الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرابحون والخاسرون من الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن الكيماوي السوري

عليان عليان

2013 / 9 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


الرابحون والخاسرون من الاتفاق الروسي الأمريكي بشأن الكيماوي السوري
بقلم : عليان عليان
ثار جدل كبير ، حول الجهات المستفيدة ، من الاتفاق حول نزع السلاح الكيماوي السوري الذي ، أبرم بين وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف ونظيره الأمريكي جون كيري في جنيف في الرابع عشر من شهر سبتمبر/ أيلول الجاري ، وحول الجهات الخاسرة من الاتفاق في حين صب ما يسمى الائتلاف السوري المعارض ورئيس أركان ما يسمى بالجيش الحر سليم إدريس ، جام غضبه على الاتفاق ، معلناً خسارته الجسيمة من الجولة الأولى.
النظام السوري اعتبر الاتفاق انتصاراً له ، وأمريكا اعتبرته انجازاً لها ، في حين أن روسيا تركت للآخرين ، توصيف دورها كعراب للصفقة ، وكلاعب دولي أساسي ومقرر في الأزمة السورية ، بينما راحت الجامعة العربية تندب حظها ، لأن الاتفاق كان على حساب الأهداف ، التي كانت ترجوها من الضربة العسكرية لسوريا.
وبخصوص النظام السوري فإنه حقق المكاسب التالية من الاتفاق :
أولاً : أنه جنب سوريا ضربات صاروخية تستهدف البنية التحتية الخدمية والاقتصادية والعسكرية .
ثانياً : أفشل حسابات المعارضة ، وخططها ، بشأن استغلال الضربات الصاروخية ، لفتح ثغرات في أسوار دمشق ، لإسقاط النظام .
ثالثاً : منح النظام السوري الوقت اللازم ، لتركيب منظومته الصاروخية والدفاعية - التي حصل عليها من روسيا مؤخراً- ، ولاستكمال تجهيزاته العسكرية ، ومواصلة الزخم الهجومي على مواقع وتشكيلات الفصائل الإرهابية .
رابعاً : انطوى الاتفاق على اعتراف واشنطن ضمنياً ، ببقاء الرئيس الأسد على رأس الجمهورية ، حتى انتهاء ولايته في منتصف عام 2014 فهو عملياً اتفاق بين واشنطن ودمشق بوساطة روسية .
خامساً : ويرى مراقبون ، أن نجاح المبادرة الروسية ، تمكن النظام السوري ، من مواصلة وتعميق تحالفه مع إيران وحزب الله ، الأمر الذي يشكل انتصاراً لمحور الممانعة والمقاومة ، وهزيمة للهيمنة الأمريكية عالمياً وإقليمياً .
صحيح أن ( إسرائيل ) مستفيدة من نزع السلاح الكيماوي السوري الذي أعده النظام السوري ، كقوة ردع في مواجهة السلاح النووي الإسرائيلي لكن وكما يؤكد العديد من الخبراء الاستراتيجيين ، فإن السلاحين النووي والكيماوي ، لا يستخدما في المواجهة بين الدول ، إلا في الحالات التي يتعرض فيها وجود الدولة للفناء ، وكخيار نهائي " خيار شمشون " وقد لا يستخدما من قبل أي من الفريقين ، بحكم الخشية المتبادلة من تأثير كل سلاح على الطرف الآخر .
ناهيك أن النظام السوري في سعيه لإحداث التوازن الإستراتيجي مع الكيان الصهيوني ، لا يعتمد على السلاح الكيماوي فحسب ، بل يعتمد بشكل رئيسي ، على بناء منظومة صاروخية متقدمة ، ومنظومة دفاعية متطورة ، حيث قطع شوطاً طويلاً في بناء هذه المنظومة .
وبخصوص ما حققته الولايات المتحدة من الاتفاق ، والتي باتت تعلن صباح مساء على لسان أوباما وكيري ، أن التهديد بالحرب ، أعطى أكله بشأن نزع الترسانة الكيماوية السورية ، وأنه لولا التهديد الفعلي بضرب سوريا ، لما تحققت موافقة سوريا على نزع سلاحها الكيماوي ، وفق الصفقة الروسية الأمريكية.
