الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على اعتاب الحل نحوج رؤية ثورية واضحة

إدريس نعسان

2013 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


لقد أُريد للثورة السورية أن تخرج عن طور سلميتها عبر وسائل و أساليب متنوعة، فالنظام الذي لم يتوانى مع أولى نسمات الربيع السوري عن استخدام الرصاص الحي ضد الصدور العارية و الحناجر الهتافة، أراد إلباس الثورة ثوب العسكرة، فسلح مرتزقته و عملاءه و أدخلهم إلى لب المظاهرات كي يقتلوا عناصره و يمنحوه رخصة استخدام ما لم يستخدمه من الاسلحة الثقيلة و المحرمة، و كي يثير شهية المجموعات التي تجد في مناطق الصراعات و الفوضى أرضاً خصبة لممارسة أنشطتها، فتحركت تلك المجموعات حالما سيطر مشهد القتل اليومي و طغت أصوات الاسلحة الثقيلة على المظاهرات السلمية المطالبة بالكرامة و الحرية و كي يتسنى له الاستنجاد بأعوانه الإقليميين و الطائفيين تحت غطاء شرعي، و تحولت سوريا أرض الحضارات و الأديان إلى مربع لتصفية الحسابات بين إيديلوجيات مختلفة، أبتداءاً من أقصى الأفكار التطرفية التي تحكم بقتل و ذبح ما يعوق سطوتها، مروراً بتشتت الداخل بين غياب معارضة حقيقة تحمل رؤية ثورية واضحة لملامح المستقبل السوري التي تتطلع إليه جميع المكونات السورية و تجد فيها ما كانت تفتقده في ظل النظام البعثي، و بين نظام عمل على مدى عقود عديدة على تشويه كل القيم و الانتماءات وفقاً لما يخدم استمراره و سيطرته على قدر الشعب السوري و الذي أثبت أنه على استعداد تام ليس فقط لحرق الوطن في سبيل احتفاظه بكرسي الحكم و إنما مستعد أيضاً لتقديم التنازلات و إن وصلت إلى حد بيع الوطن أو أرتهانه لدى للآخرين، و وصولاً إلى استراتيجيات و مصالح القوى العالمية التي تصنف أنفسها ضمن القوى الراعية لحقوق الإنسان و الداعمة للحرية و المساواة بين المجتمعات الإنسانية جميعها.
جميع العوامل الآنفة إضافة إلى افتقار البيئة الداخلية إلى ثقافة القيادة الذاتية التي حُرمت منها عقوداً من الزمن، و تفشي ظاهرة التبعية للأجندات المختلفة سواءاً على صعيد التنظيمات السياسية أو المدنية و الغياب التام لمؤسسات المجتمع المدني التي تشكل صلة الوصل بين الحالة السياسية و المدنية و الأهلية و التي تعمل على خلق تسوية شبه عادلة بينها، أدت إلى تبعثر الطاقات الثورية بين أجندات مختلفة و متعددة نجم عنها تحوير في مسار الثورة عن مقارعة النظام إلى صراعات بينية في كثير من الحالات، و التي أرهبت و لا تزال بعض المكونات الدينية و الطائفية و الإثنية و تحول دون انخراطها في صفوف الثورة و بالتالي تتجمد طاقاتها بالوقوف على الحياد، أو سلك مسلك ثالث بين فئتي النظام و المعارضة، عندما لا تجد في برامج كلا الطرفين ما يمثل تطلعاتها المستقبلية أو يترائ لها أن قادم الأيام سيحمل تهديدات لها إن سارت الأمور على الشاكلة الحالية.
فالحيادية أو المسار الثالث لا يشكلان حلاً، سواءاً لأنصاره أو للفئتين المتصارعتين، كون الحياديين متهمين أولاً من كلا الطرفين بالانحياز للطرف النقيض، و ثانياً لتقاعسهم عن أداء واجبهم الوطني في هذه الظروف الاستثنائية التي تمر بها سوريا، و ثالثاً لوجوب تفهمهم أن الثورة ليست حكراً على فئة معينة و أن الوطنية لا تمنح من أحد، فالجميع أمام مسؤولية تاريخية و فرصة طالما تطلع إليها الشعب و دفع أثماناً باظهة في سبيل توفيرها، الأمر الذي يُوجب الأنخراط فيها لعدة أسباب أهما الانتماء الوطني و وحدة المصير و غيرها من القيم الوطنية المشتركة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه: لماذا لم يتحقق الكل الثوري حتى اللحظة في سوريا؟
