الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وتريات الحب والحرب رواية : الفصل 30

حبيب هنا

2013 / 9 / 25
الادب والفن


- 30 -
غزة مدينة كل الطقوس . تنام على الوجع وهي تبتسم . تضاجع الغريب في أحلامها وتقتله عند اليقظة .
وحتى يومنا هذا ، تلقي بجدائلها على الشاطئ وهي تسبح بحمد الله . مر منها الغزاة والطغاة ولكنها أبداً لم تكن مستقراً لهم . خيامها قناديل تضيء فجر السماء حتى يبان الخيط الأبيض من الخيط الأسود . سكنها الحصار والمجاعة والتسول وطرق أبواب أهل الخير . سكنها القمع وتكميم الأفواه ومصادرة الرأي والصحافة والفضائيات . غير أنهم لم يستقروا فيها . رياح التغيير اقتلعتهم من الجذور ورمتهم هناك بعيداً حيث البراري الموحشة وليالي سكارى الغائبين .
مروا بها غالباً بصفتهم عابرين . يطيب لهم المناخ فيستوطنوها كما لو أنها من بقايا ميراث الأجداد . برهة وتلفظهم كما تلفظ النواة من حبه التمر .
عشاقها يراودون الريح ويصعدون الغيم . حبهم لها بمثابة حب الرجل لزوجته ، لا يقبلون عنها بديلاً . ينامون في أحضانها فوق أسرة من سندس وإستبرق ، فيغدو الأمر كما لو أنه لا يوجد في الدنيا سواها ..آه..أي حب لغزة هذا الذي يشبه المستحيل ! إنه ثمين للغاية يبذل المرء خلاله قصارى جهده من أجل استقرار عينيها، من أجل فسحه مستقلة تشبه حكاية الراعي والعصا .
أنا أعرف أنكم تصغون بخشوع إلى حكاية الراعي والعصا ، ولكن لن أصل بكم إلى نهاية الحكاية . يكفيكم أن تتخيلوا الراعي وهو يضرب على شبابته ليخرج ذلك اللحن الجميل من قصبة في جنبها عدة ثقوب وثعلب في البعيد يرقص طرباً تاركاً الفرصة تمر من أمامه دون الالتفات لها .
كيف تستطيعون أن تبرروا لأنفسكم في حضرة الحديث عن غزة الاستماع إلى حكاية الراعي والعصا ؟
لا يمكن أن يعني هذا سوى شيء واحد هو: لم تعد غزة حاضرة في وجدانكم . بل لم تعودوا راغبين فيها أن تبقى كما عرفتموها سابقاً .
صحيح أن معظمكم لعن غزة في وقت من أوقات حياته ، واتهمها بالمدينة الميتة المضجرة ، ومع ذلك ، فأنتم تقرون بأنها مدينة جميلة ومغامراتها كثيرة تخطف القبعة عن الرأس . وتسدل ستائر الليل على الشبهات في الأماكن العامة .
غزة التي ما أن تستفيق من دمار حتى تعود إليه مجدداً كأنها على موعد مع الموت ، وهي التي تأبى أن تموت رغم كل أنوع المؤامرات والأسلحة ..
يمكن تدميرها بالكامل على أيدي الاحتلال الذي لا يرحم ، يمكن أن تتهاوى أبراجها ، أن تقتلع أشجارها ، أن تقطع أسلاك الكهرباء فيها . أن تفقد المستشفيات فيها صلاحية العلاج ووجود الأسرة التي تستوعب أعداد الجرحى . يمكن أن يقتل أطفالها وصباياها وشبابها ..
كل هذا يمكن حدوثه وأكثر ويمكن تحمله ومقاومته، ولكن أن يوجد كل يوم لص جديد ينهب المال العام باسم الدفاع عن الوطن وترك الناس معوزين ، فهذا ما لا يمكن تحمله، والشعب الصابر المرابط لا يستطيع مقاومته والتصدي له ، ربما لأنه لم يقف في وجه اللص الأول حتى غدا اللصوص يشكلون جيشاً كاملاً متكاملاً قادراً على سحق من تسول له نفسه الاعتراض على نهب مقدراتهم دون أن يجد من يدافع عنه. وربما وهذا على الأرجح، أن الشعب لا يستطيع أن يقضى على أبنائه مهما ارتكبوا من فظائع بحقه ، كالأب الذي مهما قسى على أبنائه تأتي اللحظة التي يضعف أمامهم . إنهم من لحمه ودمه !








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??