الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سورية على طاولة القمار الدولية، إلى أين؟

علاء الدين الخطيب

2013 / 9 / 17
مواضيع وابحاث سياسية


ما يحدث بسورية من مأساة إنسانية ليس استثناءً وفق محركات التاريخ البشري والصراع الجيوسياسي القائم على قوانين السوق الوحشية. إن تناول الموضوع السوري من خلال التحليلات والتقييمات الأخلاقية والقانونية دائما هو مساهمة خطيرة في تشويه الوعي الشعبي السوري والدولي بحقيقة دوافع الصراع على سورية بين أكبر وأقوى معسكرين عالميين: روسيا والصين ضد الغرب وحلفاء كل قطب منهما. هذا الصراع احتدم بعد التثبت أن الشعب السوري قد قام طلبا لحريته ولكرامته ولبلد ديمقراطي. فهذا المطلب يتناقض جوهريا مع مصالح المعسكرين ولا يمكن لأي منهما التضحية بالتحكم بسورية لأنها حجر الزاوية في هذا الصراع رغم صغر حجمها وفقرها المادي مقارنة بخزانات النفط والغاز بالمنطقة.
نحاول في هذا المقال المختصر إعادة ترتيب وتجميع العواصف والأعاصير حول سورية للتوصل للإجابة على سؤال "إلى أين؟". هذا لا يعني تغييب المعيار الأخلاقي والإنساني وهو الحاكم الأقوى على مستوى الأفراد ضمن الشعوب. لكن دور هذا الحاكم وبسبب فوضوية العقلية الفردية الإنسانية وتسلط الإعلام كأقوى سلاح يتحكم بالعالم هو مجرد تابع منفعل للصراع الأشد توحشا ضمن السوق العالمي.
من الثابت أن حكومات الخليج العربي هي وكلاء ليسوا حصريين للسياسة الأمريكية، ليس من باب التخوين أو العمالة لكن من باب واقع حقيقة أن "الضعفاء يتبعون الأقوياء". وقد سلمت الإدراة الأمريكية ملف التعامل مع الربيع العربي لحكومات هذه الدول ومنحت الحكم القطري مساحة حركة أكبر على حساب سيطرة الحكم السعودي. لكن وبسبب فشل السياسة القطرية جرى تسليم الملف السوري للسعوديين مقابل الملف المصري. وهكذا وبقدرة قادر سعودي غربي انقلب الائتلاف ليمتلء بما تفضله السعودية من أشكال الحكم: واجهة علمانية حاكمة متحالفة مع اسلاموية أميل للوهابية. فدخلت ما سميت مجموعة ميشيل كيلو المخلوطة خلطة عجيبة غريبة.
لكن سقوط الإخوان المفاجيء بمصر نتيجة الثورة المصرية الثانية أعاد حلفاء السعوديين للحكم بمصر عبر انقلاب السيسي على الاخوان والثورة المصرية. وهذا الحدث أعاد خلط الأوراق بشكل عنيف ومنح الحكم السعودي حضورا أكبر تجلى بتسليم الملفين المصري والسوري لبندر بن سلطان العسكري المخابراتي. لم يكن هذا التغيير حدثا سعيدا للإدارة الأمريكية لكنه أيضا ليس مأساويا، فما زال الوضع المصري بأيدي سعودية أمينة للمصالح الأمريكية. وهنا حاول الروس اختراق المنطقة عبر إعلانهم عن تبني تسليح الجيش المصري إن تقاعست أمريكا. تم توسيط بندر بن سلطان للتفاوض مع الروس على إعادة تقسيم النفوذ بالمنطقة من خلال تواصله المباشر مع الحكم الروسي، وهذا تفاوض محكوم بنظرة سعودية تحمل هاجس الخطر الإيراني النووي. وعلى ما يبدو أنهم توصلوا لبعض التفاهمات المبدئية.
ضمن هذه الفترة أيضا فرضت الأوضاع الداخلية المتأزمة إقتصاديا بإيران صعود التيار الاحتياطي للنظام الإيراني وهو ما يسمى جناح المعتدلين مع حسن روحاني. لكن هذا التيار لن يسير خارج الاستراتجية الإيرانية بالتحالف المصيري مع روسيا والصين والاعتماد الكامل على النظام السوري وحزب الله. وضمن الصراع الأشد ضراوة بين الحكم السعودي والحكم الإيراني بدأت رسائل التهديد تتوالى وبينهما ما زال الحكم القطري يحاول المحافظة على بعض الأسهم. فكانت معركة الساحل الغريبة التي لم تحقق أي ميزة عسكرية للجيش الحر، فقد تحركت فجأة وتوقفت عند حدود معينة فجأة وتراجعت بهدوء. ثم تفجير الضاحية ببيروت الذي لم يقنع أحدا سوى أنه من تدبير موالي لحزب الله.
وبالداخل السوري، تصاعد الدعم بالمال والسلاح لقادات الكتائب الاسلاموية في داعش والنصرة وأحفاد الرسول ولواء الإسلام، وازداد تقاتلهم مع بعض ومع الجيش الحر. صاحب ذلك إصرار غريب من العقيد العكيدى على استمرار الحصار بحلب مع أنه عسكريا قادر على السيطرة على كل المدينة. ثم كانت المأساة الأكبر عبر جريمة قتل أطفال الغوطة بالسلاح الكيميائي مع أعداد هائلة من الضحايا في القصف الأعنف على الغوطة الشرقية والغربية وصولا لخان الشيح والزبداني (دون المساس بلواء الإسلام تحت قيادة السعودي زهران علوش).
للأسف أننا مضطرين أن نسمي هذه التصعيدات التي تمت داخل سورية على حساب أرواح السوريين ب"رسائل المتصارعين الكبار" لبعضهم البعض. لكن يبدو أن رسالة الكيماوي والمحسوبة بدقة كانت تهدف لإقحام الإدراة الأمريكية قبل الوقت الذي كانت تخطط له. وبالفعل تحركت أمريكا عسكريا بشكل لا يوحي بأي خطر حقيقي خاصة إذا قارنّا تحركها مع ما حدث عند التحضير لحرب أفغانستان أو حربي العراق أو حتى التدخل في ليبيا. ومع ذلك فقد حوّلها الإعلام العربي والسوري والغربي لأبواق حرب أرعبت الرأي العام العالمي. هذا الإعلام أظهر وجهه القبيح من خلال تحقيق أول انتصار ضد الثورة السورية بتثبيت أن ما يحدث بسورية هو حرب قبائل طائفية مجنونة بين ديكتاتور قاس وجماعات قاعدية.
بالأسبوع الماضي بدأت رسائل التفاهمات تظهر للسطح من تقارب روسي أمريكي، وليونة إيرانية في الملف النووي صاحبها قبول سهل بالتفتيش الدولي على السلاح الكيماوي السوري. فتبادل روحاني الرسائل مع اوباما، واجتمع مع بوتين، وأعاد أوباما إعلان أن نووي إيران هو الأهم عنده مقارنة "بلعبة الأطفال" السلاح الكيماوي السوري.
بالربط مع تركيز الإعلام الغربي المتصاعد على مجموعات الإسلاموية المتطرفة التي قادها المال النفطي العربي والإيراني لسورية عبر تركيا أولا وعبر العراق ثانيا (إنها ليست حالة شاذة أن يموّل الأعداء نفس العملاء في حربهم الأكبر). يمكننا القول أن اللاعبين الكبار توصلوا أخيرا لشبه قسمه فيما بينهم بسورية قد تتظاهر في ترسيخ الواقع العسكري من حيث التوزيع الحالي، بمنح السيطرة على حلب وإدلب للسيطرة الغربية التركية السعودية عبر الائتلاف والباقي للنظام السوري بحجة تأمين المناطق التي سيدخلها المفتشون والعسكريون الدوليون لمتابعة المخزون النووي السوري. وضمن هذا التقاسم سيجري مع بدايات العام القادم التوجه المشترك لملاحقة هذه الكتائب بتحويلها لعدو مشترك وسحبها بالتدريج بعد فرض هذه المقايضة.
قد تكون قرائتنا لهذه النتيجة غير صحيحة. لكن رفض فكرة أن صراعا إستراتجيا ضخما مثل هذا الصراع يمكن أن يسير على الصدف ومزاجيات الزعماء سيؤدي حتما لما يماثل هذه النتيجة. والسؤال يبقى هل من مفاجآت على الطريق؟ بالواقع هذا ممكن ولكن هذا يعني فقط تمديد فترة معاناة الشعب السوري ما بين هوس النظام بالسلطة وما بين مصالح السوق العالمي المتوحش. وللأسف أن قادات ونجوم المعارضة السورية ما زالوا غارقين في تفسيرات عبسة وابتسامة أوباما وبوتين، وتحقيق الانتصارات الشخصية ما بين الاستجداءات المهينة والصراخ الطائش.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. Ynewsarab19E


.. وسط توتر بين موسكو وواشنطن.. قوات روسية وأميركية في قاعدة وا




.. أنفاق الحوثي تتوسع .. وتهديدات الجماعة تصل إلى البحر المتوسط


.. نشرة إيجاز - جماعة أنصار الله تعلن بدء مرحلة رابعة من التصعي




.. وقفة طلابية بجامعة صفاقس في تونس تندد بجرائم الاحتلال على غز