الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سياسة أميركا

سلامة كيلة

2005 / 5 / 24
مواضيع وابحاث سياسية


كان مبدأ التشاور و التوافق هو أساس السياسة الأميركية طيلة سنوات الحرب الباردة، حيث كانت الدولة الأميركية تسعى لتكتيل كل الدول الرأسمالية في تحالف متين ضد " الخطر الشيوعي ". و بالتالي كانت مبادئ العلاقات بين تلك الدول، و طبيعة حسم النزاعات، و تقاسم العالم، كلها مسائل متوافق عليها و خاضعة للحوار فيما بينها، بما في ذلك تعزيز القدرة العسكرية الأميركية في مواجهة " الخطر السوفييتي "، و خضوع الحلف الأطلسي للسيطرة الأميركية. بمعنى أن الصراع ضد الإشتراكية كان يفرض وحدة " المعسكر الرأسمالي "، و بالتالي يفرض التوافق على كل المسائل التي تثير إختلافات فيما بين أطرافه.
حتى الدول التابعة في " العالم الثالث " غدت لديها " الإستقلالية " التي تسمح لها التصرّف ك " ند "، و أن يكون الحوار هو أساس العلاقة بين أميركا و كل تلك الدول، و بالتالي أن يكون التفاوض و تقديم التنازلات المتبادلة أساساً في العلاقات في إطار التحالف العالمي المناهض ل " الخطر الشيوعي " و ل " الخطر السوفييتي ".
إذن، كان التفاوض، و كانت المرونة و الوصول إلى تفاهمات، هي أساس الدبلوماسية الأميركية حينها، في العلاقة مع الدول الرأسمالية ذاتها، كما في العلاقة مع الدول التابعة و أن بدرجة أقل.
لكن إنهيار المنظومة الإشتراكية و تحوّل أميركا إلى " القوّة العظمى الوحيدة "، قاد إلى تحوّل في الدبلوماسية الأميركية، عميق و خطر. حيث بدأت تميل إلى التفرُّد و تغليب مصالحها و سياساتها، و جرّ الآخرين لمواقعها، دون إعتبار لمصالح الآخرين، و لأوضاعهم و ظروفهم.
لكنها منذ رئاسة بوش الأولى، و مستغلّة أحداث الحادي عشر من أيلول، قرّرت سياسة جديدة. فقد حدّد بوش السياسة بطريقة بسيطة تقوم على الفكرة الساذجة القائلة: إما معنا أو ضدنا. و بتحديد أدقّ: إما معنا و تلتزم ما نقرِّر، أو ضدنا و تتحمّل نتائج ذلك. مستتبعاً هذه المسألة بإقرار " نظرية الحروب الإستباقية " المؤسسة على خوض الحرب ضد كل من يمكن أن يشكِّل خطراً في يومٍ ما، أو من تعتقد الإدارة الأميركية أنه يمكن أن يشكّل خطراً بطريقة أو بأخرى. و بالتالي راسماً خريطة العالم في صيغة محدّدة إنطلاقاً من ذلك، و مؤكِّداً أنها هي الصيغة التي يجب أن تسود، دون حوار مع الآخرين، سواء الدول الرأسمالية الأخرى أو الأتباع، و مهدِّداً بإجتثاث " الدول المارقة ".
لهذا إنتقلت الإدارة الأميركية من سياسة التفاوض و التفاهم و الحلول الوسط ، إلى سياسة الإملاء. حيث بدت دبلوماسيتها و كأنها تهدف إلى " تنفيذ أجندة " مقرَّرة سلفاً في أروقة الإدارة و البنتاجون. و " إكتشاف " من يوافق علي الإنخراط فيها و فق الحدود التي تريدها الإدارة ذاتها، أو يتمنّع عن ذلك، إذا ما إستطاع، و بالتالي يوضع ضمن الخانة المعدّة لقلب الأنظمة في الأجندة ذاتها.
بمعنى أن الإدارة الأميركية باتت هي وحدها التي تخطّط و تقرِّر، و على الآخرين إختيار دورهم في تنفيذ كل ذلك و في إنجاحه، أو التحوّل إلى عدو يجب سحقه. هذه السياسة هي التي تُفرض على العالم منذ الحادي عشر من أيلول سنة 2001. أنها سياسة القوّة " مطلقة التفوّق " كما تتمظهر في المجال الدبلوماسي، و كما يجري تنفيذها بالقوّة السافرة في مختلف مناطق العالم، خصوصاً و أوّلاً في " الشرق الأوسط الكبير "، و تقود إلى تغيير الأنظمة بالقوّة و تفضي إلى إحتلال الدول الأخرى، و نشر مئات آلاف الجنود في العالم.
إن القوّة " مطلقة التفوّق " تفضي إلى عودة " المنطق الإمبراطوري "، منطق الإملاء و العقاب، و الإحتلال ، و الحروب المستمرّة.
لقد إنتهى عصر التفاوض و الدبلوماسية، و أذِن عصر القوّة و الحروب ، و هو ما بتنا نعيشه منذ الألفية الجديدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في هذا الموعد.. اجتماع بين بايدن ونتنياهو في واشنطن


.. مسؤولون سابقون: تواطؤ أميركي لا يمكن إنكاره مع إسرائيل بغزة




.. نائب الأمين العام لحزب الله: لإسرائيل أن تقرر ما تريد لكن يج


.. لماذا تشكل العبوات الناسفة بالضفة خطرًا على جيش الاحتلال؟




.. شبان يعيدون ترميم منازلهم المدمرة في غزة