الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ!

جواد البشيتي

2013 / 9 / 15
مواضيع وابحاث سياسية



جواد البشيتي

المجتمع الديمقراطي، مع سيادة القانون، هو بمعنى من أهمِّ معانيه مجتمع الحقوق، أيْ المجتمع الذي يتوفَّر دائماً على إنشاء وتطوير مزيدٍ من الحقوق المتنوِّعة لأفراده وفئاته كافَّة، مع تنظيمها، بما يراعي التوازُن بينها جميعاً، فلا حقَّ يَلْتَهِم حقَّاً، أو يذهب به. والحق، ولو ألبسناه لبوس القانون، لا أهمية، ولا قيمة، له، في المجتمع الديمقراطي، إنْ لم يتوفَّر المجتمع نفسه، أيضاً، على تمكين المتمتِّع (قانوناً) بالحقِّ من ممارسته؛ وعندئذٍ فحسب، يشعر المواطِن (وبصفة كونه إنساناً أيضاً) بأهمية وضرورة "الثَّقافة الحقوقية"، وبوعي حقوقه؛ لأنَّ من لا يعي حقوقه (في مجتمعٍ كهذا) لا يمكنه الدفاع عنها.
وإنَّ بعضاً من أهم أوجه ومعالم الأزمة (التاريخية) في تجربة "الربيع العربي"، يَكْمُن في هذا الأمر؛ فإنَّ خَلْع الحاكم الفرد المستبد، والذي كاد، بما يتمتَّع به من سلطات وصلاحيات، أنْ يلتهم المجتمع، كان يجب أنْ يَقْتَرِن بإعلان "لائحة حقوق"، تشتمل على الحقوق الأساسية (الجديدة) للفرد والجماعة من المواطنين؛ والحاجة إلى هذا الإنجاز ما زالت على شدَّتها، وتشتد أكثر مع مرور الوقت، وتفاقم الأزمات.
لكنَّ هذه الحقوق الجديدة، الجيِّدة ديمقراطياً وإنسانياً وحضارياً وثورياً، لها جميعاً "أصل مبدئي واحد"، تتفرَّع منه، على ما أرى؛ وهذا الأصل هو مبدأ "عِشْ ودَعْ غيركَ يعِشْ"؛ ونحن لو أخذنا بهذا المبدأ، وتمثَّلنا معانيه ومراميه، لأسَّسنا في أذهاننا (ومشاعرنا) أوَّلاً لدولةٍ فيها من الحرِّيَّة بأوجهها كافة ما يجعلها على مستوى الأهمية التاريخية نفسها للثورات التي أخرجتها إلى الوجود؛ مع أنَّ ثورات الربيع العربي لم تأتِ حتى الآن (أقول لم تأتِ "حتى الآن"، ولا أقول لن تأتي أبداً) إلاَّ بما يجعلني متِّفِقاً كل الاتِّفاق مع ماركس إذ قال إنَّ الثورات تُغيِّر كل شيء إلاَّ البشر؛ وأحسب أنَّ ماركس لم يكن يعني بقوله (أو حُكْمِه) هذا إلاَّ إبراز "الصعوبة" في تغيير الثورات للبشر.
"عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ" ليس بالمبدأ الذي يمكن أنْ تهضمه "معدتنا الثقافية" بيُسْرٍ وسهولة؛ وليس، من ثمَّ، بالمبدأ الذي يمكنه أنْ يُلوِّن نمط وطريقة عيشنا وتفكيرنا بلونه؛ فكيف له أنْ يكون صديقاً لنا، في عيشنا (وسلوكنا) وتفكيرنا، ونحن (على الرَّغُم من كل مزاعمنا وادِّعاءاتنا) ما زلنا على عدائنا التاريخي (الصريح تارةً، والمستتر طوراً) لـ "الآخر"، الذي يخالفني (وعصبتي) ويختلف عنِّي (وعنها)؟!
إنَّ الحقَّ الأوَّل للإنسان (أكان فرداً أم جماعة) والذي يجب أنْ يكون "مواطِناً"، هو حقه في أنْ يعيش كما يريد، أيْ بنمط العيش (بمعناه العام) الذي يريد؛ فيُحْظَر على "الآخر" أنْ يعتدي ويتطاول على نمط عيشه، الذي أراد واختار، أو أنْ يُكْرِهه (بطريقة ما) على تغييره بما يجعله مماثِلاً لنمط عيشه هو، أو أكثر شبهاً به، وكأنَّ نمط عيشه يعلو ولا يُعْلى عليه.
عِشْ كما تريد، علانيةً، لا سِرَّاً؛ فلقد حان لمجتمعنا إنهاء ظاهرة "الجماعة (الدِّينية على وجه الخصوص) التي تُظْهِر خلاف ما تُبْطِن، وتُبْطِن خلاف ما تُظْهِر" حتى لا تُضطَّهَد. وهذا الحق يَفْقِد معناه إذا لم يُلْزِم صاحبه (أيْ الذي يتمتَّع به، ويمارسه) احترام حقَّ غيره (من المواطنين، ومهما اختلف عنه، وخالفه) في أنْ يعيش هو، أيضاً، كما يريد. وهذا "الإلزام (أو الالتزام)" لا يتناقَض في المجتمع الديمقراطي الحر مع حقِّكَ في أنْ تَنْظُر إلى نمط عيش الآخر في الطريقة التي تشاء (وفي أنْ تَكْرَهَه وتبغضه وتعارضه؛ لكن من غير أنْ تَقِف منه مواقف تَكْمُن فيها الرَّغبة في إكراهه وإرغامه على تغييره).
"مجتمع عِشْ ودَعْ غيركَ يَعِشْ" إنَّما هو مجتمع يتَّسِع للجميع، ولا يضيق إلاَّ بِمَن يسعى في جعله يضيق بـ "الآخر"، بأوجهه وألوانه كافَّة؛ وهذا المسعى (وعلى ما رَأَيْنا في عالمنا العربي) يُزيَّن ويُزَرْكَش بما يمكِّن كل حُكْمٍ فئوي من خداع الأبصار والبصائر.
ونرى وجهاً آخر لـ "الأزمة التاريخية" في تجربة "الربيع العربي" في الموقف الذي تَقِفه من "الآخر" أحزاب إسلامية إذا ما أصبحت حاكمة ولو من طريق صناديق الاقتراع؛ فهذه الأحزاب لم تتغيَّر حتى الآن بما يكفي لجعلها كحزب أردوغان (في تركيا) لجهة موقفه من "الآخر"، الذي بعضه هناك (أيْ في تركيا) ينادي صراحةً وعلناً بالعلمانية، ويستمسك بها، ويَنْظُر إلى طريقة الحياة (حياة الأفراد والجماعات) في الغرب على أنَّها عالمية، أيْ تصلح لمحاكاتها (والأخذ بها) في خارج الحدود الجغرافية للغرب.
لا تعتدي، ولا تتطاول، على نمط عيش غيرك، وبالمعنى العام لـ "العيش"؛ فهذا إنَّما هو الشرط الأوَّلي والجوهري والأساسي لاحترام وضمان حقِّكَ في أنْ تعيش كما تريد؛ فالديمقراطية (ومجتمعها) تتَّسِع للجميع، حتى للأحزاب الإسلامية؛ وهي لو ضاقت بهم (وبغيرهم) لفَقَدَت معناها الجوهري؛ لكنَّها (وهذا من حقِّها) لا تتَّسِع (إلاَّ إذا أرادت الانتحار) لكل من يناصب قيمها ومبادئها العداء، ويريد أنْ يتَّخِذها سُلَّماً يصعد فيه إلى حُكِمٍ ما أنْ يَصِل إليه حتى يأخذ السُّلَّم، ويرميه بعيداً، ليشرع في إفراغ الديمقراطية من قيمها ومبادئها (المتواضَع عليها عالمياً) بدعوى أنَّ قيمنا الحضارية والثقافية تأباها، وتضيق بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - دع غيرك يعيش
علي العايد ( 2013 / 9 / 15 - 21:30 )
قل يا أخي الكاتب دع غيرك يعيش
ولا تخطئ خطأ القرآن إذ قال : - مرهم يأكلوا ويلعبوا - وكان على الله أن يقول لمحمد : مرهم يأكلون ويلعبون

اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشحه.. و50 شخصيةً قيادية ديمقراطية تطالبه بالت


.. أشهر مضت على الحرب في غزة والفلسطينيون يترقبون نهايتها




.. نتنياهو يتهم وزير دفاعه يوآف غالانت مع المعارضة بمحاولة الإط


.. قصف كثيف وإطلاق قنابل مضيئة بمناطق شرقي غزة




.. القمر كوزموس 2553.. أطلقته روسيا قبيل إعلانها الحرب على أوكر