لكن هذا الإنجاز ، يضمحل إلى درجة تقترب من التلاشي ، إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأهداف التي كان يتوخاها أوباما من الضربة العسكرية لسوريا ، وهي ضرب وتدمير البنية التحتية العسكرية ، ومراكز القيادة والاتصال ، ومواقع الحرس الجمهوري ، والفرقة الرابعة ، والمطارات العسكرية ، والقصر الرئاسي في دمشق ،بما يؤدي في المحصلة حسب ما أعلن البنتاغون إلى تحقيق الهدف الرئيسي ، ألا وهو إضعاف قدرات الجيش السوري ، وتعديل ميزان القوى على الأرض ، لصالح ما يسمى بالجيش الحر ومختلف تشكيلات القاعدة .
باختصار شديد فإن الأهداف الرئيسية ، من التهديد بالضربة العسكرية الأمريكية لم تتحقق ، فالرئيس الأمريكي بعد أن دفع بخمس مدمرات إلى شرق المتوسط محملة بما يزيد عن 400 صاروخ كروز ، إضافةً للعديد من القطع البحرية ، وبعد أن أشاع أجواء الحرب ، وبات العالم يحبس أنفاسه بانتظار الضربة العسكرية ، وما يمكن أن تسفر عنه من تداعيات .
بعد ذلك كله ، دخل أوباما في دائرة التردد والارتباك ، فلا هو مصدر للأمر ببدء العمليات العسكرية ضد سوريا ، ولا هو متراجع عن قرار الضربة العسكرية ، وظل لفترة معلقاً في أعلى الشجرة ، التي صعد إليها ومصدر تردده وارتباكه يعود إلى جملة عوامل أبرزها :
أولاً : خذلان بريطانيا -الحليف الرئيسي للولايات المتحدة – للإدارة الأمريكية ، بعد أن صوت مجلس العموم البريطاني ضد مشاركة بريطانيا في العدوان على سوريا ، وتردد معظم أطراف حلف الأطلسي حول المشاركة في الحرب ، ناهيك أن دولاً أوروبية أساسية ، مثل ألمانيا وأسبانيا ، وإيطاليا ، أعلنت بطريقة أو أخرى عدم مشاركتها في الحرب. ولم يبق مع الإدارة الأمريكية سوى تركيا وفرنسا ( وإسرائيل ) وبعض الدول العربية وخاصةً الخليجية ، التي أعلنت عن استعدادها لدفع فاتورة الحرب .
ثانياً : أنه رغم ذهاب الرئيس الأمريكي باراك أوباما للكونجرس ليحصل على تفويض من بضرب سوريا ، إلا أنه أدرك وضمن حسابات مختلفة – ورغم الفيديوهات المزورة حول الكيماوي السوري وضحاياه – أنه ليس بوسعه الحصول ، على دعم غالبية مجلسي النواب والشيوخ ، ناهيك أن استطلاعات الرأي العام في أمريكا ، أظهرت أن أكثر من (60) بالمائة من الشعب الأمريكي ضد الضربة العسكرية .
ثالثاً: تماسك القيادة السياسية والعسكرية السورية ، وعدم دخول الوهن إلى روحها ، حيث أعلن الرئيس بشار الأسد ، في مقابلة له مع صحيفة ليفيغارو الفرنسية جاهزية سوريا للرد على العدوان " وأن حلفائه لن يقفوا مكتوفي الأيدي ، في حال نفذت الولايات المتحدة عدواناً ضد سوريا ، مبيناً أن الجميع سيفقد السيطرة ، والنتيجة ستكون نشر الفوضى والحروب والتطرف ، لأن الموضوع ليس متعلقاً بسوريا ، بل بمنطقة كاملة مرتبطة اجتماعياً وسياسياً وعسكرياً " .
رابعاً : الموقف الروسي الصلب ، والمتحدي ، والداعم للنظام السوري والذي تبدى بشكل رئيسي فيما يلي:
1- في تصريحات الرئيس بالروسي فلاديمير بوتين ، إبان قمة العشرين ، في مدينة بطرس برغ الروسية بأن روسيا ستواصل دعمها للحكومة السورية ، سياسياً وعسكرياً واقتصادياً وإنسانياً ، وأنها ستعتبر الضربة العسكرية الأمريكية لسوريا في حال حصولها عدواناً ، ومخالفة صريحة للقانون الدولي.
