الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن سوريا والفيدرالية

حسين عمر

2013 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


دخل مصطلح الفيدرالية إلى الحياة السياسية كواقع ملموس وملامس للممارسة السياسية في المنطقة مع تبنّيها كصيغة حكم وشكل دولة في العراق المجاور لسوريا. وترافق هذا الاقتحام غير المرغوب به لصيغة الفيدرالية في العقل والوعي والمزاج العربي مع معطيين أساسيين أثّرا وساهما كثيراً في تشويه مضمون ومحتوى هذه الصيغة لشكل الدولة ونمط الحكم. تمثّل المعطى الأوّل في دخول القوات الأمريكية وحلفائها إلى العراق وإسقاط النظام فيه يوم التاسع من نيسان عام 2003 وما رافق ذلك من مشهدٍ درامي ودراماتيكيّ بإسقاط صنم الطاغية صدّام الذي ظلّ لما يقارب ثلاثة عقودٍ يغذّي المخيال العروبي كحامٍ لأسوار العروبة من المتربّص الفارسي. أمّا المعطى الثاني، فقد تمثّل في ما جرى من استبدال للوثن القومي في الذهن العروبي بالمقدّس التوحيدي، إذا تجلّت هذه الفيدرالية في المخيّلة المأزومة والمرضوضة بهزيمة الحامي الموهوم تقسيماً وتفتيتاً للعراق. وعلى خلفية هذين المعطيين، جرى تصوير الفيدرالية على أنّها الآفة التي لا تنخر في جسم العراق وحده فحسب بل وتجازف بأن تتفشّى في كامل الجسد المحيط به والمُماسِ له، ولذلك شغلت تشنيعها ومحاربتها المكان الأوسع في الخطاب العروبي العراقي وملحقاته (المقاومة) في الإقليم.
إلا أنّه مع انسحاب أمريكا من العراق وتواجه وتقابل المكوّنات العراقية مع بعضها وتمعّنها في حصيلة نزاعاتها وصراعاتها وتقاتلها دفعت بتكويناتها السياسية وحواملها الاجتماعية إلى إعادة النظر لا في خطابها فحسب بل وفي مشاريعها السياسية لتتحوّل الفيدرالية من داء إلى دواء في وصفة من كانوا أشدّ أعدائها شراسة.
مع انطلاقة الحراك السلمي في سوريا وتطوّره وانفتاح سوريا أمام المشاريع السياسية، طُرِحتَ صيغة الفيدرالية كشعارٍ تبنّته الأطراف الكوردية المنضوية في إطار المجلس الوطني الكوردي وذلك في قفزة شاسعة مفارقة لبرامج تلك الأطراف السياسية الأمر الذي ترك الانطباع بأنّ هذا الطرح لم يكن سوى افرازٍ من افرازات انفتاح الشهية السياسية على المشاريع الحالمة أو محاكاةٍ افتراضية لتجربة الاقليم الجنوبي من كوردستان في علاقته مع العراق، الأمر الذي دفع بالمعارضة السورية إلى الاستزادة بالخطاب العروبي المستجلَب من الفلوكلور العراقي في تشنيع الفيدرالية ومناهضتها.
وإذا كان الواقع الكوردي في سوريا يختلف فعلاً في معطياته عمّا هو عليه الواقع الكوردي في العراق- ولن نقف هنا على أوجه الاختلاف بين الواقعين- فإنّ تجربة بناء الدولة السورية تاريخياً وواقعها الراهن يتطلّبان توقّفاً مكثّفاً عليهما.
فعبر التاريخ لم تقم دولة بالمعنى السياسي والاجتماعي على الأرض السورية لا بحدودها الحالية ولا على جزءٍ منها باسم سوريا، بل تحدّدت الدولة السورية بحدودها الراهنة والمعترَف بها دولياً بموجب عدّة اتفاقيات ومعاهدات أعقبت اتفاقية سايكس – بيكو، المُبْرَمة بين فرنسا والمملكة المتّحدة في داونينغ ستريت في 16 مايو 1916، وكان آخرها اتفاق الترسيم النهائي للحدود في عام 1939. في إطار هذا التحديد، ضمّت حدود الدولة السورية، التي نالت استقلالها فعلياً في عام 1946، مكوّنات قومية ودينية ومذهبية متنوّعة كانت سلطة الانتداب الفرنسي قد سعت في بداية عهدها إلى أن تأخذ هذا التنوّع وخاصّة المذهبي منه بعين الاعتبار حينما أقامت عدّة دويلات على هذا الأساس كحكومة العلويين ودولة جبل الدروز ودولة سوريا، بينما جعلت سنجق اسكندرون يتمتّع بإدارة خاصّة، ثمّ دمجها بإقامة اتحاد بين الدول الأربع في عام 1923. وكانت هذه صيغة فيدرالية مبكّرة في سوريا كان يكفي للنظر إليها بعين الشكّ والرفض كونها من نتاج الدولة المنتدبة. ومع أنّه تمّ تجاوز تلك الصيغة الاتحادية وفي مرحلة لاحقة من تصاعد المدّ العروبي وبلوغه للسلطة تمّ العمل على إسقاط تلك الصيغة من الذاكرة الجمعية للسوريين، إلا أنّ مفاعيل التنوّع في سوريا ظلت تعتمل في الحواضن الاجتماعية المختلفة على مدى أكثر من ستّة عقود لتذري رياح الثورة الرماد وتكشّف عن الجمر المتّقد تحتها.
ومع أنّ كلاً من النظام والمعارضة يتباريان في الإدّعاء بالحفاظ على تماسك الدولة ومركزيتها إلا أنّ الحرب الشرسة التي يخوضانها والتي باتت تتحوّل إلى نزاعٍ طائفيّ فاقعٍ في بعض مواقعها وما سيتركه هذا النزاع من شروخ عميقة في البنيان السياسي والاجتماعي والثقافي والوجداني والنفسي والاقتصادي في البلاد، إضافة إلى تشكّل ما يشبه جيوش محلية ومناطقية تختلف في بنيتها الاجتماعية ومعتقداتها الأيديولوجية، كلّ هذا سيدفع بالسوريين في مرحلة ما إلى الاستعاضة عن الاستمرار في التقاتل والخوف المتبادل بصيغة من اللامركزية التي تحفظ للأطراف المختلفة نوعاً من الاطمئنان الكفيل بضمان عودة السوريين إلى التعايش والحياة المشتركة حتى وان لم تُسمّى بالفيدرالية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. لماذا لم تتراجع شعبية ترامب رغم الإدانة؟| #أميركا_اليوم


.. 10 شهداء بينهم أطفال وعدد من الإصابات في قصف استهدف منطقة رم




.. بن غفير: الصفقة تعني التخلي عن تدمير حماس فإذا ذهب نتنياهو ب


.. تشويه لوحة فرنسية شهيرة بسبب التقاعس بمواجهة التغير المناخي




.. تظاهرة في مدينة بينغول التركية دعماً لفلسطين وغزة