الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


روح الإرهاب: ما وراء الخير والشر

نضال شاكر البيابي

2013 / 9 / 19
الارهاب, الحرب والسلام


إنه ما يزال وجيهاً أن نستدعي أطروحة صامويل هنتنغتون للحديث عن "روح الإرهاب" وما وراء الخير والشر، في ذكرى اعتداءات الحادي عشر من سبتمبر، فهذه الأطروحة التي سبقت أحداث سبتمبر بست سنوات تقريباً، ورغم أهميتها ورواجها على صعيد الفكر السياسي إلاّ أنها لا تكشف عن أساس النزاعات بين "الحضارات"، ودوافع "الإرهابيين"، بقدر ما تكشف عن فكر أساسه اللاهوت السياسي، المتعلق بفكرة العدو وبفكر السيادة والحرب، الفكر "الأبوي" الذي له الحق في سن قانون الطوارئ أوتعطيله، الفكر المؤمن إيماناً تاماً بامتلاك الحق في إدارة حكم وشؤون العالم، إنه الفكر الذي يسعى إلى الهيمنة، ليس على المستوى الفكري والسياسي فحسب، بل إلى "اصطناع" نماذج مجتمعية مراقبة ومسيطرعليها، كي تُجلب إليها "الديموقراطية" على وقع طبول الحرب!

يقول صامويل هنتنغتون في كتابه الشهير "صدام الحضارات: إعادة صنع النظام العالمي - 1996": إنَّ النزاعات الأكثر خطورة اليوم تأتي من جانب الحدود الفاصلة بين الحضارات الكبرى في العالم (...) إن استمرار الغرب مرهون بإعادة تأكيد الأميركيين لهُويتهم الغربية؛ إن على الغربيين أن يتّحدوا ليعطوا الحيوية مجدّداً للحضارة الغربية في وجه التحدّيات التي تطرحها الحضارات غير الغربية إن المشكلة الأساسية للغرب ليست الأصولية الإسلامية، إنه الإسلام".

وعلى خطى هنتنغتون سارت أوريانا فالاّتشي في كتابها "الغضب والكبرياء": إننا نواجه حرباً صليبية معكوسة. إنها حرب دينية (...) تستهدف بالتأكيد السيطرة على نفوسنا، وإلغاء حريتنا وحضارتنا". ومثلها فعل إيلي برنافي في كتابه "الديانات القاتلة": "إن أممية إرهابية إسلامية أعلنت حرباً بلا هوادة على الغرب الملحد". وفي السياق ذاته سئل بن لادن في 20 تشرين الأول/اكتوبر 2001 على قناة الجزيرة حول ما يُقال عن "صدام الحضارات"؟ أجاب:" أقول أنه ما من شك في ذلك. إن صدام الحضارات هو قضية مُثبتة في القرآن والسنة. وما من مؤمن حق يجاهر بإيمانه بإمكانه أن يشكّك بهذه الحقائق".

الغرب ليس كياناً موحّداً يخوض قتالاً بلا هوادة ضد البلدان العربية والإسلامية، ولا الشرق كتراث موحّد يخوض قتالاً مميتاً ضد البلدان الغربية، فالعالم ليس منقسماً إلى فسطاطين: مؤمنين وكافرين إلاّ في أذهان "المحافظين الجدد" والحركات الأصولية المتطرفة، ولكن أطروحة هنتنغتون وتصريحات بن لادن، تنسجمان مع منطق الهيمنة، والتوجهات الإعلامية للحكومة الأميركية في حربها ضد الإرهاب ـ لا سيما بعد انقضاء الحرب الباردة، كما أنها تروج إلى أن الاعتداءات ضد الولايات المتحدة ومصالحها في كل مكان في العالم، هي نتاج محض لإيديولوجيا راديكالية معادية.

جان بودريار عالم الاجتماع الفرنسي في تحليله المعمّق لأحداث سبتمبر"روح الإرهاب: قداس للبرجين التوأمين" ذهب إلى أنه رد فعل على منطق الهيمنة العالمي، فهو ليس صدام حضارات، أو صداماً إيديولوجياً، بل مواجهة أنثروبولوجية تقريباً، فالإرهاب عمل لا أخلاقي وهو إحالة على عولمة لا أخلاقية. لأن القوة العالمية العظمى برأي بودريار بقوتها الفائقة التي لا تُحتمل غذت، وبدون علم منها، هذا العنف المتفشّي في العالم، وببلوغها هذه الدرجة، إنما تثيرالإرادة في تدميرها.

يقول بودريار: يمكن اختزال الحدث بأنه فعل مجموعة من المتطرّفين وينتهي الأمر عند هذا الحدّ. لكننا نعرف أنّ الأمور ليست بهذه البساطة. وأنّ ما حدث يتكئ على تواطؤ دفين يجد جذوره في أمكنة متنوعة. إنه صدى لرفض كلّ ما هو مُطلق ولكلّ قوّة نهائية. وعندما يأخذ نظام ما لنفسه كلّ الأوراق، فهو يدفع بالآخر إلى تغيير قواعد اللعبة. والقواعد الجديدة متوحّشة لا ريب، لأنّ طبيعة هذا التحدي هي نفسها متوحّشة. ولهذا رفض بودريار اعتبار ما حدث بأنه صراع حضارات أو أديان، إنما هو انقلاب على نسق العولمة نفسه، فالاستئثار بالحكر العالمي للقوة يتسبب بشرارة لإشعال عنف موازٍ.

الفرنسي وعالم الاجتماع الآخر إدغارموران يرى بأنها سيرورة مزدوجة، سيرورة المهيمن وسيرورة المتطفل، المتطفل الذي ينتزع من المهيمن كل مظاهره القاسية. (إدغار موران: في قلب الأزمة الكوكبية) وهذه الظاهرة لا تنبثق إلا عند تلك اللحظة التي يطالب فيها المستعمرون بالحقوق باسم أفكار مستعمريهم: حق امتلاك الأمة، حق امتلاك الإنسان، حق الشعب. وعندما نفقد المستقبل، وحيث يكون الحاضر مقلقاً وبائساً، ليست هناك طريقة للخلاص سوى العودة إلى الماضي/الأصل الذي يصبح ملاذاً. ومن هنا تظهر تلك الأصوليات في الأمكنة المأزومة. ولكن، هل يمكن للأصل أن يعود؟! أم أن ما سوف يعود لن يعدو كونه "الشر المتطرف" على حد تعبير كانط؟ أليس الطريق الذي ينحدر إلى الأصول، لا يؤدي في الأغلب إلاّ إلى البربرية كما تنبأ نيتشه؟

المهمشون: مشاريع "إرهابية"

في كتابه "الخوف من البرابرة" يقدم المفكر تزفيتان تودوروف لمجموعة من الشهادات التي يُدلي بها "المجاهدون" أنفسهم، وليس الخطاب الدعائي، وحين نتفحّص هذه الشهادات، فإننا نلاحظ بأن الدين ليس الدافع الأول.

إن الدوافع التي تحرّكهم هي في أغلب الأوقات دنيوية والدين لا يعدو كونه دافعاً ثانوياً؛ فهم يعبّرون عن تعاطفهم مع السكان الذين يعانون من البؤس، ويقعون ضحية تعسّف الطبقات الحاكمة التي تعيش في البذخ والفساد، والتي ليس بإمكانها البقاء في السلطة لولا دعم الحكومة الأميركية.

إنهم يتكلمون على أفراد من عائلاتهم أو من بين المحيطين بهم ممن تألّموا أو ماتوا بسبب خطأ ارتكبته تلك الحكومات، وهو ما يتحمّله كذلك الذين يوفرون لهم الحماية و"الاستقرار"، أي الأميركيون؛ وهم يريدون أن ينتقموا ولا شيء سوى الانتقام. وإذا كان الفتى الفلسطيني أو العراقي، أو أي فتى من أبناء الأراضي المحتلة، قد شاهد أهله يُذلون ويُسلبون حقوقهم، فإن الغضب والكبت هما اللذان سيقودانه إلى النضال المسلح، وهكذا دواليك.

يقول أحد الفلسطينيين من أبناء المخيمات: "لقد جرب الفلسطينيون الماركسية والقومية العربية، لكنهما فشلا فشلاً ذريعاً. لذا فإن التمسّك بالإسلام هو الحل الأوحد".

وإذا كانت الإيديولوجيا الزمنية كالماركسية أو القومية، غير قادرة أن تؤمّن غطاءً "شرعياً"، فإن الدين التقليدي سيقوم بالمهمة بعد أن تحوّل إلى إيديولوجيا للمقاومة والحرب.

وفي هذا الصدد يقول مجاهد آخر، وهو إندونيسي يُدعى علي غفران الذي ينتظر في السجن تنفيذ حُكم الإعدام "إنها حرب! لقد قتلت أميركا أبناءنا من المدنيين في الشيشان وأفغانستان وفي أماكن أخرى، لذا فنحن نثأر لأجلهم".

وفي ظل غياب مشروع سياسي قابل للحياة، بالإضافة إلى تفاقم معضلات العيش في الواقع العربي والإسلامي والفشل الذريع للحركات اليسارية والقومية، فإن ردة الفعل الطبيعية هي انتعاش "الأصولية" أو العودة إلى الأصول من أجل التحصين ضد ما يهدد الخصوصية وينال من الذات وينتقص منها؛ إذ تمنح التيارات الأصولية أعضاءها قدرة نفسانية هائلة تمكنهم من مجابهة كل مصادر الخوف والرعب، كحتمية الموت، والظلم، والكوارث، وفقدان الأحبة، وفقدان الأمل وبشاعة الجرائم ومعاناة المخذولين.

وحين يعاكس الواقع الموضوعي تطلعات المقهور، يميل المقهور إلى تضميخ الواقع بإفرازاته السيكولوجية، فالأصوليات لا تعمل على نكران الواقع، بل تنسج واقعاً يمكن تحمله. ولعل ماركس لم يجانب الصواب حين اعتبرها "مواساة" تمنح قدرة وثقة وأملاً تمكن المرء من مواجهة القلق والألم وقسوة العالم، وإن لم ينتج أثراً مادياً، فإنه قد يحدث تغييراً روحياً، إذ تخفف الاستيهامات من وطأة الواقع وضغوطاته وتلطف من تراجيدياته، وإذا كانت الهستيريا تمنح عذابات الإنسان النفسية واقعاً عضوياً، فإن بعض الاعتقادات الدينية خلقت واقعاً للأساطير التي أنشأتها أذهان خائفة من مواجهة الواقع بكل بشاعاته، وما فتئت تغذيها حتى باتت تتحكم بأقدارهم على نحو فظ.

ولقد لاحظ الكاتب التركي أورهان باموك أن مظاهر الابتهاج عمت مدينة إسطنبول غداة أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وتفسير ذلك أنها تنفيس عن الإذلال المهين الذي أصاب بلدان العالم الثالث. بالتأكيد أن هذه الشهادات لن تكون مقبولة للراحل هنتنغتون!

إنَّ القمع بوجه عام، يُحرض على ذات الشيء الذي يحاول التغلب عليه، وكذلك هو الأمر نفسه بالنسبة للهيمنة، أو الحرب على الإرهاب، فقد عملت على إحياء "الإرهاب" التي تزعم القضاء عليه، بل جعله ماثلاً في كل مكان تحكمه سلطة قمعية، سواء تعلق الأمر بالعراق أو بأفغانستان أو لبنان أو سوريا أو حتى فلسطين، لأن ظروف الاضطهاد التي تمارس على البنيان الاجتماعي والقومي تفضي بالضرورة إلى إرهاب مضاد إلى ما لا نهاية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تعليق1
عبد الله خلف ( 2013 / 9 / 20 - 07:27 )
1- من قام بعمليّة تفجير برج التجاره العالمي هو اللوبي الصهيوني , و ليس الإسلاميين , و من الأدله :
- لم يذهب ذلك اليوم أحد من الصهاينه لأجل العمل .
- الغريب و العجيب هو , أن الصندوق الأسود في الطائره ذاب من شدة الحراره , بينما جوازات الإسلاميين لم تحترق! .
- ظهر فيلم سينمائي -قبل أحداث تفجير البرجان بسنوات- يتحدث عن التفجيرات و إلصاقها بالإسلاميين , راجع :
https://www.facebook.com/photo.php?v=1407068982842262


