب القليه جي بهم بأمان ، وعملت مع مجموعة من المبدعين هناك في مسرحية ( الجرح المكابر) التي ولٌفها واخرجها الفنان فاضل السوداني عن اشعار للشاعرين الكبيرين محمود درويش والعراقي سعدي يوسف لتساهم فيها كأول عمل مسرحي خارج الوطن ، يناصر شعبها في محنتهم ومعاناتهم من النظام الفاشي المتسلط على رقابهم ... لاقت هذه المسرحية استحسانا كبيرا ودعما واسعامن جمهور عراقي وعربي وبلغاري مما دفعها والعاملين فيها الى تأسيس فرقة للمسرح العراقي لاحقا .
في نهاية العام 1980عُينت في اذاعة صوفيا كمذيعة في ( القسم العربي) وهذه كانت فرصة كبيرة لها في التواصل والتعبير عن افكارها خاصة في تلك الفترة التي كان العراق فيها بجبروته وقوته ونظامه الذي كان يشتري الدول ومواقفها بامواله ورشاه .... هذا الى جانب عملها الدؤوب في رابطة الكتاب والفنانين الديمقراطيين العراقيين كنقابة مختصة للدفاع عن المبدعين، وتنشط للحفاظ على التواصل وجمع شمل المبدعين العراقيين في الشتات وفضح ممارسات النظام في العراق وتوضيح الصورة التي شوُهت عن العراق وشعبه ومبدعيه ، والى جانب نشاطها المسرحي مع فرقة مسرحية اُسست في صوفيا ( فرقة البديل المسرحية) من خيرة المبدعين هناك .. جواد الأسدي، أديب القليه جي، نوزاد نوري ،فاضل السوداني،حسين السلمان وآخرين ...
بالرغم من ظروف المنفى والمجتمع الجديد،والبيئة التي تختلف اختلافا كليا عما هي عليه ، واصلت الفنانة وداد سالم نشاطها الابداعي في الاذاعة البلغارية، وتوزع نشاطاتها بين المسرح والسينما والفعاليات الاجتماعية والثقافية العراقية واضعة نصب عينيها العراق وهمومه ، مناضلة من خلال مايتاح لها من نوافذ تطل منها بما تمتلك من طاقات ،لمناصرة الشعب العراقي المقموع، غير آبهة لعيون السلطة من خلال أخطر سفارة عراقية، التي كانت تلاحق المبدعين والناشطين والمعارضين للنظام ... فتواصلت في المسرح بتقديم العروض المسرحية والمشاركة في افلام سينمائية إضافة الى مواصلتها في عملها الاذاعي باعدادالبرامج الهادفة والمسلسلات الاذاعية الموجهة والتلفزيزنية ايضا ... فالمسلسل الاذاعي ( إنذار) الذي حصد نجاحا باهرا، وكذلك مشاركتهافي التمثيلية التلفزيونية ( الأمل) والمسرحية التسجيلية ( شهادات من زمن الفجيعة) و( أغنية التم) والافلام السينمائية منها فيلم ( عرس فلسطيني) وفيلم ( احداث ليوم واحد) وغيرها الكثير ولم تقتصر نشاطاتها في التمثيل فقط بل تعداها الى الأمور الفنية الاخرى ، كعملها المستمر والكثير في دبلجة الأفلام الوثائقية البلغارية والتعليق على الأفلام التسجيلية والأعلامية والتجارية .
كان لنشاطها الثقافي والسياسي المعارض من خلال المؤتمرات والمهرجانات الفنية والثقافية في بعض العواصم الأوربية وقعا مهما بين أوساط المثقفين العراقيين أينما حلت ، مساهمة بجهدها في سبيل إعلاء كلمة العراق الحقيقية داحضة تشويه النظام البائد وإدعاءاته المشوشة للرأي العام العربي والعالمي .. من خلال مساهماتها في مؤتمرات فروع رابطة الكتاب والصحفيين والفنانين الديمقراطيين العراقيين ومهرجاناتها الثقافية.
لم يغب عنها وطنها العراق ولم يغمض لها جفن ، في كل هذه النشاطات، كان العراق شاخصا في عقلها وقلبها وضميرها متفانية ومتشبثة بأمل وحلم لم تكن تتصور انه بعيد المنال ، والتحقيق، بعراق تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية ، بعراق لافقير فيه ، بعراق يخلو من الأحقاد ، يعم فيه التعايش والسلام ، احلام طالما رافقتها في هذه المسيرة الغنية والعظيمة وعلى مدى نصف قرن من العطاء ، يحدوها الأمل ولازال ، بعراق ترفل فيه الناس بثياب السعادة والرخاء ويتمتع أبناءه بالعيش الكريم ، أسوة بشعوب الارض التي ناضلت وجاهدت ونالت استقلالها ..
