الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصطلحات مُسَرْطِنَةٌ للدماغ

تودة نآيت الدايح

2013 / 9 / 25
اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم


ما أكثر المصطلحات التي تعرف شيوعا ويتم تداولها على نطاق واسع دون الوقوف عند خلفيتها ومضمونها الإيديولوجي الطبقي الذي تعكسه وتعبر عنه، فهي في ذُيوعها واستعمالها اليومي تقدم على أنها تقنية وبريئة؛ ولعل الإفراط في تداولها أكسبها نوعا من البداهة وسطوة على عقول مستعمليها. لنأخذ عينة من هذه المصطلحات التي باتت تشكل جهازا مرجعيا لأحزاب ونقابات وجمعيات: ـ عَقْد الشراكة أو المقاربة التشاركية، النقابة المؤسسة والجمعية المؤسسة، الجهات المانحة، الهشاشة الاجتماعية...
فهل هذه المصطلحات ذات وظيفة تقنية بريئة كما يوحي مستعمليها ومروجيها، أم هي مَنْفَذٌ لاختراق الهيئات والجمعيات لتدجينها وترويضها بما يخدم في المحصلة النهائية أهداف ومصالح القوى التي ابتكرتها وفرضتها؟!

تُضمر عبارة "الشراكة" التي تبرمها غالبا بعض الجمعيات والمنظمات من المجتمعات الطرفية مع إحدى دول المركز الامبريالي أو إحدى مؤسساته علاقة التبعية وتُمَوّهها، فـ"المقاربة التشاركية" هنا مبنية على علاقة مختلة التوازن بين طرف تابع يشحذ ويتسول من قوى هي في موقع السيطرة والتحكم تملي شروطها، وسواء أكانت هذه الشروط المملات متضمنة في بنود "اتفاقية الشراكة" أم مدسوسة كتوجيه وسياسة عامة فهي تخدم تكريس علاقة التبعية الاقتصادية والسياسية والثقافية. وجدير بالإشارة أن ما يطغى على هذه "الشراكات" هو شعارين أساسيين: التنمية البشرية أو التنمية المستدامة من جهة، ونشر ثقافة حقوق الإنسان والتربية عليها من جهة أخرى، (لاحظوا كيف صارت حقوق الإنسان تحتاج إلى إذن –للدقة تمويل- من الأوصياء من أجل نشر ثقافتها!!)*.

وإذا كانت الخلفية والمغزى الذي يحرك ويتحكم في هذه الشراكات من جانب الدول الامبريالية ومؤسساتها هو إعطاء وجه "إنساني" لمشاريعها النهبوية وتسهيل اختراقها لمجتمعاتنا، فإن الجمعيات والمنظمات ومراكز الدراسات التي يتم استقطابها تكون مهيأة من حيث بنيتها التنظيمية الرخوة وتركيبتها التي يغلب عليها الطابع البرجوازي الصغير، فتكون عناصرها سهلة السقوط لما تدره عليهم هذه "الشراكات" من أموال وأسفار عابرة للقارات ولقاءات في فنادق خارج التصنيف؛ وهذا النوع من الارتزاق المالي لا يتم بالضرورة صرفه (كاش cash)، فهو قد يكون على شكل منتديات أو أيام دراسية وتارة أخرى على شكل تقارير موجهة... هنا يأتي مصطلح "الجهات المانحة" ليغطي ويمارس التعتيم على هذه الحقيقة. إذ الدول والمؤسسات الرأسمالية التي تنهب فائض القيمة وتشن حروبها اللصوصية لإخضاع الشعوب والسيطرة على مُقدراتها لا تُقدم فتات "منحها" إلا للتنفيس عن حدة استغلالها الوحشي، فالدولة الأمريكية مثلا هي من أكثر الامبرياليات إقداما على تخصيص "مِنح" سنوية للدول والمنظمات التي تخضع لسياساتها تحت مبرر محاربة "الهشاشة الاجتماعية"، الذي ليس سوى العنوان الآخر للتخفيف من وطأة الإفقار المُمَنهج وتلطيفه.
على ذات المنوال يتم الترويج لمقولة "النقابة المؤسسة" لإفراغها من محتواها الكفاحي، فتصبح هدفا في حد ذاتها لا أداة من أدواة نضال الشغيلة وعموم المأجورين للدفاع عن حقوقهم المادية والمعنوية.

بقدر ما تبدو المصطلحات الأنفة ذكرها عادية وتعرف اكتساحا، بقدر ما يجب إخضاعها للتحليل والنقض لما تمارسه من تزييف وتمويه مع كشف خلفية الساهرين على ترويجها، لاسيما أن بعض القيمين عليها يتخذ من التقدمية والحداثة مساحيق لإخفاء أهدافهم وتبعيتهم المذلة، ولا يتورعون في المقابل على شن حملات شعواء ضد مفاهيم علمية كـ: الصراع الطبقي، ديكتاتورية البروليتاريا، الحزب الثوري... التي تتعرض للتسفيه والاستبشاع، وتُنعت بأنها تنتمي إلى معجم "الحرب الباردة" ولا تستجيب لمتطلبات "العصر" وحاجياته في "التعاون" و"المنافسة الشريفة"...

والخلاصة العامة: أن المصطلحات السابق ذكرها ليست اعتباطية أو فجائية كما قد يبدو للوهلة الأولى، إنما هي في تشابكها وارتباطها تعكس زاوية نظر معينة وتعبر عن موقع طبقي هو بالتحديد موقع الطبقة البرجوازية الكولونيالية في حقل الصراع الطبقي الدائرة رحاه في مجتمعنا؛ وتفرض مستلزمات هذا الصراع تأجيج المجابهة من على أرضية نقيض وعدم المهادنة أو الرضوخ للزيف والتضليل البرجوازي، نُشدانا للوضوح الاديولوجي ولتحقيق الفرز السياسي بما يخدم قضية الطبقة العاملة وفكرها العلمي الثوري.

* حول هذا الموضوع يرجى مراجعة مقالنا: "نقد الوهم الحقوقي البرجوازي" المنشور في موقع: الحوار المتمدن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المغرب: حملة -تزوجني بدون مهر-.. ما حقيقتها؟ • فرانس 24 / FR


.. كأس أمم أوروبا 2024: ديشان يعلن تشكيلة المنتخب الفرنسي.. ما




.. هل تكسر واشنطن هيمنة الصين بالطاقة النظيفة؟


.. سكان قطاع غزة يعانون انعدام الخيام والمواد الغذائية بعد نزوح




.. إسرائيل تقدم ردها لمحكمة العدل الدولية على طلب جنوب إفريقيا