2 - تعليق2
عبد الله خلف ( 2013 / 9 / 20 - 07:27 )
2- سيادة الفاشية والنازية في أوربا مردود إلى أن مبدأ التنوير يحمل في طياته بذور الديالكتيك .... أدورنو وهوركهيمر في كتابيهما ديالكتيك التنوير
يقول روبرت كلاركRobert E. D. Clark :- ( التطور بإيجاز أعطى صانعي الشر فرصة الهروب من ضمائرهم .. بل إن أسوأ رد فعل شيطاني تجاه المنافس يوصف في المجتمع الدارويني بأنه رد الفعل المناسب.)
Scientific Studies in Special Creationism, 1971 p. 338-339
يقول لينين :- المضاربون يجب أن يُطلق عليهم النار على الفور-
http://www.marxists.org/archive/leni...918/jan/14.htm
يقول جيفارا:-لكي ترسل رجالاً الى فرقة الاعدام، فالاثبات القضائي غير ضروري...فهذه الاجراءات هي تفاصيل برجوازية قديمة. هذه ثورة، والثوريون يجب ان يصبحو آلات قتل باردة مدفوعة بالكره النقي. -
http://www.therealcuba.com/MurderedbyChe.htm
180 جريمة موثقة ارتكبها جيفارا
الملحد الشهير بول بوتpol pot قائد كمبوديا أباد 21 % من أهل كمبوديـا حسب الوثائق الرسمية من أجل توفير الرخاء الشيوعي الإلحـادي
http://en.wikipedia.org/wiki/Pol_Pot
لا يعرف التـاريخ مجرمين أقسى ولا أبشع من الملاحدة


3 - استنتاج وجيه ولكن
أمل مشرق ( 2013 / 9 / 20 - 22:16 )
في ختام المقال تقول سيد نضال
إنَّ القمع بوجه عام، يُحرض على ذات الشيء الذي يحاول التغلب عليه، وكذلك هو الأمر نفسه بالنسبة للهيمنة، أو الحرب على الإرهاب، فقد عملت على إحياء الإرهاب التي تزعم القضاء عليه

يستشف من السياق ان الإرهاب له أسباب موجبة والخاتمة استنتاج وجيه ولكن حتى تصبح هذه الفرضية صحيحة يجب نقض الأدلة المخالفة لها وإلا وجب تفسير التفرد الإسلامكي بالإرهاب عنوة هن باقي الامم ودراسة جذوره بشكل أعمق
لماذا لم يصح نفس الشيء مع اليابان التي ضربت بقنبلتين ذريتين ومع فيتنام ومع ألمانيا؟
لم نجد ان الهزيمة الصاعقة لهذه الدولة والقمع الوحشي من قبل قوى عاتية أدى لظهور الإرهاب فيها ودخولها في دوامة لا نهائية من التخلف كما حصل مع بلاد المسلمين


4 - استاذة امل مشرق
ابو ازهر الشامي ( 2020 / 4 / 3 - 09:05 )
اولا بعض الشعوب قد تتجاوز الام الماضي
ولكن ليست كل الشعوب هي واحد
فالشعوب لا تتصرف نفس التصرف
والارهاب نفسه تم ممارسته في بعض الدول الاوروبية من اشخا غير مسلمين مثل ايرلندا مثلا
ايضا في بعض الدول الافريقية من اشخاص غير مسلمين مثل جماعة جيش الرب الاوغندي وجماعة اخرى نسيت اسمها في جمهورية افريقيا الوسطى
ثانيا من اسباب قيام الحرب العالمية الثانية وتنامي الفكر النازي في المانيا حتى وصوله للسلطة هي السياسات الخبيثة التي اتبعتها الدول المنتصرة في الحرب العالمية الاولى ضد الدول المهزومة وخاصة المانيا
اذن كلامك ينطبق فقط على المانيا بعض الحرب العالمية الثانية
ولكنه قبلها كان الامر بالعكس تماما
!!!!!!!!!!!
ثالثا هل ما حدث مع اليابان والمانيا ضربات طويلة الابد حتى اجل غير محدد
ام حرب وانتهت هذه الحرب قام بها كلا الطرفين بجرائم لا تنتهي
!!!
اذن فرق كبير بين حرب وانتهت وبين امور الى اجل غير مسمى
رابعا الفيتنام خرجت منتصرة فلماذا الانتقام
بل بالعكس الانتقام سيجعلها مهزومة
طبعا ان تجاوزنا ان الفيتنام اصلا بعد حربهم ضد امريكا والفيتنام الجنوبية دخلت في حرب ضد الصين

اخر الافلام

.. من هم المتظاهرون في الجامعات الأمريكية دعما للفلسطينيين وما


.. شاهد ما حدث مع عارضة أزياء مشهورة بعد إيقافها من ضابط دورية




.. اجتماع تشاوري في الرياض لبحث جهود وقف الحرب في غزة| #الظهيرة


.. كيف سترد حماس على مقترح الهدنة الذي قدمته إسرائيل؟| #الظهيرة




.. إسرائيل منفتحة على مناقشة هدنة مستدامة في غزة.. هل توافق على