الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟1

خالد يونس خالد

2005 / 5 / 22
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق


هل من رؤية واضحة في عراق اليوم؟1
القسم الأول: خمسة خيارات في عراق اليوم
-دراسة تحليلية في حلقات لواقع العراق-

د. خالد يونس خالد*

يقول المثل الانكليزي المشهور: "الشعب يحمي ديمقراطيته". من هذا المنطلق يقول المفكرون أنه لايمكن لأي نظام أن يوجد الديمقراطية، لأن الديمقراطية تهدد كل نظام يسلب السلطة من الشعب. وعليه لايمكن فصل الحالة الكردستانية والعراقية اليوم عن الحالة الداخلية والاقليمية والدولية. فالعراق جزء من النظام الأقليمي وبالتالي جزء من النظام الدولي.
في العراق خيارات عدة تفتقد الى رؤية واضحة ليلتف حولها العراقيون بصورة واعية ومدروسة، وبشكل مقنع وسلمي. فالخيارات المطروحة لازالت تتأرجح بين الدين والسياسة في اطار بوتقة العلمانية والاسلاموية، وتتحول هذه الخيارات بين التوجهات الشرقية والغربية، وبين تفسيرات وشروحات المرجعية الدينية والمواقف القومية والمذهبية. والأهم من كل ذلك دور النظام الأقليمي ولاسيما سوريا وايران في المعادلة العراقية، ومدى تأثرها وتأثيرها بالنظامين الأقليمي والدولي، ناهيك عن الصراع السني الداخلي والدول السنية المجاورة إضافة الى الصراعات العرقية والتوجهات القبلية والطائفية والعشائرية. وأنا لا أطرح هذه القضايا باعتبار أن العراق سيكون أفغانستانا آخرى لقناعتي أن العراق يتكون من فسيفساء خاص به، وأن وعي الشعب العراقي أعلى من أن يكون طائفية ومذهبية إذا لم تتدخل دول الجوار العراقي. ولكن التدخل الأقليمي ولاسيما السوري والايراني بجعل العراق محمية لهما، يصبح العراق كعكا للتقسيم إذا لم يكن الشعب العراقي في مستوى الوعي الاجتماعي والحضاري برفض النموذج الايراني والأفغانستاني والسوري ورفض الوصاية. فسورية هي الدولة الوحيدة التي يحكمها حزب ذات آيديولوجية شمولية من الناحية العملية وليست الشكلية، كما أنها الدولة الوحيدة التي يحكمها البعث الذي يرفض حق الشعب بعربه وكرده وأقلياته في الحرية. في حين أن ايران هي الدولة المذهبية التي تريد تصدير نموذجها الى دول الجوار ولاسيما العراق، وتطبيق التجربة السياسة الإيرانية في بداية الثمانينات بالسماح باشتراك التيارات السياسية المختلفة في الحكم أثناء تشكيل الحكومة الأولى أو البرلمان الأول، ثم ضرب الفئة الرابعة بالخامسة، وضرب الخامسة بالثالثة، وضرب الثالثة بالثانية فتنفرد لضرب الفئة الثانية والهيمنة على السلطة. والتاريخ السياسي الايراني المعاصر في الأذهان حين شارك الكرد في النظام وانتخاب رئيس الحزب الديمقراطي الايراني الشهيد عبد الرحمن قاسملو في لجنة الدستور. وساهمت القوى الليبرالية والراديكالية واليسارية الايرانية في البرلمان المنتخب الأول والحكومة الايرانية الأولى بعد ثورة الشعوب الايرانية، ثم تصفيتها وضربها وعزلها. مثل رئيس الجمهورية بني صدر، ورئيس الوزراء مهدي بازركان، ووزير الخارجية قطب زادة، واغتيال الزعيم الكردي عبد الرحمن قاسملو في فينا، واغتيال خليفته شرف الدين الكندي في برلين. وبذلك نجح المحافظون الاسلاميون في التفرد بالسلطة وضرب الديمقراطية بسلاح الديمقراطية تحت راية الاسلام. وهكذا بالنسبة لحليفة ايران، سورية، وأعني النظام البعثي الذي يسير بنفس الاتجاه باشتراك القوى السياسية السورية الاخرى في الحكم بصورة شكلية، بينما السلطة الحقيقية بيد عائلة واحدة وفئة سياسية واحدة، تحكمها آيديولوجية البعث الدكتاتوري. وطبق النظام السوري أيضا سياسة اغتيال المعارضين النشطين، وضرب الشعب الكردي وتطلعاته من أجل الحرية، واعتبار الشعب الكردي في كردستان الغربية مهاجرين. واتباع سياسة الحزام العربي المسمى (الحزام الأخضر) ، وضرب القوى المعارضة كالاخوان المسلمين مثلا بالطائرات، بقصف حمص وحماه بالقنابل العنقودية.
إذا انجر العراق الى هذا المستنقع السياسي، فذلك يعني حدوث حرب أهلية لانهاية لها إلا بتقسيمه وتجزئته. لكن البديل قد يكون ضرب سورية وايران من قبل المجتمع الدولي، فنصل الى جعل الشرق الاوسط بؤرة التوتر التي تهدد السلام العالمي، وتنشط فيها الأعمال الارهابية، وبذلك تنقسم المنطقة الى مراكز قوى جديدة يطبق فيها مشروع الشرق الأوسط الكبير، وتزيل الأنظمة الشمولية في المنطقة، لتظهر أنظمة جديدة، وتكتلات أقليمية دولية تكون اسرائيل وكردستان (الدولة المرتقبة إن صح القول) طرفا فيها الى جانب الدول السنية المهددة بالارهاب، ضد الدول السنية الممولة للأرهاب.
داخليا يتعرض العراق للأرهاب الدولي والعمليات الارهابية الشنيعة بأسم الأسلام والاسلام براء منها، مع تأكيدنا ما تتعرض لها النساء من اضطهاد، وما يتعرض له الاخوة المسيحيون والايزيديون والمندائيون وغيرهم من قمع وتصفيات جسدية من قبل القوى الارهابية التي عبرت الحدود عبر بعض دول الجوار كسوريا لمنع الشعب العراقي من بناء وطنه على أسس ديمقراطية وسلمية. إضافة الى تواجد القوات الدولية المتعددة الجنسيات لحماية العراق من التمزيق والارهاب في المرحلة الراهنة على الأقل. وقد شمل هذا الارهاب دول أخرى مثل المملكة العربية السعودية والكويت واليمن. وأصبح واضحا وجود دول شرق أوسطية ضد الارهاب، ودول شرق أوسطية أخرى ممولة للارهاب. ولاشك أن النصر يكون للشعوب المناضلة من أجل الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان، ودحر الارهاب الدولي والدول الممولة لها، وذلك بتشكيل جبهة ديمقراطية عالمية موحدة ضد الارهاب والاضطهاد والعبودية والأنظمة الشمولية. وأعتقد أن الشرق الاوسط سيكون مركز الصراع الدولي من أجل الحرية والسلام، وأن نظريات الجيوبوليتيكيين القدامى والمعاصرين، مثل ماكندر وكيسنجر وبريجنسكي وغيرهم ستأخذ مجراها التطبيقي، بأن مَن يسيطر على أوربا والشرق الأوسط سيسيطر على العالم.
إذن العراق محور الصراع والسلام في الشرق الأوسط، وهو أيضا بؤرة الاستقرار والاضطرابات في المنطقة. ومن العراق ستنطلق الشرارة لانتصار الحرية على الارهاب، أو لهزيمة الحرية أمام الارهاب. فالتاريخ لا يسير بإتجاه حلزوني انما الى الأمام، والنصر سيكون للشعوب التواقة الى الحرية والسلام، والطريق الى هذا النصر لن يكون مفروشا بالورود. لكن الحرية والسلام والرفاهية بحاجة الى النضال والعلم والمعرفة والتضحيات. فلن تستطيع أن تزرع الخضر في رمال الصحراء إلا بعد أن تصلح الأرض وترويها بالمياه، ولن تكون قادرا أن تحفر الآبار باللسان إنما بالعمل الجاد المثمر، ولن تبني وطنا حر وشعبا سعيدا إلا بالعلم والارادة والوعي الاجتماعي والتكاتف والتعاون والتخطيط في اطار النظام الدولي. ومن غير الممكن أن يدخل أطفالنا الغابات المظلمة المليئة بالوحوش المفترسة قبل أن ننظف تلك الغابات من تلك الوحوش. في هذه الأجواء الداخلية والأقليمية والدولية نطرح الخيارات التالية في عراق اليوم، عراق العرب والكرد والاقليات القومية والدينية:

أولا: خيار المواجهة
هل يمكن للعراقيين أن يواجهوا المد الإيراني والتدخل السوري الى جانب ما يحدث من أعمال ارهابية دموية من قبل ارهابيين دوليين وبقايا الارهابيين العفلقيين؟ هل يستطيع العراق أن ينقل المعركة الى سورية أو ايران كما إدعى وزير الدفاع العراقي المؤقت في حكومة العلاوي المستقيلة في تصريحاته؟
الجواب طبعا لا، لسبب بسيط وهو أن هذا الخيار غير واقعي لأنه يظهر العراق بمظهر الارهاب في أعين الغرب والولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي، ويجعل العراق ينزلق الى مستوى الانعزال كسورية، بل يجعل العراق معزولا عن الحضارة لأن العراق مرشح أن يكون مركز الاشعاع الحضاري على عكس سورية المرشحة أن تفقد نظامها الشمولي الدكتاتوري. فإذا كانت سورية مكروهة في أعين كثير من اللبنانيين والعراقيين بشكل عام، فإن العراق أصبح ضحية توجهه الديمقراطي ولو بصورة مؤقتة، مع قناعتنا أن التحول الديمقراطي يحتاج الى هذه التضحيات الى أن تنتصر الارادة الحرة النبيلة على الشر والاستبداد والكره. وعليه فإن تبني خيار المواجهة يجعل من العراق في صف الدول الشريرة، ويخلق الكراهية، كما أن ممارسة الارهاب دليل على العجز وعدم الثقة بالنفس والانحطاط الفكري في التعاطي مع الآخر. لذلك فإن نجاح الانتخابات العراقية في 30 يناير/ كانون الثاني 2005 كان انتصارا على الارهاب وقوى العدوان، وهو في الوقت نفسه انتصار لارادة الحرية واصرار الشعب العراقي بكل فئاته وأعراقه وتوجهاته في الحياة الحرة الكريمة.

