الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سوريا والخريف العربى

فاروق عطية

2013 / 9 / 16
مواضيع وابحاث سياسية


سوريا جزء فاعل في المنطقة التي يسمونها بالشرق الأوسط، فكان لزاما أن يحدث لها ما حدث وما يحدث بالمنطقة. لابد أن يصيبها فيروس ما أطلقوا عليه زورا وبهتانا بالربيع العربي رغم كونه خريفا عربيا بكل المقاييس. لم تكن فورات الخريف العربي فورات شعبية قامت بها شعوب المنطقة للخلاص من معاناة طالت وأزمنت من حيف ديكتاتوريات تربعت وأفرخت وأدت للتوريث في سوريا وكادت في باقي المناطق، لكنها تمت بتخطيط أمريكي وغربي 100% وتنفيذ أعوان مأجورين ودول عميلة وانقاد الشعب إليها بلا وعى، كلٍ يبحث عن قضية تخصه. ولعلّنا نتذكر ما بشرتنا به كوندوليزا رايس وما أسمته بالفوضى الخلاقة، وكانت في حقيقتها فوضى ساحقة ماحقة. هذه المؤامرات الغربية ليست وليدة اليوم لكنها قديمة ومتجددة منذ الخلافة العربية. كانت في العصور الوسطى على شكل حروب صليبية، وبعد الحرب العالمية الأولى وسقوط الخلافة العثمانية تم تقسيم إرث الخلافة إلى دول بمقتضى ما أطلق عليه تفاهمات سايكس بيكو التي بمقتضاها تبلورت دول عربية تحت حكم استعماري لم يراع فيه الاختلافات الدينية والعرقية، ومع الزمن حدثت انتفاضات متعاقبة ضد الاستعمار أدت للتخلص منه عسكريا، وإن كانت آثاره الاقتصادية والثقافية مازالت مؤثرة. شعر الغرب أنه خسر مواقعه وخسر إرث الخلافة العثمانية، فعاد ليصحح أوضاعه بخطط جديدة تتيح له التحكم والسيطرة على ثروات هذه البلاد خاصة البترول، ومهندس هذه الخطط هو الصهيوني بيرنارد لويس مستشار الرئيسين بوش (الأب والابن) الذى دَعي لتفكيك الدول العربية إلى دويلات طائفية وعشائرية ورسم لها الخرائط التي وافق الكونجرس عليها عام 1983, ونجحت خطته في السودان والعراق وليبيا وكادت أن تتحقق في مصر على يد الإخوان المسممين لولا يقظة الشعب المصري بقيادة أحموسيسى القرن الـ 21.
وحين نتحدث عن سوريا وما يكتنفها اليوم من مشكلات كان لزاما علينا أن نتطرق بداية لجذور هذه المشكلات ومسبباتها، لذا لابد من ذكر مختصر لسيرة زعيميها الأخيرين حافظ الأسد ووريثه الابن بشار.
حافظ الأسد: ولد في 6 أكتوبر 1930 لأسرة فقيرة من الطائفة العلوية بمدينة القرداحة بمحافظة اللاذقية كانت تعمل بالفلاحة، انضم عام 1946 إلى الجناح السوري لحزب البعث العربي الاشتراكي كناشط طالب. دخل الكلية العسكرية في حمص عام 1952، وتخرج بعد ثلاث سنوات كطيار. بعد سقوط حكم أديب الشيشكلي واغتيال العقيد عدنان المالكي حُسم الصراع الدائر بين الحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث العربي الاشتراكي لصالح البعثيين مما سمح بزيادة نشاطهم وحصولهم على امتيازات استفاد هو منها، حيث ابتُعِث إلى مصر للتدرب على قيادة الطائرات النفاثة ومن ثم أرسل إلى الاتحاد السوفيتي ليتلقى تدريبًا إضافيًا على الطيران الليلي بطائرات ميج 15 وميج 17 والتي كان قد تزود بها سلاح الجو السوري. انتقل لدى قيام الوحدة بين سوريا ومصر مع سرب القتال الليلي التابع لسلاح الجو السوري للخدمة في القاهرة، وكان حينها برتبة نقيب. ولم يتقبل مع عدد من رفاقه قرار قيادة حزب البعث بحل الحزب عام 1958 استجابة لشروط الرئيس جمال عبد الناصر لتحقيق الوحدة, فقاموا بتشكيل تنظيم سري عام 1960 عرف باللجنة العسكرية (هي التي حكمت سوريا فيما بعد) وكان لها دور بارز في الانقلابات التي حدثت في مطلع الستينات. قام حزب البعث بالتعاون مع عدد من الأحزاب في سوريا بالتوقيع على وثيقة الانفصال في عام 1961، وعلى إثر ذلك اعتقل مع عدد من رفاقه في اللجنة العسكرية في مصر لمدة 44 يومًا، وأطلق سراحهم بعد ذلك وأُعيدوا إلى سوريا في إطار عملية تبادل مع ضباط مصريين كانوا قد احتجزوا في سوريا. وبعد أن استولى حزب البعث على السلطة في انقلاب 8 آذار 1963 فيما عرف باسم ثورة الثامن من آذار(مارس)، أعيد إلى الخدمة من قِبل صديقه ورفيقه في اللجنة العسكرية مدير إدارة شؤون الضباط آنذاك المقدم صلاح جديد، ورقي بعدها في عام 1964 من رتبه رائد إلى رتبة لواء دفعة واحدة، وعين قائدًا للقوى الجوية والدفاع الجوي. وبدأت اللجنة العسكرية بتعزيز نفوذها وكانت مهمته توسيع شبكة مؤيدي وأنصار الحزب في القوات المسلحة. وقامت اللجنة العسكرية في 23 شباط (فبرابر) 1966 بقيادة صلاح جديد ومشاركه منه بالانقلاب على القيادة القومية لحزب البعث والتي ضمت آنذاك مؤسس الحزب ميشيل عفلق ورئيس الجمهورية أمين الحافظ ليتخلى بعدها صلاح جديد عن رتبته العسكرية لإكمال السيطرة على الحزب وحكم سوريا، بينما تولى الأسد وزارة الدفاع.
بدأت الخلافات بالظهور بين الأسد وصلاح جديد بعد هزيمة 1967، حيث انتقد صلاح جديد أداء وزارة الدفاع خلال الحرب وخاصة القرار بسحب الجيش وإعلان سقوط القنيطرة بيد إسرائيل قبل أن يحدث ذلك فعليًا، بالإضافة إلى تأخر غير مفهوم لسلاح الجو السوري في دعم نظيره الأردني مما أدى لتحميله مسؤولية الهزيمة. وتفاقمت هذه الخلافات مع توجه صلاح جديد نحو خوض حرب طويلة مع إسرائيل، بينما عارض هو ذلك لإدراكه أن الجيش لم يكن مؤهلًا لمثل هذه الحرب خاصة بعد موجة التسريحات التي أتبعت انقلاب 8 آذار 1963 والتي طالت الضباط الغير بعثيين. ووصلت الخلافات بينهما إلى أوجها خلال أحداث أيلول(سبتمبر) الأسود في الأردن عام 1970، حيث أرسل صلاح جديد الجيش السوري لدعم الفلسطينيين، لكن حافظ الأسد امتنع عن تقديم التغطية الجوية للجيش وتسبب في إفشال مهمته. وعلى إثر ذلك قام صلاح جديد بعقد اجتماع للقيادة القطرية لحزب البعث والتي قررت بالإجماع إقالته مع رئيس الأركان مصطفى طلاس من منصبيهما. لكنه لم ينصع للقرار وتمكن في 16 تشرين الثاني(نوفمبر) 1970 بمساعدة الموالين له بالجيش من الانقلاب على صلاح جديد ورئيس الجمهورية نور الدين الأتاسي وسجنهما مع العديد من رفاقهم فيما عرف بالحركة التصحيحية. في 21 نوفمبر 1970. تولى منصب رئاسة مجلس الوزراء ووزير الدفاع، ثم حصل على صلاحيات رئيس الجمهورية في 22 شباط (فبراير) 1971 ليثبّت في 12 آذار (مارس)1971 رئيسًا لمدة سبعة سنوات باستفتاء شعبي ليكون بذلك أول رئيس علوي في التاريخ السوري. وبعدها أعيد انتخابه في أعوام 1978 و1985 و1992 و1999. وكان مدعومًا من الجيش واستحسان الجماهير نتيجة الإصلاحات التي قام بها وبنائه للجيش السوري. دخل في نزاع عنيف مع حركة الإخوان المسلمين التي أعلنت العصيان ودعت لإسقاط النظام الحاكم، فتحول النزاع إلى صراع مسلح بعد أن قام الإخوان بعمليات اغتيال واسعه على المستوى السياسي والعلمي والديني والعسكري، خاصة بعد تفجير مدرستي الأزبكية والمدفعية، ومحاولة اغتياله والوزراء في عام 1981. وبعد سقوط مدينة حماة بيد الإخوان كلف الجيش بالقضاء على العصيان، حيث دخل الجيش المدينة وقمع التمرد. عام 1976 قام الجيش السوري بمحاولة فض المعركة بين قوات اليمين اللبناني وحركة فتح بمخيم تل الزعتر. وانخرط في الحرب الأهلية اللبنانية بعد اجتياح إسرائيل للبنان مانعًا حدوث قلاقل أكبر، وطبق سياسة «لا غالب ولا مغلوب» عن طريق توازن القوى بين كل الأطراف اللبنانية إلى أن حصل على تفويض من جامعة الدول العربية في مؤتمر الطائف لمساعدة الأطراف اللبنانية المتصالحة والسيطرة على لبنان.
على الصعيد الداخلي تم بناء أكثر من جامعة في عهده، كما عمل على تحرير المرأة ومساواتها بالرجل واعتبرها نصف المجتمع وشجع الرياضة والرياضيين، وتم في عهده استضافة دورة البحر الأبيض المتوسط. وعلى الصعيد الخارجي استمر في رفضه اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل مناديًا بحل شامل للقضية الفلسطينية، إلى أن قامت منظمة التحرير الفلسطينية بتوقيع اتفاقية أوسلو عام 1993 منفردة الأمر الذي اعتبره خيانة. وفي عام 1998 جرت عدة محاولات لإتمام اتفاقية سلام بين سوريا وإسرائيل تحت إشراف الراعي الأمريكي، لكن إصراره على استرداد كامل لأرض الجولان التي احتلت في حرب 1967 حال دون إتمام أي اتفاق. استمر على سدة رئاسة سوريا حتى وفاته في 10 حزيران (يونيو) 2000 متأثرا بسرطان الدم الذي كان يعاني منه منذ سنوات.
بشار الأسد: ولد في 11 أيلول (سبتمبر) 1965، قبل دخوله السياسة كان طبيبا متخصصا في طب العيون. استلم الرئاسة والقيادة العامة للجيش في عام 2000 بعد وفاة أبيه وكان عمرة آنذاك 34 عاماً و10 أشهر، عدّل مجلس الشعب السوري الدستور بالإجماع لخفض الحد الأدنى لعمر الرئيس من 40 عاماً إلى 34 عاماً لتمكينه كقيادي في حزب البعث من عرض ترشيحه على مجلس الشعب لمنصب الرئاسة. انتخب رئيساً للجمهورية في 10 يوليو 2000 عبر استفتاء شعبي واسع ومظاهرات مؤيدة وداعمة غطت سوريا بأكملها، وتم إعادة انتخابه لولاية رئاسية أخرى لـ 7 سنوات. امتازت سياسته الخارجية بالوقوف في صف التيار الممانع والمناهض للهيمنة الأمريكية، حدث انفراج في بداية عهده في مجال الحريات وسميت تلك الفترة الوجيزة ربيع دمشق، حيث استجاب لمطالب الشعب وأهمها الانفتاح الاقتصادي، حيث سمح بفتح فروع للمصارف الأجنبية وسُمح للمواطنين بفتح حسابات بالعملات الأجنبية وترافق هذا الانفتاح مع تحسن الوضع المعيشي للمواطن العادي برفع الأجور وتخفيض الأسعار، واستجاب لكثير من المطالب الشعبية، منها رفع حالة الطوارئ المعمول بها منذ أن حكم حزب البعث البلاد قبل خمسة عقود، وقام بإصدار قانون لتجنيس الأكراد السوريين، وقانون آخر للعفو عن المعتقلين سياسيا، وقرارات لها علاقة بالحوار الوطني وتغيير الحكومة وإقالة المحافظين وتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد. إلا أن هناك من يرى أن سياساته الداخلية -رغم الانفتاح النسبي في الحريات مقارنة بعهد والده، كان يشوبها الفساد الإداري والسياسي، وبروز دور لرجال الأعمال المتحكمين في اقتصاد البلاد وسياساتها. إنطلقت موجة عارمة ضد النظام منذ يوم الثلاثاء 15 مارس 2011 ولا زالت رافعة شعارات ضد القمع والفساد وكبت الحريات ومطالبة بإسقاط النظام الذي استخدم ضدها الأسلحة الثقيلة وقوات الشبيحة بحسب ما يدعى منظميها في تحد غير مسبوق لحكم بشار, متأثرة بموجة الخريف العربي التي عمّت المنطقة أواخر 2010، في حين أعلنت الحكومة السورية أن هذه الحوادث من تنفيذ متشددين وإرهابيين من شأنهم زعزعة الأمن القومي وتفتيت وحدة البلاد لإقامة إمارة إسلامية في بعض الأجزاء. وقد نتج عن هذه القلاقل الآلاف من الضحايا والجرحى والمعتقلين، بالإضافة إلى الخسائر في صفوف القوات المسلحة. وبرى بشار أن ما يحدث الآن هو محاولة لإخضاع القرار السوري لأمرة الولايات المتحدة وارغام سوريا على توقيع معاهدات سلام مع إسرائيل، وتصفية المقاومة الفلسطينية "حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل" والمقاومة اللبنانية ممثلة بحزب الله. كما اتهمت الولايات المتحدة بشار بتسهيل تسلل المسلحين العرب إلى العراق لقتال الجيش الأمريكي. ويرى المحايدون أن ما يحدث هو تطبيق للفوضى الخلاقة وتقسيم الشرق الأوسط لدويلات حسب خرائط بيرنارد لويس، ولا يخفى على أحد الطمع فيما تم اكتشافه من حقول هائلة للغاز الطبيعي بالمياه الإقليمية المتوسطية السورية.
