الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل تأكل الثورة أبناءها،و لِمَا؟

شوكت جميل

2013 / 9 / 16
الثورات والانتفاضات الجماهيرية


(الثورة تأكل ابناءها) كلمات نطق بها أحد زعماء الثورة الفرنسية"دانتون"،كلمات قد لا تعجب البعض،أما أنا فأصدقه ؛لا يملك المرء إلّا أن يصدق رجلاً بينه وبين الموت لحيظات،و إخاله قالها وهو مشدود الوثاق،يخطو الى المقصلة،بإيعاز وتأليب من زعيم آخر"رسبيرو"الذي ما لبث هو الآخر أن لحق بصاحبه،وأُعدم على المقصلة بإيدي زعماءٍ آخرين للثورة،وهي المقصلة التي أُعدم عليها ملك فرنسا(لويس السادس عشر) ،و معه أُعدمت الملكية التي في وجهها هبَّا الزعيمان المقصولان معاً ،و حدث ما حدث من إقتتالٍ داخلي وحربٍ أهلية وإغتيالاتٍ سياسية،وأكلت القوى الثورية بعضها البعض؛وأُعدمت طائفة من خيرة رجالات فرنسا ومفكريها،ومنهم المتعاطف مع الثورة ومنهم الداعي لها! فتمكنت شخصية عسكرية مثل(نابليون)من السيطرة على المشهد،،وقضى على ما يعرف بالجمهورية الفرنسية الوليدة،ومن ثم أقام نظام استبدادياً دكتاتورياً توسعي.ونصب نفسه لا ملكاً بل امبراطوراً!.

لست من هواة رسم الصور القاتمة...والحق لقد كان للثورة الفرنسية شأنٌ آخر،كما يعلم الجميع،ولم يقتصر الأمر بالطبع على ما ذكرنا، فلم يكن الإقتتال سوى عذابات مخاضٍ عظيم ،فقد أصابت الثورة، فيما بعد، مرماها خير إصابه ،وحققت فرنسا ما أملته من ثورتها،وفوق ما أملته؛و غدت ملهمة للأمم غربها وشرقها،إذ عرف الناس أن لهم حقوقاً،ثم عرف الناس كيف يطالبون بحقوقهم تلك،وعلموا حق العلم أنهم ليسوا عبيداً،وانهم يستطيعون إزاحة القيود عن أعناقهم ،نعم.. كسروا حاجز الخوف والخنوع ،يوم اقتحموا حواجز الباستيل وحصونه،وهو عندي أجل ما في الثورة و لئن أكلت ابناءها أو أكلها الابناء.

زخم الثورات ينير الشعوب ويكسبها في شهور وعياً وخبرةً ،يتطلبان عقوداً طويلة في ظروفها الراكدة ،كان الامر إذن مسائلة وقت،طال أم قصر، ليس إلّا ،ليجني الشعب ثمار ثورته،إنما طوله أو قصره رهن بالشعوب،ورهن بسهر هذة الشعوب على ثورتها،والمضي قدماً بنفسٍ طويل،وعيون مفتوحة تراقب لصوص الثورات.

يقولون((الثورة يخطط لها المفكرون ويقوم بها الشجعان ويجني ثمارها الانتهازيون)).ولا أرى انها مناسبة لوصف الثورة الفرنسية سوى على المدى القصير،ففي نهاية الأمر جنى الشعب الفرنسي وغير الشعب الفرنسي ثمار ثورتهم.وغني عن البيان إنها كانت نقله كبيرة للإنسانية في طريق الحريات وحقوق الإنسان،ولسبب وجيه إذن، يسميها القوم أم الثورات حتى و إن أكلت بعض الأبناء في طريقها !،بيد أني لم أجد اوقع من هذة العبارة السابقة،لتوصيف حال ما يسمونه ثورات الربيع العربي، ففي كل يوم تتساقط قوى ثورية..و أقنعة ثورية..و ما زلنا في مرحلة المخاض و مازال الطريق أمامنا جد طويل.

ونعود لنسأل من جديد،لماذا تأكل الثورة أبناءها،او بالأصوب لماذا يقتتل أبناؤها،ويأكلون بعضهم البعض،ولماذا يحاول فصيل واحد أن يبتلع باقي الفصائل؟..فقلما نجد ثورة لم يتبعها تناحر بين فصائلها، وربما تجاوز ذلك الى حربٍ أهلية،كل ذلك قبل أن تستقر الامور و قبل أن يفرض الشعب إرادته_هذا إذا قُدر للإمور أن تستقر،وإذا قدر للشعب أن يفرض إرادته_ رأينا ذلك في الثورة الفرنسية،ومن بعدها الثورة البلشفية، ،و التي كان فيها البلاشفة أقليتها،وتم إستبعاد وتصفية العناصر الثورية الأخرى،وحدثت حرب أهلية روسية،تم القضاء فيها على المعارضين الإشتراكيين بأيدي رفاق لينين،وعلى أية حال فانه تم القضاء ايضاً على البلاشفة القدامي رفاق لينين!على عهد ستالين،والذي على يديه تمخضت الثورة البلشفية عن نظام قمعي استبدادي ديكتاتوري دموي،ولماذا نذهب بعيدا؛كانت الثورة الإيرانية"التي تسمى الآن الثورة الإسلامية الإيرانية"،ضفيرةً من فصائل عديدة منها العلماني والليبرالي،ولعل أقواها،التيارات اليسارية والشيوعية ،هؤلاء هم الثوار الشرعيين لها،الذي تنكر لهم الخوميني بمجرد الوصول الى السلطة،وتمت التصفية البدنية الكريهة كالعادة، ،وتفيد الإحصاءات أن من تم تصفيتهم من قبل هذا النظام القمعي،أكبر بكثير ممن تم إعدامهم في عهد الشاه،الذي هبت الثورة بسبب فساد نظامه القمعي!ولعل الإضافة الكبيرة للخوميني في تعاطيه للثورة،هو إدخال عنصر الدين في المعادلة وتوظيفه،وما أدراك بسلاح الدين وفتكه،في مجتمعات لم تنضج بعد،فصُفيت قوى المعارضة الثورية،تحت مظلة من الفتاوى الدينية،و بات مصطلح الديمقراطية(مفهوم غربي كافر)،والقتل السياسي(تأديب المفسدين في الارض)،وخنق الحريات(مصالح الامة )،الحرس الثوري القمعي(تعبئة المستضعفين)،إغلاق الجامعات لمدة سنتين لتطهيرها من اليساريين(محاربة التغريب وحماية لهوية الثورة الاسلامية)،وبرر الخوميني إغلاق الصحف : (كنا نظن اننا نتعامل مع مع بشر،من الواضح أن الامر ليس كذلك)!.ولست أرغب في الاسهاب،فبين كل البيان ان سبيل الوحشية والدموية والقمع هو السبيل الوحيد،المتاح امام فصيل لاقصاء باقي الفصائل الثورية.

دع عنك ثورة الخميني،وانظرإلى ما يسمى بثورات الربيع العربي،وما يتواتر من انباءٍ هنا وهناك ،عن اغتيالات وتصفيات بدنية لزعماء وشركاء ثوريين،لا غبار عليهم ولا مطعون في نزاهتهم و وطنيتهم،ليجعلنا موقنين بانها على الدرب لسائرة...و هذا بعينه ما فعله النظام الإخواني "آخر عنقود الانظمة المخلوعة حتى تاريخه"،و تحت نفس مظلة الفتاوى الدينية تقريباً، و هذا ما يحاوله الآن "مساعده القصير " بعد ذهاب الأستاذ،و أعني به "التيار السلفي"وهو يبذل الجهد العنيف في غزوته الدستورية الراهنة،مستميتاً لتمرير مواد دستورية تحت مظلة"حماية الهوية"...و ما أراها سوى حمايةً لهويتهم الوهابية الخاصة بفئتهم دونما باقي الشعب،و ما أراها سوى إقصاءاً قح للجانب الأعظم من الشعب و القوى الثورية،و ما أراه سوى حصان طروادة الأخير بعد هزيمتهم الرئيسية المنكرة.

ونعود للمرة الأخيرة لنسأل :لماذا يأكل أبناء الثورة بعضهم البعض؟...إن شئت الصدق الإجابة عندي متواضعة وبسيطة كل البساطة؛فصائل الثوار، في العادة، أشتات من أقصى اليسار الى أقصى اليمين، لا يتفقون إلّا على شيءٍ واحد،وهو إسقاط النظام القائم،وفي هذا لا يختلفون ادنى إختلافاً،أما لماذا يسقطونه وما رؤية كل منهم لما سيكون،وما مشروعه الثوري،ففي هذا يختلفون كل الإختلاف،وينقسمون كل الإنقسام؛فلكل منهم أسباب للثورة غير الآخر،وأهدافٌ غير الاهداف:منهم من يريد الإصلاح ،ومنهم من يريد الإصلاح والسلطة،ومنهم من يريد السلطة و حسب،وكلٌ في وادٍ يهيم،وفوق ذلك هناك طائفةٌ أُخرى عائمة لا تحفل بهذا او ذاك او تلك،خرجت مع الخارجين ، تحمل مشروعاً ثورياً فوق ظهرها ولكن بلا بطاقة تعريف،والبضاعة لمن يدفع أكثر،ولا يتبقى بعد ذلك سوى السواد الأعظم من الشعب والذي لا تعنيه الأيدولوجيات والمشاريع السياسية بقدر ما تعنيه قيم إنسانيةٌ أساسيةٌ خرج من أجلها،مطالباً بالحرية وحقوق الانسان والعدل والحق في حياة كريمة.

ثم هم جميعاً بعد ذلك لا يحفلون بهذا الاختلاف،ويصطفون صفاً واحداً مجابهاً للنظام الفاسد....فكأن الرغبة في إسقاط النظام هو اللاصق الصناعي الذي جمع بينهم،فإذا سقط النظام الفاسد؛فقد اللاصق كفاءته،وإذا سقطت مع النظام شرعيته، فهنالك الشرعية الثورية،والكل يرى الثورة ثورته ،إذ هو الثورة والثورة (هو )،أو قل هو الشرعية، ومن هنا تأتي الغواية بإقصاء الآخر،،و تكون فرصةً سانحةً و صيداً سهلاً بخاصة للفصائل الشبقة للسلطة،او ذات المشروع السياسي الجاهز المعلب أو ذات الطبيعة المساومة والخاضعة لقوى خارجية ترغب أن تلعب دورا وتحمي مصلحة"و هذا ما فعله النظام الإخواني في مصر"؛ ولن يجد مثل هذا الفصيل إلّا النظام الإستبدادي القمعي ومحاولة تصفية او تحجيم الفصائل الاخرى،وإخراس الأصوات، تمهيداً للهيمنة،وديدن هذا النظام ان يلجأ لسياسة العزلة،وفرض الستار الحديدي..ولكن هيهات في عالم أصبح الآن كالمقهى الصغير...وقلنا أن الشعب كان له رأياً آخر و كانت النار تحت الرماد على دخن،واستقراء التاريخ يعُلِمنا بان إرادة الشعوب هي التي تفوز ....وتذهب الفصائل وتبقى الشعوب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. صباح العربية | الصين تمنع مواطنيها الأغنياء من إظهار ثرائهم


.. توقعات بتعزيز أحزاب اليمين المتطرف سلطتها في انتخابات البرلم




.. هبة الخطابي تلقي خاطرة في المهرجان التضامني مع المعتقلين الس


.. توقعات بصعود اليمين المتطرف والأحزاب القومية في انتخابات الب




.. عضو الكنيست الإسرائيلي للعربية: هذه الحكومة متطرفة لكن الحكو