الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اليسار الديمقراطي وضرورة تفعيل دوره في المرحلة الراهنة

فهد محمود

2005 / 5 / 22
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


أفرزت الأوضاع التي استجدت بعد سقوط النظام الدكتاتوري الشمولي السابق بفعل جملة من العوامل التي كانت إلى حد ما خارجة عن إرادة الشعب العراقي وقواه الوطنية , وفيما يحلو للبعض الافتراض بان النظام اسقط بإرادة عراقية وبقوة أمريكية , رغم ذلك , وضعاً استثنائياً تمييز بوقوع العراق تحت الهيمنة الأمريكية – البريطانية ( الامروبريطانية ) بالدرجة الأساسية سواء بهيئة احتلال مباشر وفق قرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة بتداعيات الحرب أو الانتداب وان تغيرت المسميات ومنها قوات ذات الجنسيات المتعددة وهي في مجملها قوات عسكرية وان ادعت بالمهام المدنية ذات طابع اعماري أو إعادة ما خربتها الحروب ومنها الأخيرة التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وفق سياسات واستراتيجيات بعيدة المدى , لا تتوقف عند نقطة العراق وإنما الشرق الأوسط برمتها على المدى المنظور ( تهديدات منذ التباشير الأولى للحرب ضد إيران , سوريا والدعوات للإصلاح في المملكة العربية السعودية والأسلحة النووية الكورية وغيرها من الدول ) , وهذه الاستراتيجية قد افصح عنها في تصريحات الكثير من الرموز في الإدارة الأمريكية " ما بين الحمائم والصقور " والدوائر المرتبطة بها , والتي تحمل في جوهرها مهمات إعادة ترتيب الخارطة السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية للعالم اجمع ومنها منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص لاعتبارات بالغة الأهمية من الناحية الاقتصادية وتأمين الثروة البترولية الهائلة والمخزون الكبير من احتياطي الطاقة في العالم والمتواجدة في منطقة الشرق الأوسط بالذات , إلى جانب الذريعة القديمة المتجددة وهي كون المنطقة من البؤر الساخنة في صراعاتها .
هذه المهمات التي تنسجم كلياً مع المنطلقات ومفاهيم السياسات الخارجية الأمريكية , والتي استمدت القوة بفعالية اكبر سعة عن سابقاتها وفي نفس المسار المرسوم نتيجة لأحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 , هذه الأحداث التي قلبت الكثير من الموازين الدولية والإقليمية والمحلية والتي مهدت الطريق للولايات المتحدة الأمريكية بالتحول من حالة التعاون مرغماً ومكرهاً عليها في أطر الهيئات الدولية وبالذات الأمم المتحدة ومؤسساتها المتنوعة انطلاقاً من مصالحها الذاتية ( دائماً ) الطموحة إلى حالة الهيمنة المباشرة واستخدام العنف العسكري أو شن الحروب وفرض حالات الحصار الاقتصادي في معالجة القضايا الدولية والإقليمية المتشابكة في كثير من بقاع العالم , وبالتالي اختلاق الذرائع المختلفة ومنها " مكافحة الإرهاب " لبسط هيمنتها بشكل اكثر شمولياً , كونها سيدة العالم الأوحد وصاحب القطب الواحد بعد انهيار الكتلة الشرقية والاتحاد السوفيتي , والذي كان يمثل القطب النقيض الأخر لاندفاعات الولايات المتحدة الأمريكية والغرب عموماً ( في السابق ) ضمن السياسة الدولية وعلاقاتها والمحاولات الحثيثة لعرقلة وتهميش دور المؤسسات الدولية وفي المقدمة منها هيئات الأمم المتحدة في وضع الحلول للقضايا العقدية بالطرق اللاعنفية .
وإزاء هذه المستجدات على الساحة الدولية والإقليمية والمحليات المرتبطة بكل دولة لذاتها , كون الولايات المتحدة الأمريكية , العسكري الوحيد بمقدوره توجيه فوهة المدفع بكل الاتجاهات لترجمة سياسة القطب الواحد في عالم يحمل جملة من القضايا العقدية كالمجاعة والنزعات الإقليمية المستعصية وحروب أهلية متنوعة وتفشي الأمراض الفتاكة وتناقضات البيئة وحاجة الإنسان لاستنشاق فسحة من الحقوق المنصوص عليها في المعاهدات والمواثيق الدولية , يفترض تجنيد العلوم الإنسانية الحديثة والتكنولوجيا لمعالجة هذه الثغرات وبالطرق السلسة والسلمية في حياة البشرية , كان يفترض للأمم المتحدة ( كونها منظمة دولية محايدة ! ) أن تأخذ دورها الرئيسي في عدم الاستفراد بالقضايا الدولـــية مــن قبل جهة معينة تحـــاول رسـم وجهة مسار البشرية من مفاهيمها الخاصة ولكن !!!! ؟ .
وإزاء كل ذلك أمام القوى الوطنية العراقية مهام جسام تتطلب التحرك وفق ستراتيجية ورؤية واقعية للأمور وبالذات للأوضاع الداخلية في العراق والتي أصبحت شأن دولي اكثر مــن ما هـو شأن عراقي , وارتباط ذلك بالأوضاع الإقليمية والدولية , التي هي أساسا كانت وما زالت في حالة حرجة وهزيلة جراء السياسات ونهج النظام البائد في العراق وتأثيراتها المباشرة في مجمل الأوضاع التي نعاني من نتائجها الكارثية في الوقت الحاضر .