2- في عرض العضلات الروسية في البحر المتوسط حيث ازدحمت شواطىيء سوريا بالسفن الحربية الروسية ، ومن ضمنها السفينة الإلكترونية ، التي أسقطت صاروخين أمريكيين قادمين من قاعدة أمريكية في إسبانيا ، عشية لقاء لافروف مع كيري في جنيف وادعاء (إسرائيل ) ، أنها هي التي أطلقت الصاروخين ، في إطار مناورات مشتركة مزعومة مع البحرية الأمريكية
خامساً: الجاهزية الصامتة ، التي أبداها حزب الله ، للمشاركة في صد العدوان على سوريا وقصف الكيان الصهيوني ، وقصف القطع البحرية الأمريكية في حال اقترابها من الشواطيء اللبنانية والسورية حيث أدركت الإدارة الأمريكية ، بأن حزب الله بات محتاطاً لمجمل السيناريوهات ، وأنه أجرى مناورات عسكرية واسعة ، وإغاثية في منطقة الجنوب ، ووزع مقاتليه على الجبهات ، وأصدر أوامر المهمات كما وزع عناصر على نقاط مراقبة ومواقع عسكرية حساسة .
والنقطة الأهم هنا ، أن أوباما وحلفائه الأوروبيين ، أدركوا أن كلاً من ( إسرائيل وقوات اليونيفيل ) ستكونان رهينة بيد حزب الله وسوريا وإيران.
سادساً: التهديدات الواضحة والصريحة ، من قيادات الحرس الثوري الإيراني ، بأن ايران ستدخل الحرب إلى جانب سوريا ، عند إطلاق أول صاروخ أمريكي على سوريا ، وأنها ستضرب الكيان الصهيوني والقواعد الأمريكية والغربية في المنطقة.
سابعاً : عودة الحراك الشعبي للشارع العربي تضامناً مع سوريا في مواجهة العدوان وتبدى ذلك في الإعتصامات ، أمام السفارات الأمريكية وحرق العلم الأمريكي وفي المظاهرات التي عمت كل من صنعاء والقاهرة وعمان ، وغيرها من العواصم والمدن العربية .
هذه الأسباب مجتمعة وغيرها ، أدخلت الرعب والارتباك ، في روح الرئيس الأمريكي باراك أوباما ، الذي ظل معلقاً فوق الشجرة التي اعتلاها ، وبدت الدبلوماسية الأمريكية في أضعف حالاتها .
وفي اجتماع قمة العشرين في بطرسبرغ ، التقط الرئيس بوتين ووزير خارجيته لافروف لحظة الضعف والارتباك السياسية ، التي يعيشها كل من أوباما ووزير خارجيته جون كيري ، حين همس الأخير في لحظة ضعف وارتباك ، بأن واشنطن لن تتراجع عن الضربة العسكرية ، إلا إذا نزعت الحكومة السورية ترسانتها الكيماوية .
هنا أدرك بوتين ووزير خارجيته سيرجي لافروف ، مأزق الإدارة الأمريكية وقررا بسرعة التقاط اللحظة السياسية ، في حركة تكتيكية باهرة ، تعيد للأذهان القدرات الليننينة السوفييتية ، في التكتيك واستثمار اللحظة .
وهنا سرعان ما طرح الثنائي ( بوتين ولافروف )المبادرة الروسية لإنزال أوباما من أعلى الشجرة ، ولإنقاذ ماء وجهه ، تلك المبادرة التي تبين أن أوباما لم يتراجع عن الضربة العسكرية ، إلا بعد أن حصل على ضمانات من روسيا بتدمير الترسانة الكيماوية السورية ، ولانضمام سوريا لمنظمة حظر امتلاك واستخدام السلاح الكيماوي ، أي الإيحاء بأن الإدارة الأمريكية حققت نصراً دبلوماسياً ، يبرر تراجعها عن الضربة العسكرية لسوريا وخروجها من ورطتها .
وجاءت المبادرة الروسية - حسب تقديرات العديد من المحللين - في ظل إدراك روسي بأن إدارة الرئيس أوباما ، باتت عاجزة عن استثمار الانتصار الدبلوماسي ، الذي وفرته موسكو لها ، للنزول التدريجي من أعلى الشجرة .
