الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


دويلة في قطاع غزة

محمد أيوب

2005 / 5 / 23
القضية الفلسطينية


إسرائيل تخطط وتدبر ، ونحن نرتجل ونتخبط ، هم يعرفون ما يريدون ونحن نعاني من عدم وضوح في الرؤيا ، لا نتفق على ما نريد الوصول إليه ، ومن هنا تأتي تنازلاتنا غير متوازنة ، واليوم كثر الحديث عن انسحاب من طرف واحد من غزة ، هم يتحدثون عن فك ارتباط مع غزة ولم يتحدثوا عن انسحاب بصورة واضحة وجلية ، فك ارتباط فقط ، والكلمات لها معان ودلالات ، في بداية التوقيع على اتفاقيات أوسلو تحدثنا عن انسحاب إسرائيلي من غزة وأريحا ، بينما تحدث الجانب الإسرائيلي عن إعادة انتشار قوات الجيش الإسرائيلي في هذه المناطق ، وتبين لنا بعد فترة أنه لا انسحاب ولا ما يحزنون ، هي إعادة انتشار إذن لا أكثر ولا أقل ، ولعل فك الارتباط الذي يتحدثون عنه اليوم أشبه بذلك الرجل المتزوج من أربع زوجات ، يهجر إحدى زوجاته ولا يطلقها ليعود إليها متى شاء ، لأنهم لا يتحدثون صراحة عن انسحاب من غزة ، بل يريدون فقط التخلي عن مسئولياتهم عن غزة على أمل أن تقع الواقعة بين أبناء البلد الواحد .
لقد أعاد الحديث عن فك الارتباط أو الانسحاب سمه ما شئت ، أعادني هذا الحديث إلى بداية الانتفاضة الأولى التي فاجأت الجميع بزخمها وقوة اندفاعها وأدهشتهم ، عربا ويهودا وفلسطينيين ، فقد الجميع توازنهم أمام هذه الهبة الشعبية وارتبك الجيش الإسرائيلي ، وارتبكت قيادة منظمة التحرير ، لكنهم بدءوا يلتقطون أنفاسهم ويتحكمون في ردود أفعالهم ، فقد بدأت منظمة التحرير في التعاطي مع الانتفاضة من تونس عن طريق قبرص ، لم تتدخل في البداية في البيانات التي كانت تصدرها القيادة الموحدة ، وبالتدريج بدأت تبسط سيطرتها على هذه البيانات وأصبح زمام الأمور بيد القيادة في الخارج ، وتحولت قيادات الداخل إلى خانة تلقي التعليمات وتنفيذها مما جعل الضعف يدب تدريجيا في أوساط هذه الحركة الشعبية ، لأن من في الخارج لا يستطيع أن يقدر الأمور كما يمكن للقائد الميداني أن يقدرها .
أما الجانب الإسرائيلي فقد بدأ يجهز المعتقلات على عجل ، وبدأت عملية اعتقالات عشوائية لبعض القيادات السابقة التي اعتزلت العمل السياسي ، والعسكري لأنه لم يكن باستطاعته تحديد هدف واضح ، الجماهير كلها في الشوارع تهتف وتنشد وتقاوم ، كان الشباب والفتيات يرددون معا :
هبت النار والبارود غنى أطلب شباب يا وطن وتمنى
كان شعر رأسنا يقف ونحن نشاهد هذا البحر المتلاطم من البشر ، وفي بداية عام 1989م قرر اسحق مردخاي قائد المنطقة الجنوبية وقتها أن يجتمع مع شخصيات ووجهاء مدينة ومخيم خان يونس ، كان يريد ان يعرف أسباب هذه الهبة المفاجئة وأن يعرف مطالبنا ، وجهت لي الدعوة ضمن من وجهت إليهم الدعوات وقتها ، امتلأت قاعة الاجتماعات في مبنى بلدية خان يونس ، قررت أن ألتزم الصمت حتى لا أقدم مبررا طوعيا لاعتقالي ، فقد كانت أمامي بعض المهام الإنسانية التي يجب أن تستمر ، ولكن الرياح لم تأت كما تشتهي السفن ، فقد اضطررت للكلام بعد أن تحدث أحد الحضور مدعيا أن أوضاعنا الاقتصادية قد تحسنت في زمن الاحتلال ، وكأنه يريد أن يمتدح الاحتلال وأن يشير من طرف خفي إلى وضعنا في زمن الحكم المصري كان سيئاً ، طلبت الإذن بالكلام ، وبعد السماح لي وجهت الخطاب إلى قائد المنطقة الجنوبية قائلا : تسألنا عما نريده وكأنك لا تعرف ، لقد فعلت مثل ذلك الفيلسوف الذي أشعل مصباحه في عز الظهر وخرج يبحث في الشوارع ، ولما سألوه عم يبحث قال : أبحث عن الحقيقة ! قال مردخاي : وما هي الحقيقة ؟ قلت : الحقيقة أننا سئمنا من الاحتلال ، نريد أن تتركونا وشأننا ، نريد دولة وعلما ، نريد أن نشكل حياتنا بأيدينا ، دعني أستعير مقولة إلياس فريج رئيس بلدية بيت لحم : " لقد سئمنا دور العشيقة ، فإما أن تتزوجونا أو أن تطلقونا ، وقبل أن أنهي كلامي أود أن أقدم لك بعض طلباتنا :
