الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عبارة -الرأى والرأى الآخر-

داود روفائيل خشبة

2013 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية




أعجب كيف شاع تعبير "الرأى والرأى الآخر" وأصبح المثقفون يتداولونه كمصطلح مستقرّ دون أن يلتفتوا إلى ما فى باطنه من بذرة خبيثة. والتعبير كان أصلا من ابتكارات أنور السادات الذى كان من وقت لآخر يتحفنا بفكرة من أفكاره، مثل فكرة المنابر التى تولدت منها فكرة ثلاثة أحزاب رسمية، يمين ويسار ووسط الذى يمثل دون شك الصوت العاقل المتزن للسلطة الأبوية الحاكمة؛ ومثل فكرة جعل الصحافة سلطة رابعة مقننة ضمن منظومة سلطات الدولة الرسمية؛ ومثل قانون العيب الذى يمدّ طائلة القانون إلى ما يخضع بطبيعته لحكم الحس الحضارى والإخلاقى والذوق العام. فى هذا السياق خرج علينا السادات بتعبير "الرأى والرأى الآخر" ليزيح من الطريق مفهوم حرية الرأى، أو المفهوم الأعمق والأشمل، حرية الفكر والتعبير.
ماذا يقول تعبير "الرأى والرأى الآخر"؟ يقول للمواطن: أنت لك رأيك. هذا حقك. لكن هناك دائما رأى آخر يعارض رأيك. وهذا أيضا حق للطرف الآخر. ومن المفترض أن التوافق بين الرأيين المتعارضين غير وارد. والمعنى الخفى أن الحكم النهائى يبقى للسلطة الحكيمة العاقلة الحاكمة.
هذا التصوّر الضيّق لتعارض "الرأى والرأى الآخر" يخفى توجّهين خطيرين، أولهما هذا الذى أشرت إليه فى الفقرة السابقة إذ يكون وسيلة لانفراد السلطة بالحكم. وعلى خطورة هذا التوجّه فإنى أرى أن ما هو أخطر هو ما ألمحت إليه فى البداية حين أشرت إلى إزاحة مفهوم حرية الفكر والتعبير. فحين ينحصر مفهوم حرية الفكر والتعبير فى التسامح مع وجود رأى ورأى آخر يبهت ويهزل ويضمحل مفهوم حرية الفكر والتعبير.
فى رأيى أن شيوع تعبير "الرأى والرأى الآخر" قد عمل بالفعل على انزواء مطلب حرية الفكر والتعبير فى الظل. لذا فإنى أتوسّل لمثقفينا أن يكفـّوا عن استخدام هذه التركيبة اللفظية التى لا تعنى فى الحقيقة شيئا، وأن يطلبوا ويصرّوا على طلب حرية الفكر والتعبير، وأن يكون هذا حقـّا أساسيّا مطلقا لكل إنسان دون قيد أو شرط. الحق فى حرية الفكر والتعبير حق للإنسان من حيث هو إنسان، فلا كرامة لإنسان ولا إنسانية لإنسان حتى يمارس العقلانية، يناقش كل شىء ويُخضع كل المعتقدات والمُسَلـّمات للمساءلة ولحكم العقل. يبقى هذا الحق مطلقا بغير قيد أو شرط ما ظل الفكر فكرا وظل التعبير قولا منطوقا أو مكتوبا أو مصوّرا، ولا يدخل فى طائلة القانون إلا حين يتحوّل الفكر والتعبير إلى فعل أو تحريض على فعل، هنا وهنا فقط يكون للمجتمع أن يعمل على حماية مقوّماته وحماية أعضائه.
لنـُسقط شعار "الرأى والرأى الآخر"الذى لا مضمون له ولنتحدّث عاليا وفى إصرار عن حرية الفكر والتعبير الذى هو حق أساسى للإنسان وفى غيبته لا يكون الإنسان إنسانا.
القاهرة، 18 سبتمبر 2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيديو: هل تستطيع أوروبا تجهيز نفسها بدرع مضاد للصواريخ؟ • فر


.. قتيلان برصاص الجيش الإسرائيلي قرب جنين في الضفة الغربية




.. روسيا.. السلطات تحتجز موظفا في وزارة الدفاع في قضية رشوة| #ا


.. محمد هلسة: نتنياهو يطيل الحرب لمحاولة التملص من الأطواق التي




.. وصول 3 مصابين لمستشفى غزة الأوروبي إثر انفجار ذخائر من مخلفا