إذن نحن أمام معادلة في غاية التعقيد والتشابك والتداخل في جوانبها المتنوعة , والأكثر إحراجا الطرف الأخر المعني بتفكيك الرموز الجوهرية في المعادلة والذي نعني به المكونات الداخلية للمجتمع العراقي بكل تركيباتها المعقدة من أقصى اليمين المنغلق على ذاته إلى اليسار المتطرف , وبالذات الفعاليات السياسية والاجتماعية والقومية والاثنية بمفاهيمها الليبرالية والديمقراطية والقومية الضيقة " بشقيها العربي والكردي على حد سواء " والعشائرية ! وحتى الطائفية المتقوقعة على ذاتها .

لندع هذه المفاهيم تنطلق وفق مساراتها واتجاهاتها ولكن وفق منطلق وجود قواسم مشتركة تضع المصلحة العامة في المقدمة أمام هذه التحركات والانفعالات وحتى التوترات في هذا الجانب أو ذاك دون أن نفقد البوصلة الحقيقية والاتجاه الصائب لحركة المجتمع ارتباطاً بالأوضاع كما أسلفنا بالاستثنائية بل ويصح الجزم بان الأوضاع العراق الراهنة هي خارج عن إطار الاستثناء بدرجة الفوضوية القاتلة التي تحصد حتى الجماد وتحولها إلى ركام قاتم .

لقد سقط النظام في نهاية المطاف , بل أسقطت الدولة العراقية بفعل جملة من العوامل , تتحمل قوى الاحتلال المسؤولية الكبرى للأوضاع الراهنة إلى جانب بعض الأطراف العراقية التي لم تحسن استغلال الظروف الناشئة جراء ذلك نتيجة لتصورات مازالت تعيشها وتراهن على الاستفادة منها , في الوقت الذي ندرك بشكل لا يقبل الجدل حول أن النظام البائد ترك وراء سقوطه أو إسقاطه , تركة ثقيلة أثرت بشكل جوهري في تشويه بنية المجتمع العراقي في نواحي شتى وبالدرجة الأساسية , إبعاد العقل العراقي عن مساره الطبيعي وإبقاءه في حالة الرعب والخوف والقلق من المستقبل .

من هذا المنطلق فان القوى العراقية الوطنية والتي قارعت النظام البائد طوال العقود المنصرمة , هي بالذات معنية في إرساء الوجهة الصائبة لمستقبل العراق ما بعد الفاشية البائدة , وهي معنية في جملة من التدابير من شانها وضع العراق في مساره الصحيح بعد فقدان الاتجاه لثلاث عقود ونيف من الزمن .

لكن التساؤل المطروح , هل إن القوى الوطنية العراقية تتقاطع في توجهاتها , في اتخاذ السياسة الصائبة لإخراج العراق من الأزمة الحالية ؟
بالتأكيد هناك تقاطع وتشابك ورؤيا متناقضة إلى مجمل الأمور السياسية والاقتصادية والاجتماعية والقومية , ناهيكم عن الموقف من المسألة الجوهرية , وهي كيفية التعامل مع قوى الاحتلال وإنهاءه وبالتالي استرداد السيادة والاستقلال الوطنيتين كاملة .

