الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دوائر

فاطمة الشيدي

2005 / 5 / 23
الادب والفن


لم تحب الألعاب يوما ما البسيطة منها والمعقدة ، كان الشرود الذي يعقد ذاكرتها بذيل وهم طري ومتناسق الملامح يعيق قدرتها على التركيز ( الورق / الدومينا / الشطرنج والأتاري والألعاب الإلكترونية ) كانت تمثل خيبة مرتقبة وأكيدة لذلك لم تجازف للدخول معها في معترك اللعبة .
فقط كانت لعبة تركيب المربعات والأشكال هي الوحيدة المغرية لها ، ربما لأنها لا تحتاج الطرف المقابل ، فقط هي وأشباحها ، وكائناتها الغيبية التي تملي عليها اقتراحاتها .
شكلت طائرة / قطار / ورجل آلي ، لماذا هذه الأشكال فقط ، ترددت الأسئلة ، هي تركت خيوط الإجابة معلقة في السدرة التي تتوسط فناء الدار ، وفي حنجرة العصافير التي تتقافز عليها .
ربما لأنها تحتاج الرحيل ( السفر ) وتحتاج كل وسائله وأشكاله ، فهي لم تؤمن يوما بخرافة الوطن وشجن الأرض التي تتجذر في الأعماق ، لعلها لاتحب هذا التجذر فكرة الطفو أعمق بالنسبة لها ، لعلها معادل للحرية ، وللإجتثاث .
و تحتاج رجلا آليا كهذا فقط ، تحتاج أن تغير له قدميه حين تأكل الغرغينيا أصبعه الكبير ، وتحتاج أن تغير يديه أو تخلعها حين يفكر في البطش بها لأنها ترفض أن تقدم لها وجبة دسمة تزيد من نسبة الكرسترول ، أو ترفض أن تخلع بأمره الكعب العالي الذي سيجعل لها أجنحة تجعلها أكثر خفة ، أو حين ترفض أن تتحول إلى دمية مخنوقة الصوت .
وتحتاج أن تغير عينيه حين يمل منها ويفكر في أخرى ذات بشرة بلا لمعة وأنف أقصر ، وتأتي له بعينين جديدتين لم تشبعان بعد من لون شعرها ، والنمش الموزع بلا عناية في وجهها ، والحزن الذي يسافر بلمعة في ضوء مقلتها.
أختها جعلت من المربعات بيتا ، وكائنات صغيرة ، ارتعبت من الذيول التي قد تقيد خطواتها المثقلة ،لتجر كائنات من الوهن معها ،كانت تعتقد أبدا أن ظلها أثقل من ظل البشر ، ظلها كبير وواسع ومتعدد ، رفضت أن يكون لها بيت يحد مساحة ظلها الواسعة ويلملم بقعه التي يتخللها الضوء في أماكن ثابتة ، لا تحب الثبات ، يصهر ظلها في غياب مقنن ولايمكن أن يكون الغياب إلا ممتدا .
يخيفها الليل ، ستقضيه في القطار ، النوم في القطار يقتل الوحشة ، في القطار ستتلصص على أحلام الموتى ، وتنتزع أحاديثهم الجانبية ، ستدس أحزانها في جيوبهم المنتفخة أو تلقي بها من نافذة القطار ، ظلها الذي يتحد معها في الليل سيشاغب الأرواح ويوزع ضحكاته الشبحية من نوافذ القطار ليكتحل الصبح برعاف الطبيعة بعد الشروق .
أختها علقت على الجهة اليسرى للبيت قنديل ، لكنها تحب كائنات العتمة والصمت فلاتحتاج سرجا فقط تحتاج أجراس تعلقها في كل مكان كي تغني حين تغازلها الريح وتلتهم أصوات الوحشة التي تمد مخالبها لتحفر الحزن الذي ينام بلا غطاء داخلها .
كل ما تحتاجه هو السلام تلك الكذبة البيضاء التي تتمنى أن تتقنها وخطواتها تقرع الفراغ بهدوء .
بغتة تشعر بأن كائنات كثيرة تسكن تحت جلدها الأملس ، كائنات ملونة ومتعددة الأحجام والأشكال ، سلاحف وخفافيش وغربان ، تشرب من دمها وتأكل من فوضى أمنياتها ، الفوضى الكذبة المنمقة التي تحتاجها لتبدو أكثر منطقية ومراوغة في آن .
كانت تستجيب لإحساس فطري لديها لتكوين أشكال الدوائر ، لم تكن تحب الأضلاع ،قالوا لها أنت خلقت من ضلع أعوج ،كانت ببلاهة تتسائل من أيها الأكثر إعوجاجا خلقت ، حين تزدحم الكائنات الظلية التي داخلها تحاول إحصاء الجهات ، لكنها لم تتعلم في طفولتها الغاصة بالرعب لعبة عد الأضلاع ، لأن كائنات الموت التي صادرت برعب مسيج سذاجة طفولتها كانت بلا أضلاع كان دائرية الروح والجسد ، حتى (عبدالله) كان دائريا ومكورا حتى في آخر لحظاته التي بدأ الهزال يقتات على جسده البض والصغير ، وجهه الطويل لم يكن له أضلاع كان قطعة من النور ، النور لا أضلاع له ، له شعاع كعيني عبدالله الرائعتين ، وكف الموت التي شاهدتهما تغور في صدره وتقطف روحه الخضراء بصمت ، لم يبكي كانت تراقبه ، بل ابتسم براحة عرفت بعد سنوات لماذا تلك الابتسامة .
المقبرة التي تقطن إلى جوار بيت سقى ورودها الصغيرة بالحنان و بالرعب كانت مستطيلة ، لكن الرعب الذي كان يسري بقوة جيشية في عروقها حين تلمح سنواتها الأربع ظل ميت يحكم عليه بالنفي تحت أرض رطبة ليأكل الظلام ويشرب الوحدة ، كان يمنعها من عد الأضلاع للمقبرة أو للخشبة المربعة والملقاة بإهمال خارجها ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. روبي ونجوم الغناء يتألقون في حفل افتتاح Boom Room اول مركز ت


.. تفاصيل اللحظات الحرجة للحالة الصحية للفنان جلال الزكى.. وتصر




.. فاق من الغيبوية.. تطورات الحالة الصحية للفنان جلال الزكي


.. شاهد: دار شوبارد تنظم حفل عشاء لنجوم مهرجان كان السينمائي




.. ربنا سترها.. إصابة المخرج ماندو العدل بـ-جلطة فى القلب-