وافقت الإدارة الأمريكية مضطرةً على ( المبادرة – الصفقة ) بعد ثلاثة أيام من المفاوضات حولها ، بين الوفدين الأمريكي والروسي ، والتي تنص على وضع الاسلحة الكيماوية السورية ، تحت رقابة المجتمع الدولي ، وعلى أن يقوم النظام السوري بالكشف عن مخزونه الكيماوي في فترة أقصاها أسبوع ، وأن تنتهي عمليات التفتيش الأولية بحلول تشرين الثاني المقبل ، وأنه يجب أن تتم عملية نزع وتدمير الأسلحة الكيماوية السورية في النصف الأول من عام 2014 ، وأنه في حال عدم احترام التعهدات ، بما في ذلك عمليات نقل غير مسموح بها يتم اتخاذ عقوبات من قبل مجلس الأمن ضد النظام السوري .
لقد امتلكت روسيا ، زمام المبادرة والمبادأة في الأزمة الراهنة وعادت لها هيبتها كدولة عظمى ، وبدأت الولايات المتحدة و دول الغرب عموماً تلهث ورائها ، في حين تراجعت الهيبة الأمريكية إلى الحضيض.
ولم تتوقف الأمور عند هذا الحد ، بل ذهبت إلى أكثر من ذلك في تظهير روسيا كدولة عظمى ، وقد تبدى ذلك فيما يلي :
أولاً : المقال الذي كتبه الرئيس بوتين في صحيفة " نيويورك تايمز " الذي كشف فيه عدوانية أمريكا ، وسعيها لتجاوز الأمم المتحدة وهدمها ومن ثم تحريضه للشعب الأمريكي على قيادته ، عبر تفنيده للمبررات الزائفة التي تسوقها الادارة الأمريكية ، مشيراً إلى أن التدخل العسكري الأمريكي في النزاعات الداخلية أصبح أمراً مألوفاً ، وأن الملايين في جميع أنحاء العالم ، لم تعد ترى أمريكا بوصفها نموذجاً للديمقراطية وأنها غدت نموذجاً للقوة الباطشة ، التي تستجمع حولها حلفاء وفق مبدأ " من ليس معنا فهو ضدنا " .
ثانياً : أن الروس - وعلى حد تعبير الصحفي اللبناني محمد بلوط - باتوا ولأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية ، يتمكنون من استعمال واستعارة تعبيرات ، لطالما دأب على استخدامها المعسكر الغربي ، فقد قال الرئيس بوتين مخاطباً الأمريكيين : " أنتم تكسرون القانون الدولي باتهام جهة معينة ، ومجلس الأمن هو من يقرر من استخدم السلاح الكيماوي ". وتحدى الإدارة الأمريكية ، أن تأت بدليل يثبت تورط الجيش السوري في قصف منطقة الغوطة بالكيماوي ، مشيراً إلى أن ما تسرب عن ضحايا الكيماوي مجرد فيديوهات مفبركة ، من الجماعات المسلحة لاستدراج تدخل خارجي .
وأخيراً : فإن دول الإمبرياليات الثلاث ( الولايات المتحدة ، بريطانيا وفرنسا ) ولإنقاذ ماء وجهها المهدور ، تسعى لتمرير مشروع قرار في مجلس الأمن يسمح بتدمير البنية العلمية التصنيعية في سوريا ، ويسمح باستخدام العمل العسكري ضدها ، وفق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة ، في حال لم تلتزم سوريا ببنود الصفقة الروسية – الأمريكية ".
لكن هذا المشروع وغيره ، الذي يلتف على بنود المبادرة الروسية وعلى اتفاق جنيف سيسقط أمام الفيتو المزدوج ، من قبل كل من روسيا والصين ، لكن ما يلفت النظر مزاعم الإدارة الأمريكية – التي أنقذتها روسيا من ورطتها، ومدت لها حبل النزول من أعلى الشجرة – تصريحات هذه الإدارة ، بأن وقوف روسيا ضد تضمين قرار مجلس الأمن فقرة تتعلق بالبند السابع ، الذي يجيز استخدام القوة العسكرية ضد سوريا ، في حال عدم التزامها بالاتفاق ، هو سباحة ضد التيار !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. البريطانيون يصوتون لاختيار 650 عضوا في البرلمان | #الظهيرة


.. سيناريوهات حول مستقبل الحرب بين إسرائيل وحزب الله




.. مصابون في غارة إسرائيلية استهدفت سيارة في منطقة الحوش بمحيط


.. ارتقاء 27 شهيدا إثر تواصل القصف الإسرائيلي على قطاع غزة




.. فصائل المقاومة تنعى الشهداء الأربعة في طولكرم وتتعود برد قاس