الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرمز الشفيف في رواية - روح محبات- للروائي -فؤاد قنديل-

أماني فؤاد

2013 / 9 / 21
الادب والفن


الرمز الشفيف فى روح محبات
د. أماني فؤاد
يستكمل الروائى "فؤاد قنديل" فى سرديته الفنتازية "روح محبات" التى صدرت سنة 1997م توجهاً فنياً بدأه فى "الناب الأزرق" سنة 1982م و"السقف" سنة 1983م، وفيه يعتمد على تشكيل وبناء غرائبى، يستند على الأساطير والرموز والرؤى الخيالية المجنحة، التى يحلق فيها المبدع إلى سماوات بعيدة وخيالية، ثم يهبط حثيثاً ليشتبك مع الواقع بكل مفرداته الثقافية، ولينير بعض قضايا الإنسان الواقعية، ثم يحلق ثانية فى عوالم الخيال والرموز فى مراوحة ومزاوجة بين الفن والواقع.
وتنطلق تلك الأعمال التى تعتمد على الرمز الشفيف من مبدع تحركه ذهنية "خيالية"، تلك التى تتضافر فيها معرفة بأدق تفاصيل الواقع، وضغط إعادة طرح الأسئلة الكبرى الوجودية الخاصة بالعالم، والمجتمع الخاص بالمبدع، وفق ما يستجد من متغيرات مستمرة، مع رغبة جامحة فى التحليق فى فضاءات الخيال اللانهائية تلك التى يفتح مغاليقها الفن وعوالمه الرحبة.
فى "روح محبات" يهيئ "فؤاد قنديل" لطفرة، فيخلَّق ديكاً عملاقاً "الملك" يمتص حيوات الآخرين، ويتضخم، وتستفحل أطماعه، يلهو بالجميع ليحقق أطماعه ونزواته على حساب مقدرات وشرف الآخرين، فيتسبب فى اضطراب حياتهم بعد أن يسلبهم عقولهم، ويلهو بأحلامهم، ويعيس فى شرفهم فساداً.
من قلب هذا التشكيل الخيالى بينما ينبنى الرمز بخيوطه المتعددة، ويشير إلى الولايات المتحدة الأمريكية منذ منتصف القرن العشرين وحتى لحظتنا الراهنة،يعرض تداخلاتها فى شئون دول العالم وخاصة منطقة الشرق الأوسط، وفرض وصايتها على الآخرين بما يخدم مصالحها وتوازناتها الاقتصادية والسياسية.
تجيد أمريكا وضع الأقنعة المشرقة على وجوهها المستغلة، فتبدو كالحلم للآخرين، لكنها تخفى وراء أقنعتها أطماعها الحقيقية، وقبحها الاستغلالالى. وتتنوع أشكال التداخلات الأمريكية، فهى إما سياسية بطرق دبلوماسية مراوغة اعتماداً على المؤسسات المختلفة للأمم المتحدة، أو حق الفيتو القمعى فى مجلس الأمن، أو من خلال قوة عسكرية متوحشة لا حدود لإمكاناتها، واتساع المناطق التى تطالها، كما أنها تجيد بمهارة لعبة العصا والجزرة التى تمارس بها خداعها للجميع. ويتوازى تاريخ نشأة الولايات المتحدة الأمريكية مع كائن الرواية الخرافى.
فى العصر الحديث بدت أمريكا تلك القوة الوليدة وظهرت فى التاريخ الدولى كالطفرة، قوة دولية استفحلت خارج مقاييس التطور التاريخى التدريجية، ومع استفحالها وتمددها، وإشعاع الحلم الأمريكى الذى رسمته قضت على حيوات وجنسيات متعددة، مثل: الهنود الحمر، وتكشف ما تمارسه الآن فى العراق وأفغانستان وغيرها من الدول.
فى بيت "رشوان ومحبات" ابتلع الديك الأسطورى حيوات وأرواح الدجاج من حوله، يقول الروائى "... راحت الأفراخ وراحت معها الحياة الشقية العابثة والمرح الجميل وأبقت – وياللغرابة – ديكاً واحداً يكبر ويكبر ويتضخم، وكأن الله أراد أن يخفف عنهما العذاب لفقد الأحباب فاستبقى هذا الديك العجيب الذى خرق قوانين النمو" ص55. وهو إذ يشكل هذا النسيج الخيالى، نجد مفردات كثيرة متناغمة بين الخيال والواقع فى تفصيلات دقيقة توحى بفكرته فى صورة أليجورية محببة فى مواضع متعددة من النص.