كان صوتها عاليا وصداحا،من خلال اذاعة صوت الشعب العراقي المعارضة والمناهضة لنظام الاستبداد الدكتاتوري في الوطن، التي أستدعيت للعمل فيها خلال فترة الحروب والحصارفي أوائل التسعينات من القرن الماضي ، التي تناشد فيه الشعب العراقي الى التصدي لهذا النظام والصمود بوجه افعاله وممارساته القمعية ،مُبشرة وطامحة كطموح العراقيين بعصٍر يخلو من الدكتاتور والدكتاتورية في العراق .
في عام 1974 كُرمها المركز العراقي للمسرح ومنحها الشهادة التقديرية تكريما ( لدورها الثر والمميز في المسرح العراقي) كما جاء في ديباجة المركز المذكور... وعلى إثرها وفي نفس العام مثٌلت العراق في المهرجان السينمائي العالمي في مدينة طشقند ضمن وفد سينمائي رسمي ، كانت سفرتها الأولى خارج العراق ، ممثلة لبلدها العراق في هذا المحفل العالمي وكان ذلك فرصة كبيرة ومهمة لها في التعرف على العديد من الممثلين والسينمائيين والفنانين العالميين من كافة شعوب الأرض..
عام 1977وبدعوة خاصة وتكريمية شاركت في المؤتمر الثاني لنقابة الفنانين العراقيين الذي عقد في مدينة البصرة .
عام 1986 كرمتها رابطة الكتاب والفنانين والصحفيين العراقيين في العاصمة السورية – دمشق- مع ثلة من زملاءها المسرحيين البارزين حيث جاء في ديباجة التكريم (المسرحيون الذين أعطوا داخل الوطن وخارجه للمسرح دمهم وجهدهم وشكلوا علامات مضيئة في مسيرة المسرح العراقي الجاد ) كان هذا التكريم بالنسبة لها بمثابة تتويج لتاريخها الفني وتقييم لمسيرة المسرح العراقي الجاد والتقدمي .. كما تقول..
من كل هذه المسيرة والتاريخ الفني والنضالي والسيرة الذاتية والفنية .. تختتم الفنانة وداد سالم بكلمات الى زملاءها ومجايليها وجمهورها والقارىء الكريم والحسرة تعصر قلبها على ماآل اليه حال الوطن وحال المسرح والفن بصورة عامة وتقول :-
( اود ان اوضح لكل الزملاء التي وردت اسناءهم ولم ترد في سردي لهذه السيرة (التي هي جزء يسيرمما لدي) من الذاكرة كوني افتقد لأرشيفي الذي تركته خلفي في العراق بعد هذا الغياب الطويل عن الوطن وعدم توفر المصادر التي يعتمد عليها في الحديث عن تجربتي وتجارب الآخرين بتفاصيلها وتنوعها وكل مايحيط بها من ظروف حلوها ومرها ... لما يحوي ارشيفي من مقابلات وتصريحات لي والآخرين حولي عني وعنهم ونقود فنية للاعمال التي كنت في صلبها مشاركة وصانعة لها في كافة المجالات .. ومع هذا ليعذرني زملائي واصدقائي والقارىء الكريم إن سهوت هنا ولم اصب هناك او لم اذكر اسم هنا واسم هناك لاإهمالا مني ولاتجاوزا بل هذه هي ذاكرتي ... غير انني حاولت جاهدة بتسجيل أغلب الاعمال الفنية والجهود البشرية التي صنعتها وبذلت من اجلها في حركتنا المسرحية والفنية .. سجلتها بدقة.. وهذا لايعفيني ابدا من النسيان .. لهم اقدم إعتذاري ... متعهدة ان أسرد كل ذلك وغيره في الوقت المناسب في تدوين ذكرياتي وذاكرتي في مسيرة المسرح وحركتنا الفنية ...)
عندما يسود السلام والوئام في بلادي بعد ان طحنته الحروب وظروف الحصارات والدمار والارهاب وتنقشع والى الابد الغيوم السوداء التي ملأت سماءه الزرقاء وارضه الطيبة .. اذ ذاك سيكتب هذا الشعب الصابر والصامد تاريخه الناصع والاصيل .


قاسم حسن








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا