الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تحرير-قصةقصيرة جدا

جمال القواسمي

2013 / 9 / 26
الادب والفن


لم أصدِّق انه كان ينتظرني في الصحيفة. اتصل بي من تلفون عملي وأنا في البيت وقال لي انه يريد أن ينشر نصَّاً في الصحيفة الرسمية التي أعمل فيها. ليست المشكلة اننا كنا اصدقاء وكان بيننا تنافس. لكن المشكلة انه كاتب متطرف، وبالنسبة إلى محرِّر مثلي فإنَّ نصوصه تبقى ميتة وغير مناسبة. هو صعلوك، ربما طمع بمائة سمة بدن من المال يُسمعه إياها المُفوَّض المالي مقابل نشر مادته. أركنتُ سيارتي بصعوبة في ذلك الضباب والمطر والرياح. أمَّنتُ السيارة فإذا بي أراه واقفاً خارج بناية الصحيفة، في العاصفة الماطرة، منقوعاً بخلِّ الشتاء، ومعه ملف. أصرَّ أن يعانقني من أجل أيام صداقتنا الخوالي. هل كان يبكي!؟ هل كنتُ أشتمه!؟
- لماذا لم تنتظرني داخل البناية!؟
- سيموت النص إن دخلت البناية، فضَّلتُ أن أبقى تحت المطر. كم تدفعون مقابل نصٍّ حيٍّ!؟
كم؟ أرهقني سؤاله، لويتُ شفتيَّ تبرماً وتأفَّفت. صرختُ فيه: لماذا لم تنتظرني داخل البناية!؟ ستموت من البرد.
- متُّ منذ زمن طويل يا رفيقي. لم يبقَ إلا أن تنعاني. خُذْ.
- نصوصك ميتة يا رفيق!؟
- هذا نصٌّ حيّ والله. انظرْ.
فتح الملف الذي بين يديه. ما تزال الأوراق ساخنة، متورمة هنا ومزرقَّة هناك، ومن الطرف كان ثمة دماء حمراء تسيل، طازجة، غاضبة، رائحتُها قوية. تناولتُ هراوة من تحت مكتبي وأخذتُ أضرب النص بها لعله يلفظ انفاسه الأخيرة. نعم، الصحيفة تريد نصاً حياً لكنها لا تريد حيّاً يُرزق. يا إلهي، رائحة الدماء العفنة كرائحة صديقي المتطرف. بكى صديقي وهو يستلم جائزته النقدية وينظر الى ابنه النص وهو على طاولتي وينظر إليَّ والمحررين الآخرين ونحن ننشر نصَّه بالمنشار. انشغلتُ بتحرير النصّ ولم أودِّع صديقي الذي أحياه نصٌّ لا مكان له على صحيفة رسمية وأماتَهُ ذُلّ بضعة قروش. واستغربتُ كيف صغر صديقي أكثر فأكثر وغدا صورة جواز سفر في صفحة النعي والموتى. هل مات، ومتى، وكيف لم انتبه لوفاته!؟ وكيف لم أكتب له نعياً جميلاً يليق بالأيام الخوالي!؟
1-2-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أسيل مسعود تبهر العالم بصوتها وتحمل الموسيقى من سوريا إلى إس


.. فنانو الشارع يُحوِّلون العاصمة الإسبانية مدريد إلى رواق للفن




.. كريم السبكى: اشتغلنا على فيلم شقو 3 سنوات


.. رواية باسم خندقجي طلعت قدام عين إسرائيل ولم يعرفوها.. شقيقته




.. كلمة أخيرة - قصة نجاح سيدة مصرية.. شيرين قدرت تخطي صعوبات ال