وهنا قد نتساءل متى يلجأ الفنان لهذا التشكيل الفنى الذى يجمع بين الخيال والرمز والواقع، أتصور أن هذا المنحى قد نرجعه لعدة أسباب منها: محاولة فهم العالم ووصفه خارج الواقعية التقليدية، الواقعية التى لم تقدم طريقة كافية لفهم العالم ووصفه، فروايات الواقعية السحرية تتحدى على أنحاء مختلفة، وبطرق متنوعة، الإيمان بعالم متماسك منظم، فتعَّول الواقعية السحرية على الأساطير وما شابهما، وتلجأ إلى الثقافات المحلية، تستنطق الجانب الفلكلورى المغزول بالأسطورة، والمحمل بخصوصية ثقافية لهذه المجتمعات. كما أنها تنقب فى الأنماط السائدة من السلوك التى أدت إليها الأوضاع الاقتصادية، وأوضاع القوة فى المجتمعات، أكثر من اتجاهها إلى تحليل نفسيات الأفراد ومشاعرهم، وهو ما تحقق فى نص "روح محبات" على نحو من الأنحاء، فلم يستبطن الروائى فى مساحات متسعة دوافع ونوازع شخوصه قدَّر ما شغله هذا البناء والتشكيل العجائبى، لكن الروائى فى ذات الوقت لم يترك الخيوط التى تغذى صراعه الأساسى دون أن يستكمل بناءها، فلقد صوَّر المبدع نقاط الضعف والحاجة التى جعلت محبات تعشق هذا الديك، وأهمها رغبتها فى أن تحيا أمومتها وأن تعيش تجربة حب حانية، كما أوضح دوافع الانتقام التى تدافعت بداخل "رشوان" تجاه هذا الكائن، ما أعنيه أن لاستكمال التشكيل وإعطائه عناصره المميزة والتى تجعل منه عالماً رمزياً متماسكاً تأخذ من العناصر السردية الأخرى بعض مساحاتها.
إن التنظيم وتحديد المساحات المطلوبة لكل من عناصر النص الإبداعى يعد من أهم مهمات الكاتب، فتنظيم العلاقات بين بعض العناصر المتمايزة الداخلة فى بنية العمل الفنى وبعضها الآخر، بالإضافة إلى العلاقة بين هذا العنصر أو ذاك وبين كلية العمل الفنى يتوقف عليهما مفهوم العمل وتماسكه، فهناك دائماً طابع جدلى، حركة وسكون، إبطاء وإسراع، صوت وصمت... إلخ.
وأعود ثانية لأشير لتوقيت لجوء المبدع لهذا التشكيل العجائبى وإبرازه على كافة العناصر، أتصور أن المجتمعات النامية التى تمارس عليها القوى العظمى كثيراً من الضغوطات، أو يبرز القهر بين المجتمع وسلطاته هو السمة الغالبة، تلك الدواعى تجعل المبدع يخترق الحدود القائمة بين السحرى والخيالى والواقعى الأمر الذى يعين على مجابهة الحدود القائمة على المستوى الاجتماعى السياسى، وإن لم ينف ذلك تغلغل الواقعية السحرية فى الموروثات الفنية مثل ألف ليلة وليلة وغيرها من الأعمال، أو ظهورها فى مجتمعات لا يسودها القهر أو تمارس عليها التداخلات الخارجية، فالإبداع وعوالم الخيال أكثر اتساعاً من التقيد بالمسببات.
هيأ الكاتب لرمزيته التى يشيد عليها هذا الكيان النصى كثير من الخيوط التى تشبه الجداول التى تتجمع كلها فى مصب هذا الرمز ليتكشف شفيفاً لقارئه فيبدو سلساً لقارئه دون معاناة فى فك شفراته أو تأويله على النحو الصحيح مثل:-
1- تلون أمريكا أو الديك بحسب المواقف والمصالح والسياسات بحسب سياسة مراوغة تكيل بمكاييل متعددة لا ثبات بها، تقول محبات عن الديك "طال وقوفه وهى ترقبه، وقد بدت ملامحه فى عينيها كملامح قط" تذكرت أنها منذ أيام طالعت فى وجهه ملامح صقر، قبلها رأت على محياه ملامح حمامة هائمة.. لكنها فى الأغلب ترى فى وجهه ملامح الأطفال.." ص59.
2- قدرة أمريكا على التجسس، تقول محبات واصفة تصرفات الديك: ".. لماذا كان يواصل محاولاته التحديق عبر الزجاج؟ هل كان يود أن يراها؟ يراها هى.." ص58، وكما سبق أن ذكرت عن حياة الديك ونمائه الذى ابتلع حيوات وأرواح الدجاج من حوله مثل سياسات العولمة التى تتبناها أمريكا. كما أن مدة حمل الفتيات من الديك لم تتجاوز سبعة أشهر وهى طفرة كطفرة الديك ذاته أو أمريكا. ص166.
3- يشير الروائى إلى انتهازية السياسيين أو من بيدهم السلطات وبحثهم عن مصالحهم الخاصة فى المقام الأول، وهو ما لا يغلق أبواب المطامع الخارجية مثل تصويره لأطماع العمدة، والتشكيل الأمنى الذى ينظم العلاقات بالقرية، ورغبتهم فى الاستفادة القصوى من وجود الديك، يحدد العمدة أنصبة المستفيدين من العرض الذى سيقدمه الديك وطريقته فى التحايلات، يقول ".. والحكومة لها الثلث. توقف رشوان مبهوتاً، عندها تبسم العمدة فى دهاء وقال: لا تفزع أنقذك منها.. إذا سرت معى على الصراط المستقيم" ص35 ليبرز هنا لجوء السلطة إلى منطقة الدين لتمرر أطماعها غير المتناهية.
4- يبرز الروائى ثقل الدور الذى يقوم به رجال الدين فى المجتمعات البدائية فتتبعهم الجموع ثقة وراحة للدين دون اختبار القضايا وفق العقل المنطقى ص160..
5- اختار الروائى لسرديته سارد مفارق عليم ليتناسب الحكى مع سرد سحرى مفارق للواقع، لم يتكئ على التراث الأسطورى قدر استناده على نسج خيالى أوجد خيوطه المبدع، لذا كان المناسب للسياق العام للرواية رسم رؤية فوقية من شأنها أن ترى المنظومة البنائية الواقعية والمتخيلة من منظور متعال يهيئ لهذه الكيانات الفنية والفكرية المتداخلة.
يعلق السارد العليم على استقبال محبات للديك يقول: "هل اقتنعت بإمكانية اتحاد الكائنات الحية؟ "ليس بإمكان فلاحة بسيطة أن تفكر فى ذلك، أو على الأقل من النادر أن تشارك فى ثورة على هذا المستوى" ص69.
6- وفق الكاتب فى السيطرة على لغة تعكس الامتزاج بين الواقعى والخيالى وتهيئ لتقبل هذا الخلق السحرى، وكانت أداة الاستفهام والتمنى مع أدوات أخرى لإذابة المسافات بين الحقيقة والمجاز، يقول وهو يصف التلاقى الجسدى والوجدانى بين الديك ومحبات "هل كانا يفكران فى شئ واحد؟ هل كان يا ترى إحساس واحد يجتاح روحيهما؟ هل كان الديك فى الصومعة التى تشكلت من الريش الملون فى ركن الفناء يحاول أن يحيلها إلى دجاجة، لتنسجم مع جنسه؟ هل كانت هى راضية؟ سلّمت بدنها لتديّكه؟ لعلها تترك عالم البشر، وتغدو كائناً ملائماً له، يتحقق لها معه ما لم يتحقق مع بنى جنسها" ص65.
- ولنا أن نلاحظ أيضاً نحت الروائى لمفردات جديدة لتخليق معنى غير واقعى أو حقيقى، يتطلب الخلق الغرائبى الخيالى لغة تعبر عن هذا المغاير والمجاوز للواقع، مثل قوله "لتديَّكه".
- ولقد استعان القصاص بصيغ السرد فى المواويل الشعبية فى بعض الفقرات كأن يقول "اليوم صابحة البِنَيَّة مزاجها متعكر" القلب مقبوض والروح كأنها داخلة فى نفق معتم" ص132، يتوافق الإيقاع فى تقسيم تلك الجمل ليخلَّق جو القص فى المواويل الشعبية المحكية على ألسنة المنشدين، اتساقاً مع بينة الشخوص.
ولعب التقديم والتأخير والتعجب وغيرها من المحسنات البديعية مثل التضاد والجناس دوراً فى طرح الدهشة والاكتشاف وتنشيط القدرات الاستيعابية عند شخوص العمل لتقبل هذا الكيان الغرائبى السحرى وتفسير مشاعرهم التى استجدت من تلاعب هذا الكائن بمصائرهم يقول السارد على لسان رشوان واصفاً وحدته بعد أن رحلت محبات "كم هو موحش"! البيت، كم هو ممل"! المقام به.." ص138، أو قوله واصفاً حال محبات فى تناقض مشاعرها ".. الدهشة تتولد واحدة بعد الأخرى فوق فرن الأسئلة الساخن البارد، الحار الرطب، الطرى الصلب، المعتم المضئ "الواقف الجارى.." ص62، وكما تملكت الدهشة شخوص العمل، استحوذت أيضاً على القارئ واستنفرت قواه الإبداعية والتخيلية لتشييد هذا العالم الغرائبى.
- كما تطلب هذا النسيج القصصى الفنتازى نهاية تتسق مع كل هذه الأحداث الغرائبية، فكانت الدروشة وحالات التبرك بالمقامات والتماثيل، وما تصنعه هذه المناطق الروحانية غير المنطقية من تأثير على النفوس، هى النهاية المفتوحة التى تناسبت مع الطرح الخيالى الذى قدمه المؤلف فى نصه، كما تخير المؤلف أن يظل نهاية عمله مشوقة غامضة ففتحة علامة استفهام، تتجه نحو مصير وفعل القادمين من البشر الديوك الذين كانوا نتاج لقاء الديك الملك مع النساء، وما يمكن أن يصبح عليه المستقبل فى وجود هذه المخلوقات الهجين.
ولقد كان للمجازر دوراً رئيساً لاستكمال هذه المنظومة السحرية فاستخدمه قنديل بحذق وموائمة جميلة، وفى تكوينات مبدعة، كأن يقول واصفاً دهاء محبات" ما الذى يمكن أن تبذله حتى يتفجر الصدق من العيون المتطفلة، والعقول المحشوة بشفرات الظنون؟ ص146، لنا أن نتصور الحدة والرغبة فى الانتهاك التى تتملك البشر من خلال هذه الصورة المعبرة، ومدى إحاطتها بالطبيعة البشرية، كما استخدم الكاتب أسلوب التشبيه لتقريب هذه المتباعدات التى لا التقاء فيها بين البشر الطيور أو الحيوانات، يقول "تصورت – أكيد مجرد تصور – أنها ترى فى عيون الديك ولداً قادماً يشبه وردة لها أجنحة تطير خارجة من عروش قلبه متجهة مباشرة إلى بطنها" رأت الوردة ذات الجناحين تصطدم بقاع بطنها وترف أصداؤها فى الخلاء الموحش" ص87.
هيأ المؤلف خلقاً جديداً وتطلب هذه الاستعانة بكل صياغات المجاز والتشبيه والكنايات ليهيكل هذا العالم ويكسبه لحماً ودماً وتقبل فى الخيال الإبداعى، وخيال المتلقى.
7- وتبرز طريقة صياغة المشاهد وتكوينها المتكئ على الحلم وعالم الأوهام، الصراعات الداخلية بذوات أبطال العمل، فى مشهد يوصف بلوحة سريالية بارعة، تنطق بأزمة رشوان النفسية وشعوره بالهوان والانتهاك يقول الكاتب ".. وقعت عيناه على المرآة" كانت صورة ظهر كثيف الشعر لا تزال فى المرآة.. دنا منها" لم يجد وجهه، وظل ظهره هو الذى يملأها وكل شئ أمام المرآة ظاهر فيها سواه.. تداخلت الصورة.. وجه أمه على جسم الولد.. رأس الديك على بدن محبات.. بيته مقلوب.. الديك يطير بلا رأس. بعد قليل تسقط ساقه. أمه تكبر وينبسط لها جناحان.." ص141. يبدو فؤاد قنديل فى هذا المشهد وقد استعار فرشاة بيكاسو؛ ليرسم لوحة سريالية تقرأ ما يعتمل بالداخل الإنسانى واضطراباته المفزعة، تلك التى تبنى عن عمق الصراع الدائر بنفس رشوان، وتتسق هذه التقنيات الحلمية والتداعيات الحرة مع نسج الأسطورة السحرية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بطريقة سينمائية.. 20 لصاً يقتحمون متجر مجوهرات وينهبونه في د


.. حبيها حتى لو كانت عدوتك .. أغلى نصيحة من الفنان محمود مرسى ل




.. جوائز -المصري اليوم- في دورتها الأولى.. جائزة أكمل قرطام لأف


.. بايدن طلب الغناء.. قادة مجموعة السبع يحتفلون بعيد ميلاد المس




.. أحمد فهمي عن عصابة الماكس : بحب نوعية الأفلام دي وزمايلي جام