الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا يبدو الشعب الأردني أَحْكَم وأَعْقَل من حكومته؟

جواد البشيتي

2013 / 9 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


جواد البشيتي
"الإصلاح" في الأردن، يحتاج، من وجهة نظر الملك، إلى "مَنْ يَقْرَع الجرس"، ولقد قرعه "الربيع العربي"، وإلى "طبقة وسطى" لم تَنْمُ وتَقْوَ بَعْد بما يكفي لتكون "المحرِّك الرئيس للإصلاح"؛ ولقد عَرَفَ الأردن من التغيير، الذي يُنْسَب، عادةً، إلى قوى "الربيع العربي"، ما سمح بازدهار "النُّكْتة السياسية"، التي طالما بدا الأردنيون مُفْتَقِرين إليها؛ وعلى سبيل النُّكْتة، يقول أردنيون إنَّ الشعب (في الأردن) أكثر "حِكْمَةً" من حكومته، التي يرأسها الدكتور عبد الله النسور؛ فهذه الحكومة تأتي بكل ما من شأنه دَفْع الشعب إلى الثورة عليها؛ لكنَّ الشعب لديه من "الحِكْمَة" ما يجعله يُحْبط سعيها (إلى حَمْلِه على الثورة عليها)!
"الإصلاح (السياسي والديمقراطيي..)" في الأردن هو حاجة يتواضَع الملك والشعب على أهمية وضرورة تلبيتها، أو السعي في تلبيتها؛ لكنَّ هذا "الإصلاح" يَخُصُّ دولةً لا ماء لديها، ولا طاقة، ولا غذاء؛ فالأردن هو رابع أفقر دولة في العالَم في المصادِر المائية، ويستورد 96% مما يحتاج إليه من الطاقة، ونحو 87% من الغذاء. وهذا إنَّما يعني أنَّ جهود ومساعي "الإصلاح" في الأردن، أَأَتَت من "القصر" أم من "الشارع"، لا يُمْكِنها أنْ تعطي من "الثمار" إلاَّ ما يسمح به هذا "الواقع (الأردني) الموضوعي"، أيْ واقع فَقْر الأردن المدقع في ثلاثة من أهم مقوِّمات وجوده: الماء، والطاقة، والغذاء.
الملك تحدَّث عمَّا أسماه "النموذج الأردني" في "الإصلاح (السياسي والديمقراطي والاقتصادي..) المُتَدرِّج، السَّلْمي، الهادئ، التوافقي، المحسوب"، والذي تكمن أهميته الكبرى في التأسيس لنظام سياسي جديد، تَجْتَمع فيه "الحكومة البرلمانية (أو حكومة الغالبية الحزبية البرلمانية)"، و"الملكية الدستورية (الجامعة)"، التي يُعْمَل على بلورتها وتطويرها من طريق "تغييرات دستورية"، مدارها "مسؤوليات الملك".
وثمَّة أردنيون يَفْهَمون هذا الأمر في طريقة مجافية لحقائق "الواقع الموضوعي (الأردني)"، فيقولون إنَّ ما عَرَفَه، ويعرفه، الأردن من "إصلاح (سياسي وديمقراطي..)" قد عَكَسَ، ويَعْكِس، "فكرة" وُلِدَت في "رأس (أو عقل) الملك"؛ فالملك أراد "إصلاحاً من هذا النمط، أيْ من النمط المُتَدرِّج، السَّلْمي، الهادئ، التوافقي، المحسوب"، فكان له ما أراد (ولو أراد إصلاحاً من نمط آخر، لكان له أيضاً ما أراد).
كلاَّ؛ لا يمكن فَهْم الأمور على هذا النحو؛ فهذه "الفكرة" ما كان لها أنْ تَظْهَر في "رأس الملك" إلاَّ من طريق "الضغوط القوية للواقع الموضوعي الأردني"؛ فإنَّ هذا "الواقع (وضغوطه)" هو ما يُفسِّر "الفكرة نفسها"، وما يُفسِّر، أيضاً، تعاظُم المَيْل الشعبي في الأردن إلى جَعْل "الربيع العربي" على شكل "الإصلاح المُتَدرِّج، السَّلْمي، الهادئ، التوافقي، المحسوب".
