الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من قضايا الفلاحين الفقراء في تونس

حزب الكادحين في تونس

2013 / 9 / 16
الصناعة والزراعة


من يوم لآخر تكشف لنا المعطيات المتوفّرة فشل الحكومة الذريع في مواجهة المشاكل سواء منها المزمنة أو المستجدّة والتي تعاني منها كل القطاعات الانتاجية خاصة قطاع الفلاحة الذي زاد في تأزيم وضعه استمرار الجفاف وتواصله لمدّة طويلة . إنّ سياسة اللاّمبالاة التي سلكتها الحكومة وعدم جدّيتها في مواجهة مشاكل هذا القطاع وعدم الإسراع بإيجاد حلول جذريّة له خاصّة بالنسبة للفلاّحين الصغار والمتوسّطين ادت الى نتائج كارثيّة خاصّة بالنسبة للزياتين لما لهذه الثروة من أهميّة اقتصاديّة واجتماعيّة .
وتبرز أهميّة شجرة الزّيتون في كونها تغطّي ثلث المساحة المحترثة بالقطر أي حوالي 79 بالمائة بما يعادل 7.1 مليون هكتار منها حوالي 5.1 مليون هكتار غراسات زيتون بحتة، أمّا المساحة المتبقّية فهي غراسات مختلطة بين الزياتين والأشجار المثمرة الأخرى خاصّة اللوز ، فالفلاحون الصغار الذين يملكون قطع أرض فلاحيّة صغيرة (80 بالمائة من المساحات المغروسة أقلّ من 5 هكتارات ) يعمدون في الغالب إلى استغلالها في الغراسات المزدوجة التي تجمع خاصة بين أشجار الزيتون واللوز.
وأشجار الزياتين يتجاوز عددها الجملي في تونس 60 مليون شجرة منها 14 بالمائة بالشمال و67 بالمائة بالوسط و19 بالمائة بالجنوب، ويضمّ قطاع الزياتين حوالي 309000 فلاح أي ما يمثّل حوالي 60 بالمائة من المشتغلين بالفلاحة وتعتبر ولايات صفاقس وسيدي بوزيد ومدنين من أهمّ الولايات التي تتركز فيها النسبة الأكبر من أشجار الزيتون . كما يمثّل إنتاج الزيت حوالي 13 بالمائة من إجمالي الإنتاج الفلاحي و44 بالمائة من إنتاج الأشجار المثمرة وتعد تونس رابع منتج عالمي لزيت الزيتون الذي يمثّل المنتوج الفلاحي الرئيسي الموجه للتصدير إذ يؤمّن أكثر من 40 بالمائة من قيمة الصادرات الغذائيّة (165000 طن سنويا خلال الخمس سنوات الأخيرة) و5.5 بالمائة من الصادرات العامة بينما يوفر 16 بالمائة من القيمة المضافة .
كما يوفّر قطاع الزياتين حوالي 34 مليون يوم عمل في السنة أي نسبة 20 بالمائة من التشغيل في القطاع الفلاحي، فموسم جني الزيتون يمثّل فرصة سانحة للعائلات الفقيرة و لبعض للمعطلين عن العمل للظفر بشغل حتّى وإن كان لأشهر معدودة (المدّة لا تتجاوز الأربعة أشهر عندما تكون الصابة قياسيّة) ممّا يساهم في تقليص معاناتهم اليوميّة وفي تحسين وضعهم الإقتصادي ولو بصفة مؤقّتة إضافة إلى تنشيط حوالي 1400 معصرة زيتون والعديد من شركات تعليب الزيت وشركات التصدير .


صدر بجريدة طريق الثورة
إنّ استعراض هذه المعطيات الخاصّة بقطاع الزياتين يهدف إلى إبراز أهميته في الحياة الاقتصاديّة والاجتماعيّة، هذه الأهميّة التي لا تأخذها السلطة بعين الاعتبار لإيجاد حلول سريعة للمشاكل الطارئة والمرتبطة أساسا باستمرار الجفاف وتأثيره السلبي على أشجار الزيتون. غير أن السلطة ممثّلة في وزارة الفلاحة لم تسارع بأخذ التدابير اللاّزمة والضروريّة خاصّة مع تواصل الجفاف واستفحاله على مستوى جهات الوسط والجنوب أين تتركّز حوالي 86 بالمائة من أشجار الزيتون والتي تفاقم ضررها وأصبحت العديد منها مهدّدة بالتّلف خاصة بالولايات الأكثر إنتاجا للزيت وهي سيدي بوزيد وصفاقس ومدنين .
لقد أقرّ وزير الفلاحة منذ شهر جوان 2013 خطّة للتدخّل السريع لحماية الزياتين من خطر الجفاف المحدق بها وذلك بتمكين الفلاّحين من مساعدة ماليّة قدّرت بدينارين لشجرة الزيتون الواحدة للمساعدة على ريّها للتقليص من مخاطر الجفاف التي تتهدّدها . ورغم أن قيمة المساعدة المعلن عنها غير كافية باعتبار أن الحالة التي أصبحت عليها الزياتين تتطلّب ريّها مرّتين على الأقلّ ، فإنّ هذا القرار صاحبته العديد من الشروط المجحفة جعلته حبرا على ورق ولم يتمّ تطبيقه ممّا أثّر سلبا على أشجار الزياتين التي يبست أغصانها واصفرّ لونها وأصبحت مهدّدة بالفناء خاصّة بعد إصابة الآلاف منها بالمرض جرّاء ظهور "حشرة النيرون " الفتّاكة .
لقد طغت حالة من القلق والهلع سرعان ما تحوّلت إلى كابوس مزعج للفلاّحين الفقراء والمتوسطين جرّاء خوفهم من فقدان مورد رزقهم وهم في وضع لا يقدرون معه على درء الخطر الذي ألمّ بغراساتهم باعتبار أنّ شجرة الزيتون هي الغراسة الأكثر انتشارا بالمناطق الأكثر فقرا نظرا لقدرتها على الصّمود أمام الجفاف ، غير أنّ جفاف الموسم الفلاحي الحالي 2012ــ 2013 والذي استمرّ لمدّة طويلة والذي اتّسم بالحدّة لم تتمكّن معه العديد من أشجار الزيتون من الصمود في وجهه إذ أحالها على "الإنعاش" لتنقض عليها الحشرات الفتاكة فتحليلها إلى مجرد حطب يستعمل وقودا للنيران .
إنّ الشروط المجحفة التي وضعتها وزارة الفلاحة لتمتيع البعض من الفلاحين من إعانة لريّ زياتينهم وتأخّر مصالحها في التدخّل يؤكّد بما لا يدع مجالا للشكّ مدى استهانتها بهذا القطاع رغم أهميته الاقتصادية والاجتماعيّة خاصّة إذا علمنا أنّه يمثّل مصدر عيش لأكثر من مليون شخص ، كما يساهم ولو بصفة ظرفيّة في حلّ مشاكل البطالة المتفاقمة كما ذكرنا ، إلى جانب مواطن الشغل التي توفّرها المعاصر وتجميع الصابة ونقلها إذ يضفي حركيّة غير عاديّة على الدورة الاقتصاديّة ويساهم بدوره في تحسين الوضع الإجتماعي للعديد من العائلات الفقيرة والمعطّلين عن العمل .
إنّ الاستهانة التي تعاملت بها مصالح وزارة الفلاحة تجاه المخاطر التي تهدّد غراسات الزياتين ، كانت نتائجها وخيمة خاصّة مع تواصل الجفاف ممّا أثّر سلبا على قطاع الزياتين خاصّة بولاية سيّدي بوزيد التي زاد انحباس الأمطار فيها إصابة أشجار الزيتون بـ"حشرة النيرون"، إذ بلغت النسبة الجمليّة للإصابة الحادّة بهذه الجهة 28 بالمائة وأقصاها كانت بمعتمديّة المكناسي بنسبة 54 بالمائة علما وأنّ هذه المعتمديّة توفر كمّيات هامّة من الزيوت البيولوجيّة ذات الجودة العاليّة . أمّا نسبة الإصابة المتوسطة فقد بلغت 34 بالمائة وكانت أقصاها بمعتمديّة المزونة بنسبة 50 بالمائة .
إنّ ولاية سيدي بوزيد تحتوي لوحدها على 4.7 مليون شجرة زيتون، وكان الحلّ لحمايتها من المخاطر المحدقة بها جراء الجفاف والأمراض هو الإسراع في ريّها مرّتين على الأقلّ مع مداواة الأشجار التي أصابتها حشرة النيرون والمقدّرة بحوالي 9،3 مليون شجرة ، إلا أنّ وزارة الفلاحة ومصالحها المختصّة لم تعر الأمر أيّ اهتمام يذكر وتركت الفلاحين يواجهون مصيرهم بأيديهم رغم أن حوالي نصف العدد الجملي لأشجار الزيتون بالجهة بات مهدّدا بالتلف جراء العطش والمرض لعدم قدرة الفلاحين خاصة الصغار منهم على ريّ أشجارهم ومداواتها . كما مثّلت صعوبة المسالك الفلاحية التي تراكمت بها الأتربة والرمال جراء كثرة الرياح عائقا أمام من توفرت له من الفلاحين القدرة على الريّ والمداواة خاصة بجهة صفاقس ومدنين وكان بإمكان وزارة الفلاحة التدخل والقيام بمداواة غابات وحقول الزيتون بالطائرات مثلما تمّ بجهة الساحل رغم أنّ "حشرة العتّة" لم تصب سوى حوالي مليون شجرة من جملة 5220000 شجرة زيتون توجد بهذه الجهة ، غير أنّ ذلك لم يقع ممّا نتج عنه ضياع جانب هامّ من صابة الزيتون جراء المرض الذي أصاب الأشجار التي تلف عدد كبير منها .
إنّ السياسة اللاّوطنيّة واللاّشعبية واللاّديمقراطية التي تنتهجها السطلة من شأنها أن تعمّق الأزمة الخانقة التي يعيشها الكادحون بما في ذلك الفلاّحين خاصّة الصغار منهم والمتوسطين وتزيد من معاناتهم اليوميّة جراء تضرر زياتينهم وضياع محاصيلهم ممّا سيؤثّر سلبا على أوضاعهم الماديّة المترديّة والتي ستدفع البعض منهم إلى التخلّي عن أرضة والنزوح إلى المدن لتغذية البطالة المتفاقمة، بينما ستضطر البعض الآخر إلى مزيد التداين لدى البنوك ورهن أرضه التي سيفقدها ذات يوم عندما يصبح عاجزا عن الخلاص جراء الفوائض المجحفة .
إنّ السلطة الحاليّة وبحكم معاداتها للكادحين لن توفّر الحلول الكفيلة بحلّ مشاكلهم ولن تسعى لتحسين ظروف عيشهم لأنّ هدفها الوحيد هو توفير الشروط الكفيلة بالسيطرة عليهم وكبح جماح انتفاضتهم لمزيد استغلالهم ممّا يحتّم عليهم أخذ مصيرهم بيدهم وتنظيم صفوفهم وما على الفلاحين الصغار والمتوسطين سوى التجمّع في اتّحادات فلاحيّة ممثّلة ومستقلّة تمام الإستقلال عن اتّحاد الفلاّحين الكبار للدفاع عن مطالبهم المشروعة المتمثّلة بالأساس في :
ـ القيام بإصلاح زراعي وفق شعار الأرض لمن يفلحها.
- تمتيعهم بالقروض الميسرة والأسمدة اللاّزمة والآلات الفلاحيّة بأسعار منخفضة مع إعفائهم من خلاص القروض السابقة .
- بناء السدود لاستغلال الكميات الهائلة من مياه الأمطار التي توفرها الأودية لتكون مصادر ريّ إضافيّة مع تعميم شبكات الريّ وتعديل مقابلها النقدي .
- الحدّ من الخطورة التي تمثلها بعض الأودية الكبيرة على حياة الفلاحين وممتلكاتهم ومحاصيلهم الزراعيّة من ذلك وادي مجردة الذي يتسبّب فيضانه سنويّا في كوارث .
- تحسين الطرقات وفتح المسالك الفلاحية والإعتناء بها .
- إنشاء التعاضديات الفلاحيّة التي تمكنهم من ترويج منتوجاتهم وتوفر لهم البذور والأسمدة ووسائل العمل المتطوّة وكذلك القروض الموسميّة الميسرة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. استعدادات دفاعية في أوكرانيا تحسبا لهجوم روسي واسع النطاق


.. مدير وكالة المخابرات الأميركية في القاهرة لتحريك ملف محادثات




.. أمريكا.. مظاهرة خارج جامعة The New School في نيويورك لدعم ال


.. إطلاق نار خلال تمشيط قوات الاحتلال محيط المنزل المحاصر في طو




.. الصحفيون في قطاع غزة.. شهود على الحرب وضحايا لها