الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديموقراطية بين الحاجة والضرورة

ياسر اسكيف

2005 / 5 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


يبدو وكأنما الديموقراطية قد حدثت مرّة والى الأبد !!!!.
سيجد الكثيرون في هذا الإقرار السوداوي العدمي عتبة نضالية بالكاد يظهر بعدها العمودي . وسوف تأتي الأحكام عليه ضمن هذا الطيف .غير أن القليل منهم سيلاحظ ما يضمره هذا الإقرار من فجيعة وخيبة وغبن .
لقد بات الجميع , في هذا الوطن السعيد , وغيره من الأوطان الأسعد , ديموقراطيون وطنيون , كل بما يخدم مصلحته ويفسح المجال أمام تحقيق أهدافه , أو استمرارها بالتحقق , فالسلطات تجد في الديموقراطية وصفاً لممارستها السلطوية , مهما كان في تلك الممارسة من انتهاك لأبسط حقوق الإنسان ( رغم توقيعها على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ) والمعارضون يؤكدون تمسكهم بشكل آخر للديموقراطية , رغم اختلافهم الجذري فيما بعد الديموقراطية , هو الشكل الذي أنتجته ومارسته المجتمعات الغربية حتى تاريخه , كواحد من أهم الإنجازات التي أبدعها وصاغها الفكر الحر ( الليبرالي ) .
كيف تكون عقائدياً ( والعقائدية ضد الفكر الحر ) وديموقراطياً , أو حاملاً لمشروع ديموقراطي في الآن ذاته ؟
سؤال , ربما نجحت في تضمينه بعض الشك في نوايا الديموقراطيين العرب , وفي الإلماح إلى المجانية والاستسهال الذين يطرح فيهما مشروع الديموقراطية المعارض . لأته ما من طرح ديموقراطي عربي معارض يمكن التعويل عليه في المستقبل إلا ويتأسس على أرضية عقائدية , وأحياناً عقائدية يقينية متزمّتة ( التنظيمات الدينية ) .
والذي يغيب , كما يبدو , عن أذهان الكثير من الديموقراطيين المحدثين , هو أن الديموقراطية كممارسة اجتماعية – اقتصادية وليدة مرحلة تاريخية حدّد شرطها وقاد إليها النسق الاجتماعي بما وصل إليه أفراده من وعي للحظتهم التاريخية . وكان للحركات الدينية الإصلاحية , وفلسفة التنوير دورها الأهم في إنتاج إرهاصات هذا الوعي وتعزيز تراكمه النوعي , عبر تكريسها للعقلاني , الذي بدأ يتأصل كابتعاد عن السماء , وكإمكانية لمحاكاة الغيب في القوننة والتشريع الإنسانيين .
ومع اتّساع الهامش الإنساني في اقتراحه للأشكال المختلفة في إدارة شؤون العباد كان لا بدّ من إجراءات , هي الأخرى إنسانية , لصيانة ذلك الهامش وتأكيد حدوده بحيث لا يتم التطاول عليه
وتضييقه بهدف إلغائه . وجاءت هذه الاحراءات لتمثّل الممارسة والوعي الديموقراطيين مفتتحة بذلك ولادة الديموقراطية كضرورة لا مجال للتراجع في اتجاه صيرورتها . وراحت الممارسة الديموقراطية تقونن المستجد من استثناءات باعتباره إضافة وجزءاً من مكوّنات اللحظة لا عامل تهديد .
هنا أرى أن من النقاط الجديرة بالطرح , تحديداً عند التفكير بالمرحلة التاريخية التي أنتجت الإرهاصات الأولى لما بات يعرف بالديموقراطية , هي طبيعة الدين المسيحي , وبنيته التعاليمية لا التشريعية , الروحية المتعالية لا الحسيّة التشريحية الأرضية , التي كان لها , كما أظن , دورها الأساسي في السماح لإمكانية ملء الثغرات التشريعية المدنية التي يحدثها المستجد والطارىء , دون أن يشكّل ذلك الكثير من التعارض الحاد مع مسألة الإيمان . هذا التعارض الذي أجده بنيوياً فيما يخص الدين الإسلامي , وتحديداً في مرحلته التي أوصله إليها الفقه العشوائي المتبلّد , الذي حاصر أية محاولة للاجتهاد , أو لتقريب النص الديني بحيث يستطيع مجاراة التطور المتلاحق والمتسارع فيما يخصّ علاقة الإنسان بدنياه وعلاقته بغيره . بحيث يصبح التفكير في إمكانية الفكاك من أسر التشريع القبلي نوعاً من المستحيل , ومثله التفكير في إنتاج أزمنة حديثة يمكن أن ندعوها أزمنتنا .