1 – نطالب بإلغاء معتقل أنصار 2 الذي أنشأتموه في غزة لأنه يذكرنا بالسلوك الذي مارسه النازيون ضدكم ، ولا يجوز لشعب عاني من اضطهاد النازيين أن يضطهدنا بالطريقة نفسها.
2 – نطالب بإعفاء الجرحي من رسوم المبيت والعلاج في المستشفيات ، وإعفاء من يقتلهم الجيش من دفع رسوم نقلهم بالطائرة للعلاج داخل إسرائيل قبل موتهم لأنكم تطالبون أهل من يقتل بدفع أربعة آلاف شيكل أجرة الطائرة الهليوكوبتر .
3- نطالب بسحب قوات الجيش من شوارع المخيمات والمدن إذا أردتم أن تهدأ الأمور .
ولكنهم على ما يبدو كانوا يمتلكون مخططا يجري تنفيذه بالتدريج ، ولم يكونوا يريدون للأمور ان تهدأ ، رد قائد المنطقة الجنوبية وقد بدا على وجهه الغضب ، قال : نحن لسنا نازيين ولا نمارس أعمال النازيين ، أما بالنسبة لكلام إلياس فريج فإنني أقول: إن الزواج قرار صعب والطلاق قرار أصعب ، أما بالنسبة لإعفاء الجرحى والقتلى من الرسوم فهذا الأمر يقع ضمن صلاحياتي وسأفعل ذلك .وقد فعل ، كان اللون الأصفر واضحا على وجهه من شدة الغضب ، سألني عن اسمي ، وعن مكان سكني ، وعن عملي ، ولما أخبرته أنني أعمل مدرسا سألني : لو وجدت طالبا مشاغبا في فصلك واتبعت معه كل وسائل التربية ولم تنجح ، ألا تعاقبه ، حاولت أن أرد عليه فمنعني من الكلام ، هنا رد عليه أحد طلابي واسمه عزو الخطيب ، قال : لقد علمنا الأستاذ محمد ، وحين كان أحد التلاميذ يشاغب لم يكن يعاقب الفصل كله ، كان يعاقبه وحده ، أما أنتم فتعاقبون كل الشعب ، وجهت التحية لتلميذي العزيز لأنه قال ما كنت أريد قوله ، انتهى اللقاء نهاية متوترة ، وخرجنا ، وفي الليل داهم الجيش المنطقة التي أسكن فيها ، ولكنني اختبأت فأمسكوا بأخي ظنا منهم أنه أنا لأن اسمه محمد ، سحب أحد الجنود أجزاء بندقيته موهما إياه أنه يريد أن يطلق النار عليه ، صرخ أخي وأنا أسمعه من مخبأي : الحقني يا خوي يا أبو نضال ، اكتفيت بالابتسام خشية أن يسمعوني ، وشر البلية ما يضحك ، تخيلت كيف سيكون شعور ضابط المخابرات حين يكتشف أن أخي ليس أنا وأن الجنود أخطئوا الهدف ، وبعد ذلك تم اعتقالي اعتقالا إداريا في سجن النقب الصحراوي أنصار 3 " كيتصوعوت " الذي أنشئوه ردا على مطالبتنا بإلغاء أنصار 2 .
ولعل ما قادني إلى هذا الحديث هو خبر صغير نشرته جريدة يديعو ت أحرونوت العبرية وقتها ، أحضر ابن عمتي فتحي الخبر قائلا : انظر ماذا كتبوا عنك وقد ذكروا اسمك ، قرأت الخبر الصغير في الصفحة الأولى و الذي يقول : وجهاء خان يونس يطالبون بدولة صغيرة في قطاع غزة " مديناه كتاناه بريتصوعات عزة " ضحكت بلا مبالاة ، قال ابن عمتي : ألا تريد الرد على الخبر ؟ قلت : لو رددت على هذا الخبر التافه أكون قد لفت أنظار الناس إليه ، وهذا يعطيه بعض المصداقية ، كل الحاضرين يعرفون أنني طالبت بدولة فلسطينية في الضفة والقطاع ، لأنني كنت أنادي بشعار دولتين لشعبين وقتها وبضرورة تطبيق قرار التقسيم .
والآن أقر أننا كنا أغبياء حين اعتقدنا أن الخبر صاغه صحفي ساذج ، ها هم اليوم يطلعون علينا بمشروع فك الارتباط مع غزة ويروجون إلى أن ذلك سيكون هو نهاية المطاف ، ترى هل يريدون حشرنا في دويلة صغيرة في قطاع غزة ، وما الذي يمكن أن يخرجه الحاوي الإسرائيلي من جرابه ؟ !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. من المفاوض المصري المتهم بتخريب المفاوضات بين حماس وإسرائيل؟


.. غزة: ما الجديد في خطاب بايدن؟ وكيف رد نتنياهو؟




.. روسيا تستهدف مواقع لتخزين الذخيرة والسلاح منشآت الطاقة بأوكر


.. وليام بيرنز يواجه أصعب مهمة دبلوماسية في تاريخه على خلفية ال




.. ردود الفعل على المستويات الإسرائيلية المختلفة عقب خطاب بايدن