هنا لابد من التوقف عند اليسار " الديمقراطي " والذي يشكل الجزء الحيوي من الفعاليات العراقية على الساحة السياسية اليوم .
بداً لابد القول إن مفهوم " اليسار " في طابعه النظري يحمل المكونات الأساسية للديمقراطية وان رافقت هذه المكونات أزمات وأمراض عدة نتيجة للظروف الاستثنائية التي عملت في ظلها الأحزاب والتيارات اليسارية وحجبت المقومات الأساسية في تعامل هذه الكتل سواء داخل تنظيماتها أو التعامل مع بعضها البعض في أطر حل القضايا المثارة في أوقات وأزمنة مختلفة , مما أدى في النتيجة النهائية خلال المحطات والمنعطفات التي رافقت المسيرة النضالية , إلى بروز الأوجه المتناقضة للديمقراطية والتي نطلق عليها الدكتاتورية وبأشكالها المتنوعة , والتي تحمل نزعات ذات طابع تبريري والأخر استئثاري سلبي , ومن هنا اعتماد صيغة اليسار الديمقراطي في طروحاتنا قد نجد أنفسنا أمام نقيض , بحيث نضع الشكوك حول مصداقية اليسار في ديمقراطيته , على اقل تقدير من الناحية النظرية , اخذين بنظر الاعتبار الظروف السياسية التي مرت على الحياة السياسية في العراق والتي افتقدت إلى حد ما لتطبيقات الديمقراطية , بل يصح القول إن بعض ملامح اللاديمقراطية قد تسربت إلى كيانات الفعاليات السياسية داخلياً نتيجة للأوضاع الشاذة وغير الطبيعية لتركيبة الأنظمة السياسية الحاكمة في العراق .
ومن نظرية " حاجة العراق والمواطن العراقي بعد أعوام من الإرهاب والقمع , إلى التعامل الديمقراطي ووجود أنظمة ديمقراطية , مؤسساتً وأجهزة , وكل الجوانب المتعلقة بهيكلية الدولة العراقية القادمة , لابد من التوجه في ذات المنحى , ذات التوجه لبناء عراق ديمقراطي , عراق يجد المواطن فيه نفسه , كيان ذات قيمة ومسؤولية تجاه محيطه . وهذه المهمة لابد لليسار " الديمقراطي " أن يكون رائداً في أدائها وان يأخذ بنظر الاعتبار القوى التي تتطابق معه في توجهاتها , لوضع الحلول الجذرية للقضايا الجوهرية الآنية والتي في المحصلة النهائية هي مهمة كل القوى والفعاليات العراقية التي ناضلت وكافحت وجاهدت لسنوات طوال وقدمت الكم الهائل من التضحيات , لوضع العراق في المسار الصحيح والتي تتمثل تلك المهمات بالقضايا الجوهرية الثلاث التالية رغم الترابط والتداخل والتشابك فيما بينها , لان إخلال بإحداها تؤثر سلباً على البقية المترابطة :

1- ترتيب البيت العراقي وطوي صفحات الماضي , دون إغفال تقديم من دمر وشوه المجتمع العراقي , إنسانا وكياناً وجغرافياً وبيئياً , إلى القضاء لينالوا جزاءهم .
وهذا بالضرورة يتحتم التوجه الجاد والاتفاق على القوا سم المشتركة التي بالضرورة تؤدي إلى بناء عراق ديمقراطي , تعتمد المؤسسات الدستورية ونظرية المجتمع المدني بكل تركيبتها المتحضرة , مع عدم إهمال التركيبة الاجتماعية القومية والاثنية للفسيفساء الجميل للمجتمع العراقي .

2- التوجه الجاد ومن منطلق الوطنية الحقة لمهام التي تضمن إنهاء الاحتلال وتعيد السيادة والاستقلال الوطني كاملتين لبلدنا , بالاستعانة أولا بالجهد العراقي الموحد وبالتضامن مع المجتمع الدولي الضاغط على القوى المحتلة .

3- وبما إن النظام البائد قد حكم البلاد طيلة ثلاثة عقود ونيف وتغلغل بشكل سلبي ومدمر للبنية الاجتماعية والنفسية والاقتصادية والسياسية للشعب العراقي وأضفى مفاهيمه الشوفينية والطائفية وبذر بشكل بشع للثروات الطبيعية إلى جانب مسخ العقل العراقي من جوانب عدة , لابد من إزالة كل مخلفات الفترة المنصرمة من عهد الدكتاتورية وعودة العراقي والعراق إلى وضعه الطبيعي وهذا ما يتطلب جهداً استثنائياً مضاعفاً لتحقيقها .

أما النقطة الجوهرية التي لابد من إنضاجها , هي إن اليسار " الديمقراطي " مازال لم يبلور برنامجاً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وثقافياً متكاملا ً لاسترشاد به في هذه التوجهات , ومن هنا نطرح التساؤل الآخر متى ينهض اليسار " الديمقراطي " من سباته الطويل ؟ ! .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تغطية القناة الأولى للجلسة الافتتاحية للمؤتمر الإقليمي لحزب


.. محمد نبيل بنعبد الله : صفقة أكبر محطة لتحلية المياه فازت به




.. علم الحراك الشعبي في سوريا لعام 2011 شوهد وهو معلقا خارج الق


.. حماس تطلب من الفصائل الفلسطينية إعداد إحصاء دقيق للرهائن الإ




.. ساعة جمال عبدالناصر في مزاد علني بنيويورك