ما يحدث في سوريا هو جزء من المخطط المرسوم بعناية للقضاء على الجيوش العربية حتى يمكن تقسيم دُولِه إلى دويلات تحت سيطرة وسيادة الدولة العبرية. لا يمكننا أن نتغاضى عن ديكتاتورية بسام وهي امتداد لديكتاتورية والده حافظ الأسد، بل هي ميراث طبيعي لفترة سادت فيها الديكتاتوريات الجملوكية كل أرجاء المنطقة. وكان يجدر على الدول المتقدمة عريقة الديموقراطية ومنظمات الأمم المتحدة أن تأخذ بيد تلك الشعوب لترتقي بها اقتصاديا وسياسيا وتُعينها على الخلاص من الديكتاتورية بطرق سلمية فاعلة ولكن للأسف حدث العكس، فبدلا من الوقوف مع الشعب السوري ضد الطغمة الباغية وتجار الدين وعتاة الإرهاب العالمي وما سمى بجيش النصرة المكون من مرتزقة العالم وشذاذ الآفاق من جهاديين وتكفيريين الذين جلهم ينتمون للقاعدة, الذين قاموا بأكثر الجرائم فظاعة ووحشية ضد الشعب السوري الأعزل, من ذبح وقطع الرؤوس والإلقاء من الأسطح وإطلاق النار بلا رحمة على النساء والأطفال وحرق وهدم الكنائس والأديرة والجوامع والأضرحة, قامت الدول الكبرى بالتأييد والدعم اللوجستي والمالي لهم وإمدادهم بالسلاح. وفى 21 أغسطس الماضي حين تعرضت منطقة الغوطة للقذف الكيميائي الذي أدى لوفاة أكثر من 400 شهيد معظمهم من النساء والأطفال، وبدون التحري عمن المسؤول عن هذه الكارثة التي يؤكد الكثيرون وعلى رأسهم روسيا ومندوبة الأمم المتحدة أن القذيفة الحاملة للغاز السام قد أُطلِقت من جانب جيش النصرة وأن كمرات الأقمار الصناعية قد سجلتها وبالتأكيد أن الأقمار الصناعية الأمريكية قد سجلتها أيضا، وبدون تروى تلصق الولايات المتحدة التهمة بالجيش السوري وتهدد سوريا بضربة موجعة.
الحل ليس بالعنف المضاد الذى دائما ما يدفع ثمنه الشعب السوري الأعزل, ولابد أن يكون الحل الناجز ديبلوماسيا حيث تجلس الأطراف المتنازعة على مائدة المفاوضات تحت إشراف الأمم المتحدة ومندوبي الدول الكبرى المهتمة بالأمر, وأرى بداية ألا يكون للمرتزقة من جهاديين وتكفيرين وقتلة وجودا في هذه المباحثات, وتطرح أهم نقاط النقاش حول تنازل بشار عن السلطة وخروج كل القوات الدخيلة غير السورية خارج البلاد, وتشكل لجنة رئاسية تدير البلاد لفترة انتقالية محددة المدة يتم فيها وضع دستور متوازن يُقِره ويرتضيه الشعب وبعدها تُجرى انتخابات برلمانية يتلوها انتخابات رئاسية نزيهة تحت اشراف كامل من الأمم المتحدة. حمي الله سوريا الحبيبة من كل سوء يتربص بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة