الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


-تمثيلية أردنية-.. العمدة والزَّبَّال!

جواد البشيتي

2013 / 9 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
"الزَّبَّال" هو جامِع القمامة؛ أمَّا "الوزير"، في معناه الأقدم، فهو خاصَّة الملك الذي يَحْمِل ثِقْله، ويُعينُه برأيه.
وفي الأردن، الذي يُتْقِن أهل الحُكْم فيه لعبة "التواضُع (التذلُّل والتَّخاشُع)"، ما أسهل وأيسر من أنْ ترى الوزير (أو عمدة عمَّان) زَبَّالاً، يَرتدي ثياب المشتغلين بهذه المهنة، يَجْمَع القمامة من الشوارع، ورجال الإعلام حافِّين مِنْ حوله؛ لكن ما أصعب وأعسر من أنْ ترى زَبَّالاً يتبوَّأ منصب وزير.
وما عمدة عمَّان عقل بلتاجي إلاَّ بَشَرٌ، يمشي في الشوارع، ولا يمشي في الأرض مَرَحَاً، يرتدي، لتواضعه الجم، ثياب الزَّبَّال، يَجْمع القمامة، مُطلِّقاً ثلاثاً "ثقافة العيب"، ومتشبِّهاً (في تواضعه) بالغصن المنحني لامتلائه بالثمار؛ ومعه رجال الإعلام شهود على أنَّه "فَعَلَها"، فـ "الفضيلة" تَدُلُّ على صاحبها كما يَدُلُّ الثَّمَر على شجره.
وتواضُعه الجم هذا ذكَّرني ببابا الفاتيكان وهو يَظْهَر في صورةٍ يُقَبِّل قَدَم رَجُلٍ أعياه المرض.
مَنْ تواضَع للشعب، تَواضَع لله؛ ومَنْ تَواضَع لله رفعه، فإذا كان زَبَّالاً جَعَله، إذْ رَفَعه، وزيراً؛ ومَنْ تَكبَّر وضعه الله، فإذا كان وزيراً يمسخه زَبَّالاً.
لا نريد هذا "التواضُع" مِنْ وزيرٍ، أو من عمدةٍ؛ إنَّنا نريد أنْ يتواضَع الحُكْم ديمقراطياً للشعب، وأنْ يَجْمَع "القمامة"، وهي كناية عن الفساد وأهله، من مؤسَّسات الدولة، وأنْ يُنَظِّف السلطات الثلاث (والسلطة الرابعة أيضاً) من الأوساخ، وما أكثرها.
بالله عليكم كُفُّوا عن هذا "التمثيل"، واعلَموا أنَّ "الغباء" هو وزير يستغبي الشعب؛ فالشعب أذكى من أنْ يُصدِّق "تواضعكم" هذا. لقد تَواضَع العمدة قائلاً في تواضعه: لا فَرْق بين عمدة وزَبَّال إلاَّ بالراتب والنفوذ والسلطان؛ وهذا فَرْق لا يُحْدِث فَرْقاً يُذْكَر بين هذين المواطِنَيْن!
إنَّ من المَسْخِ للسياسة أنْ تُفْهَم الحكومات الأردنية، مجيئاً وذهاباً، على أنَّها أمْرٌ من أُمور السياسة؛ وإنِّي لأَسْمَع "كرسيِّ الوزير" يَرْفَع عقيرته بالشكوى؛ فوالله لقد هَزُلَت؛ ولا اعتراض على مشيئة الله إذ مَسَخَ بعض المواطنين "وزراء".
المأساة، الكامنة في تلك المهزلة، هي أنَّ المستوزِر عندنا (والذي هو وِزْرٌ على الوطن والشعب) يَنْظُر إلى منصب الوزير على أنَّه الغاية التي تبرِّر الوسيلة، والتي من أجلها يهون كل شيء، وأي شيء، فليس بأمرٍ ذي أهمية، بحسب موازينه، أن يُنْقَش على جبين شاغل هذا المنصب عبارة "لا يملك من أمره شيئاً"، وكأنَّه العانس التي استبدَّ بها الشعور بآلام العنوس، فسعت إلى زواجٍ ولو جعلها كالمستجير من الرمضاء بالنار!
العيب، والحقُّ يقال، ليس في الوزير، أو المستوزِر، وإنَّما في "الكرسي الوزاري"؛ فهذا الكرسي، المصنوع بخواص لا سياسية، هو الذي يصنع صاحبه، أي الجالس عليه، على مثاله.
إنَّ "النفوذ"، في معناه الذي تستكرهه "الروح القيادية"، هو الكامن في دوافع وحوافز المستوزِر عندنا، فجُلُّ ما يطمح إليه، ويطمع فيه، هذا المستوزِر إنَّما هو الخروج من الظلمات إلى النور الإعلامي، والسياحة التي تلبس لبوس المهمات الرسمية، والاستمتاع برؤية الناس يحجُّون إليه، مستجدين كرمه، ومستدعين نعمه، والتمتُّع بامتيازات المنصب، واغتنام فرصه، فما نفع الوزارة الزائلة إذا لم تَعُدْ عليه بما ينفعه غداً، أي بعد انتقالها الحتمي منه إلى عضو آخر من أعضاء "المجتمع الوزاري" الواسع، فالمنصب الوزاري كالعملة يتداولها أبناء هذا المجتمع من المواطنين غير العاديين، المختلفين في الوجوه وملامحها فحسب؛ ولا يدوم من هذا المنصب إلاَّ قَصْرٌ، تزدان واجهته بعبارة الفساد الشائعة.. عبارة "هذا من فضل ربِّي"؛ فلقد "أَنْجَز" هذا الوزير، مع سائر زملائه، من الفشل والإخفاق، ومن سوء الإدارة والأداء، ما يكفي لعودته غانماً آمِناً؛ كيف لا وقد ارتضى لنفسه أنْ يكون "آخر من يَعْلَم" ولو في مرتبة "وزير"؟!
ما أسهل أنْ تصبح وزيراً؛ لكن ما أصعب أنْ تكون قائداً، فالنفوذ القيادي يختلف نوعياً عن النفوذ الوزاري، فالقائد لا يمكنه أبداً أنْ يعطي ما يعطيه الوزير؛ لأنَّه فاقِدٌ له؛ والوزير لا يمكنه أبداً أن يعطي ما يعطيه القائد؛ لأنَّه فاقِدٌ له؛ وشتَّان ما بين من يَعْظُم بالمكان ومن يَعْظُم به المكان!
إذا كان "الوزير" عندنا جُمْلَة من الصفات الشخصية غير المستحبَّة، وينبغي لنا التطهُّر منها، فإنني أقول إنَّ الإنسان لا يُوْلَد "وزيراً"، بل يصبح "وزيراً"؛ ويا ليت الوزير عندنا يملك من الجرأة (الأدبية) ما يكفيه شَرَّ تزوير الحقيقة، فيُجيب، في صِدْقٍ وموضوعيةٍ، عن سؤال "كيف أصبح وزيراً؟"؛ ففي الحياة السياسية للمجتمعات والشعوب، لا بد من تمييز "القيادة" من "السلطة"؛ فالقيادة شيء والسلطة شيء؛ والتاريخ لا يجامل أحداً، فلا يفتح بابه على مصراعيه إلاَّ للذين أحرزوا من "التفوُّق القيادي" ما حمله على منحهم يراعه حتى يكتبوا به سطوراً في صفحاته.
وإنَّ صعوبة أنْ يكون المرء قائداً تاريخياً في العالم السياسي الواقعي، وفي هذا الزمن على وجه الخصوص، هي ما تحضُّ محبِّي وعشَّاق السلطة، والذي لا يملكون شيئا من الطاقة الفكرية والسياسية (والشخصية) للقيادة، على "التمثيل السينمائي"، وكأنَّ تمثيلهم، غير المُتقَن، لدور "البطل المطلق"، أي البطل في كل شيء، يمكن أنْ يجعل الناس ينظرون إليهم على أنَّهم قادة!
إنَّهم كالكواكب في مغيب الشمس، يلمعون ويتألقون؛ وفي حضورها يُظلِمون ويأفلون؛ فالحُكْم، يا معشر وزراء "الباب الدَّوار"، قيادة، وتكليف لا تشريف، وزُهْدٌ عن متاع الغرور، وجهاد يومي في سبيل كبح جماح النفس الأمَّارة بالسوء، ومنصبٌ لا يشغله إلاَّ الثري فكراً، ويغني شاغله عن المال، ويكف عن كونه طريقاً إلى الثراء الفاحش من طريق سرقة ونهب المال العام، ليغدو طريقاً إلى إفقار صاحبه إنْ تولاَّه غنياً، لا طريقاً إلى إغنائه إنْ تولاَّه فقيراً.
نحن ما عاد لدينا، والحمد لله، قيادات تطمع بالتاريخ، أي بدخوله، فتزهد عن "متاع الغرور"، وتسعى في أن تقود وتحكم بما يجعلها من ذوي المجد؛ ولا ريب في أنَّ كثيراً من الوزراء (والنواب) سيزهدون عن هذا المنصب العام إذا ما تأكَّدوا أنَّه أصبح منصباً مُفْقِراً لصاحبه، متعِباً ومرهِقاً له.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشحه.. و50 شخصيةً قيادية ديمقراطية تطالبه بالت


.. أشهر مضت على الحرب في غزة والفلسطينيون يترقبون نهايتها




.. نتنياهو يتهم وزير دفاعه يوآف غالانت مع المعارضة بمحاولة الإط


.. قصف كثيف وإطلاق قنابل مضيئة بمناطق شرقي غزة




.. القمر كوزموس 2553.. أطلقته روسيا قبيل إعلانها الحرب على أوكر