قد يجيب أحدهم أن الاجندات الخارجية هي التي تفشل الوحدة الثورية السورية أو على الأقل التفاهم على الحد الأدنى من الأسس الثورية بين جميع الفرقاء، ربما تكمن بعض الحقيقة في هذا، لكن ماذا سنجيب أولئك المتخوفون من عقلية القتل و الذبح و الاعتقال و التشليح و فرض الاتوات و المحاكم الميدانية و العمل على فرض إيديولوجيات طائفية متطرفة تعادي روح التعددية و الديمقراطية التي تحقق المساواة بين الجميع و التي من شأنها استقطاب الجميع إليها؟
من المؤكد أن ما رسمه الشعب السوري في مخيلته مع بدء الحراك الثوري في دمشق على صورة أعتصامات و مظاهرات صغيرة كانت بعيدة كل البعد عما آلت إليه الأوضاع في ظل عسكرة الثورة و تشعب مساراتها بين أجندات و غايات مختلفة، ليس لهم فيها إلا دمار وطنهم و قتل أبناءهم و بناتهم و وضع مستقبلهم في مسار ضبابي لا يمكن التكهن بنتائجه.
و عليه فإن السوريون على مختلف مشاربهم (المعارضين و الموالين و الحياديين و أصحاب المسار الثالث) مطالبين بمراجعة شاملة لأوضاعهم الحالية و السعي للتحرر من المخاوف التي تسيرهم، لكي ينخرطوا في هذا المخاض العسير الذي تحول إلى أسوء كارثة إنسانية في تاريخ البشرية الحديث، وذلك أنطلاقاً من المقترحات التالية:
1. وجوب الالتفاف إلى الثغرات و العيوب التي تعتري برامج الأطر المعارضة الحالية و السعي إلى طرح رؤية ثورية واضحة تأخذ بعين الأعتبار التنوعات السورية المختلفة الدينية و الطائفية و العرقية و تحدد حقوقها و واجباتها ضمن الحدود المخولة لهذه الأطر في هذه المرحلة استعداداً للعمل على تثبيتها مع تشكيل المجالس المنتخبة في سوريا المستقبل.
2. الجمع بين الأطر الحالية للوصول إلى صيغة توافقية لأكبر فئة من الشعب السورية أو حل الأطر ذاتها و تشكيل مجلس سياسي ذو برنامج توافقي بمثابة حكومة مؤقتة في هذه المرحلة.
3. العمل على تبديد مخاوف جميع المكونات السورية عبر أستبدال التسميات الطائفية بتسميات وطنية و نبذ كل الممارسات التي من شأنها تهديد الأقليات و الفئات الأخرى.
4. محاولة أحتواء فئات النظام (العسكرية) التي لم تتلوث أيدايها بدماء الشعب السوري و (المدنية) التي يمكن الاستفادة منها للحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة و إنقاذ ما يمكن إنقاذه من الجيش السوري الوطني.
و إن كانت الأبصار معلقة بالمبارزة الدبلوماسية التي تخوضها روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية و التي ستحدد مصير النظام و الشعب السوريين، فإن كل الجهود تتجه نحو جنيف2 سواءاً حدثت الضربة العسكرية أم أُلغيت، لتلتئم كل الأطراف الدولية و السورية و تضع بصماتها على صك ميلاد العهد الجديد و الجهورية الثانية، و هذا يتطلب وجود شراكة وطنية واسعة قادرة على كسب الشرعية الدولية و تأييدها المطلوبين لإنجاح أية عملية سياسية، خاصة و أن سوريا تحولت إلى ملعب لمجمل القوى الدولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيه التقى بالأنصار


.. -سحب الاستثمارات- من إسرائيل المطلب رقم واحد للطلاب المحتجّي




.. لماذا يتهم حزب العدالة التركي منصات التواصل بمسؤوليتها عن هز


.. -ما كان بدنا نطلع-.. طفل فلسطيني يغادر قطاع غزة ويتعهد بأن ي




.. السفير الفلسطيني بالقاهرة: قطاع غزة سيواجه ظروفا صعبة بعد ال