وعند طرح النقطة السابقة لا بدّ من الإشارة , وباستهجان شديد , إلى الدعوات الديموقراطية التي يبدو وكأنّما لا يدرك أصاحبها منها سوى البعد اللفظي للمصطلح . أو كأنما الديموقراطية مصنع يتم نقله وتركيبه أو كتاب تتم ترجمته . !!
ومن الملاحظ أيضاً , في إطار تلك الدعوات , وعلى هامشها , غياب البحث الحقيقي عن الدرجة التي أصبحتها الديموقراطية كضرورة في مجتمعاتنا العربية , وبالتالي إضاءة أسباب استيطانها وتأصيلها .
فعلى خلاف عن المجتمعات الغربية الديموقراطية , وبطلب صريح منها , توضعت الديموقراطية في رأس قائمة الحاجات بالنسبة للمجتمعات العربية , الحاجات التي تمثّل العتبة الأساسية للتحوّل والارتقاء من أجل تحقيق الحاجات الأخرى . إذاً تأتي العملية معكوسة لما حدث في تلك المجتمعات .
ولأنّه لا يمكن للحاجة أن تتحول إلى ضرورة بمحض الإرادة التي يظهرها العامل الذاتي , ذلك أن الضرورة وليدة الوفرة التي تقدّم كفايتها من الأسباب والعوامل التي تقود الحدث بما لا يتيح المجال لحدوث غيره , فإن محفّزات الضرورة هي الأهم والأجدى , وهي الأكثر جدارة بأن تكون على رأس الأولويات التي يجب العمل عليها , والتي تتمثّل ب ( العقلنة ) .
نعم . العمل الفردي والمنظّم , مع إيماني بجدوى العمل الفردي في هذا المجال , من أجل تعزيز العقلانية , عبر التصدي للنص الديني وغيره من آليات التفكير القبلي والغيبي , والمساهمة في إشاعة الفكر العلمي وتكريسه والانتصار للفكر الحر , خاصّة وأن الكثير من الوسائل قد باتت متاحة ولم يعد حجبها من قبل الظلاميين أمراً ممكناً ( وهتا أتوجه بالتحيّة إلى كلّ مواقع النشر الالكتروني التي تساهم في نشر الفكر العلماني الديموقراطي الليبرالي الحر , وتلك التي تفتح صفحاتها للإبداع الأدبي والثقافي المنفلت من أسر الطواطم والقبليات , معتذراً عن ذكرها بالاسم
خشية الادعاء بأنني أمتلك ثبتاً إحصائياً بها . ) وهنا لا بد من التنويه ولفت النظر إلى أن السلطات العربية , حتى أشدّها تخلّفاً ورجعية وتسلطاً , تندرج إلى هذا الحد أو ذاك , في إطار الاشتغال العقلاني , ذلك أنها وبحكم هيكليتها المؤسساتية تتمتع بدرجة معينة من القوننة وتمارس أخلاقها ( بمعزل عن حكم القيمة الذي يخص تلك القوننة ) .
ومما لا يمكننا إلا أن نتوقف عنده , هو شبح الإرادوية الذي لا يمكن إبعاده عند معاينة أي طرح يخص المشروع الديموقراطي في منطقتنا , الإرادوية التي تتخذ على الدوام لبوس الحاجة في تشبهها بالضرورة , وهي التي قرّرت تاريخياً , مآل الكثير من إرهاصات الضرورة .
وفي الحديث عن الإرادوية حديث عن تحوّل الديموقراطية إلى ( حصان طروادة ) وخاصّة بالنسبة إلى من استجدّت في قاموسه السياسي , حيث كانت حتى سنوات مضت تصنّف مع الخمر والميسر ولحم الخنزير وأكل الدم . فهل غيّر هؤلاء مصدر التشريع لديهم , وقرّروا حذف ما يتناقض مع مبادىء الديموقراطية من نصوصهم المقدّسة ؟