وفي هذا "الواقع الموضوعي الأردني"، أقول إنَّ الأردنيين، ومهما اشتدت حاجتهم إلى "إصلاح سياسي وديمقراطي.."، أو إلى مزيدٍ منه، لا يسمح لهم "تكوين" مجتمعهم، ولا "البيئة الإقليمية" للأردن، بالاتِّفاق، والتوافق، على "إصلاح سياسي وديمقراطي.." يأتي من "خارج" النِّظام الملكي الهاشمي، و"ضده"، أو يأتي بما ينال كثيراً من قوَّته.
إنَّني أعرف أنَّ درجة "الإصلاح الديمقراطي"، في مجتمعٍ ودولةٍ كالأردن، تُقاس (ويجب أنْ تُقاس) بـ "ميزان المواطَنَة"؛ فإنَّ درجة قوَّة المواطَنَة مِنْ درجة قوَّة هذا الإصلاح؛ لكن ينبغي لنا أنْ نعترف بـ "ضَعْف دولة المواطَنَة" في الأردن على أنَّه سبب لجعل "الإصلاح" فقير المحتوى؛ وهذا "الفقر في المواطَنَة" أَضيفه إلى فَقْر الأردن في الماء والطاقة والغذاء.
في الأردن، ومن وجهة نظر الواقع، لا سلطة من السلطات الثلاث تَعْلو "السلطة التنفيذية"، التي يتركَّز جُلها في "القصر"؛ و"الإصلاح (السياسي والديمقراطي)"، الذي له من الشكل والمحتوى ما يسمح بضمِّ الأردن إلى طائفة "الدول الملكية الديمقراطية" في العالَم، إنَّما هو الإصلاح الذي تتضاءل فيه، وبه، "مسؤوليات (أيْ صلاحيات وسلطات) الملك" بما يجعل "الحكومة البرلمانية (أيْ حكومة الغالبية البرلمانية الحزبية)"، التي يتركَّز فيها جُل السلطة التنفيذية، حقيقة واقعة، في آخر المطاف؛ فهل نعزو استعصاء قيام حكومة كهذه إلى معارَضَة الملك نفسه للتنازل عن هذا القدر من صلاحياته وسلطاته، والذي يُنْظَر إلى التنازل عنه على أنَّه "شرط أوَّلي" لقيام "الحكومة البرلمانية"؟
إنَّني لأرى تبسيطاً للأمور إذا ما كانت الإجابة "نَعَم"؛ فإنَّ كثيراً من المنادين بـ "الإصلاح" في الأردن، يَنْظرون إلى "ديمقراطية صناديق الاقتراع" على أنَّها الطريق إلى "هيمنة الإسلاميين والأردنيين من ذوي الأصول الفلسطينية" على "البرلمان"، وعلى تلك "الحكومة البرلمانية (أيْ حكومة الغالبية البرلمانية الحزبية)"، وإلى (مِن ثمَّ) جَعْل الأردن مكاناً تُحَلُّ فيه نهائياً مشكلة اللاجئين الفلسطينيين (المقيمين فيه).
وهذا إنَّما يعني أنَّ قيام "حكومة برلمانية" كهذه، قبل قيام "دولة فلسطينية"، تُحَلُّ فيها، وبها، مشكلة "الوجود الفلسطيني في الأردن"، يمكن أنْ يُفجِّر كثيراً من "الألغام" المزروعة في البُنْيَة الأردنية، مجتمعاً ودولةً؛ ولقد كان لـ "الصراع السوري"، أو لـ "الصراع في سورية"، على وجه الخصوص، مساهمة كبرى في جَعْل غالبية الأردنيين أكثر وأشد مَيْلاً إلى أنْ يُتَرْجَم "الربيع العربي"، في الأردن، بـ "إصلاح متدرِّج، سلمي، هادئ، توافقي، محسوب"؛ وأحسبُ أنَّ "الواقع الموضوعي الأردني" هذا هو ما يُفسِّر "نُكْتة" أنَّ الأردنيين أَحْكَم وأَعْقَل من أنْ يُلبُّوا دعوة حكومة النسور لهم إلى أنْ يثوروا عليها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يتمسك بترشحه.. و50 شخصيةً قيادية ديمقراطية تطالبه بالت


.. أشهر مضت على الحرب في غزة والفلسطينيون يترقبون نهايتها




.. نتنياهو يتهم وزير دفاعه يوآف غالانت مع المعارضة بمحاولة الإط


.. قصف كثيف وإطلاق قنابل مضيئة بمناطق شرقي غزة




.. القمر كوزموس 2553.. أطلقته روسيا قبيل إعلانها الحرب على أوكر