ثانيا: خيار الاستسلام
استسلام العراق للأرهاب والدول الممولة للإرهاب يعني هزيمة العراق وغيابه عن المجتمع الدولي. كما يؤدي الى الانتقاص من شخصية العراق الدولية، وتحطيم ارادة الإنسان العراقي الذي تعود أن لا ينهزم ولا يخضع لإستبداد أي نظام حاول إستعباده. كما أن خيار الإستعباد يعني فسخ شخصية العراقي والانتقاص من ارادة شعب العراق وعقيدته، لذلك فإن هذا الخيار مرفوض كليا كالخيار الأول، بل أكثر من الخيار الأول لأنه يعني الانتحار السياسي والفكري.

ثالثا: خيار العزلة
خيار عزل العراق عن محيطه وربطه بدولة جارة معينة أو دولة أجنبية يجعل من العراق مستعمرة أو محمية يفتقد الى مقومات الحياة الحرة الكريمة والاستقلال والسيادة. وهذا لايتلاءم مع طبيعة الانسان العراقي التواق للحرية. فالشعب العراقي معروف عنه أنه أكثر شعوب الأرض تضحية من أجل حريته ورفضا للعبودية والاستعباد. إذن خيار العزلة في عالم اليوم يجعل العراق محروما من التكنيك المتطور والعلوم الحديثة والنهضة الفكرية والحضارية، ولذلك فهو خيار أقرب الى الانتحار منه الى الحياة.

رابعا: خيار الحكم الشمولي الوحيد الجانب لتحقيق الوحدة العراقية
هناك مَن يطرح خيار سيطرة فئة سياسية قوية وفاعلة واحدة، أو فئة مذهبية واحدة تتمتع بأغلبية بشرية، وتسيطر على أكبر بقعة أرضية، وتمتلك جيشا قويا ومدربا للسيطرة على العراق وتصفية المعارضين، وإذابة القوميات الأخرى في بوتقة القومية الكبيرة، او الاحتفاظ بتلك الأقليات القومية وتوجهها توجها قوميا ومذهبيا معينا من أجل تحقيق وحدة التراب العراقي ووحدة الخطاب السياسي والفكري.
هذا الخيار إستبدادي دكتاتوري متخلف، ومن السذاجة مناقشة هذا الخيار مناقشة واقعية وعلمية لعدم قدرتنا إيجاد مزية واحدة لصالح الشعب العراقي في ظل الفسيفساء العراقي الحالي، وتاريخ العراق خير تجربة لفشل هذا الخيار إعتبارا من حكم عبد السلام عارف ومرورا بحكم عبد الرحن عارف وانتهاءا بحكم أحمد حسن البكر وحكم الطاغية المستبد صدام حسين. فالشعب العراقي، ولاسيما الشعب الكردي يرفض هذا الخيار كليا، كما أن النظام الدولي المعاصر لا يقبل بأي شكل من الاشكال هذا الخيار الخبيث والغبي الذي لايتلاءم وطبيعة الانسان السوي وطبيعة الشعب الحي والفكر الناضج والوعي الاجتماعي والحضاري. وهذا الخيار يقع في نفس المستنقع الذي تقع فيه الخيارات المذكورة أعلاه.

خامسا: خيار الحوار الوطني الديمقراطي
الحوار هو الطريق الناجع الذي يُمكن للشعب العراقي أن يأخذ ويعطي. ولكن لايجوز اجراء الحوار على أرضية مخلخلة وغير مدروسة، لأن الحوار يفقد معناه إذا افتقد الشعب العراقي وأحزابه الوطنية الديمقراطية الى رؤية واضحة وبرنامج مدروس. وعليه لابد من وجود شروط لهذا الحوار. فما هي هذه الشروط؟ هذا ما نعالجها في الحلقة القادمة بعون الله. بعنوان: خيار الحوار الوطني الديمقراطي في عراق اليوم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السودان الآن مع صلاح شرارة:


.. السودان الآن مع صلاح شرارة: جهود أفريقية لجمع البرهان وحميدت




.. اليمن.. عارضة أزياء في السجن بسبب الحجاب! • فرانس 24


.. سيناريوهات للحرب العالمية الثالثة فات الأوان على وقفها.. فأي




.. ارتفاع عدد ضحايا استهدف منزل في بيت لاهيا إلى 15 قتيلا| #الظ