هل سيقبلون بالاحتكام إلى دستور علماني يقرّ فصل الدين عن الدولة , ويعترف بأن الإنسان مصدر التشريع وغايته ؟
هل سيوقفون العمل بالحكم الواجب تطبيقه على المرتد . ومن مبادىء الديموقراطية حريّة الاعتقاد ؟
وهل سيتم العمل بمبدأ المساواة بين الرجل والمرأة , دون عنصرية دينية أو جنسية ..؟
هل ستصبح أحكام مثل ( زندقة – كفر – إلحاد .... ) مجرّد أوصاف لرأي آخر وليست جنايات تستحق ( دقّ الرقبة ) ؟
هل سيعيش المسيحيون وغيرهم بعيداً عن كابوس الجزية ؟
وهل سيتم القبول بما قد تنتجه الممارسة الديموقراطية من حقوق جديدة للأفراد والجماعات ..؟
وهل ... وهل ...؟؟؟؟؟
وأما بالنسبة للأحزاب القومية والشيوعية , التي ما زالت مسألة الديموقراطية لديها قضية شديدة الالتباس , فهل ستتنازل عن المبدأ الأيديولوجي في تطبيق شعاراتها التي تتناقض , بما فيها من إرادوية تخص الجوهر , مع أيسط المبادىء الديموقراطية ؟
إن الكلام السابق يندرج في إطار التساؤلات والهواجس التي تنتج عن تصوّر تقريبي للفترة الانتقالية القادمة , والتي إن حدثت فإن نظاماً شمولياً سيغادر الساحة لصالح نظام ديموقراطي , أو لصالح حالة ديموقراطية يتمّ فيها التنافس للفوز بالسلطة . فترة انتقالية يبدو كل ما فيها ملتبس , وحسب المشاريع والبرامج التي لم يقدّم المتنافسون غيرها حتى الآن , لا تبدو الديموقراطية أكثر من إمكانية لنيل السلطة ( فردياً أو عبر التحالف ) وفي ظل موازين القوى الواضحة والبيّنة ( أحزاب شيوعية دون قاعدة شعبية , رغم العراقة التاريخية – أحزاب قومية , بالكاد تستوفي الملاك الضروري من الأعضاء لعقد مؤتمراتها – أحزاب دينية تعتمد على استغلال الحس الديني لحشد قاعدة جماهيرية تحقق لها الغلبة ) تبدو الديموقراطية وكأنها مشروعاً لا يخص الوطن بقدر ما يخص الحزب .
وهذا ما يؤكده غياب أي سجال فيما يخص موضوع الديموقراطية بين القوى والأحزاب , وليس بين الأفراد والأفراد , أو بين الأحزاب والأفراد , وكأنما الجميع موافق على ديموقراطية الجميع . ربّما كانت ضرورات التحالف أو التبعية , من أجل الإطاحة بالنظام الحاكم هي ما يؤجل مثل هذا السجال , على اعتبار أن الإطاحة هي المهمّة الرئيسية في الوقت الراهن وبعدها يأتي مثل هذا السجال , الذي ربّما أتّخذ , بل سيتّخذ , شكلاً أشدّ سوءاً مما ساجلت به السلطة معارضيها .
وعندها تبرز ضرورة التحالف على أسس جديدة .
هل هي صخرة سيزيف ؟ أم أنها معادلة يتم البحث عن حلها ضمن مجاهيل معادلة أخرى ؟ أم أن الديموقراطية قد حدثت فعلاً مرّة واحة والى الأبد ؟
سؤال برسم الجميع , جميع الديموقراطيين العرب الذين يتحدّثون عن وطن , ويتحدّثون عن مستقبل لا عن لحظة تختصرها المنفعة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغم المعارضة والانتقادات.. لأول مرة لندن ترحّل طالب لجوء إلى


.. مفاوضات اللحظات الأخيرة بين إسرائيل وحماس.. الضغوط تتزايد عل




.. استقبال لاجئي قطاع غزة في أميركا.. من هم المستفيدون؟


.. أميركا.. الجامعات تبدأ التفاوض مع المحتجين المؤيدين للفلسطين




.. هيرتسي هاليفي: قواتنا تجهز لهجوم في الجبهة الشمالية