الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لقاء دير الزور في سوريا- بدون إذن التجمع الوطني الديمقراطي-

عماد يوسف

2005 / 5 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


أخيراً؛ وبعد جهود دامت ما يقارب الخمس سنوات، إستطاعت لجنة مصغّرة للعمل الوطني الديمقراطي في مدينة دير الزور أن تفعل ما عجزت عنه قوى المعارضة السورية الأساسية والمتمثلة بالتجمع الوطني الديمقراطي ، الذي ما زال يعيش على أضغاث أحلام الماضي السحيق ظناً منه أو إنطلاقاً من فكرة أن الشعب والشارع العادي يجب أن يبقى غافياً بإنتظار منظّريه العظام في الأحزاب والهيئات السياسية العليا صاحبة الوعي الكبير في تقرير مصائر الناس والكوادر، والتخطيط لها وتقديم البرامج المفصّلة ممزوجة بالتعليمات عن كيفية التحدث والتحرك والتساؤل والردّ، أي بمفهوم النخبة العظيمة في ريادة المجتمعات وتوجيه طاقات شعوبها بهذا الإتجاه أو ذاك، من هذا المنطق ربما، قام التجمع الوطني الديمقراطي (بالتشديد على كلمة ديمقراطي) العظيم، كعظمة كل الرموز في بلادنا حتى التماثيل التي نصنعها، والسدود التي تبنيها الشركات الأجنبية لنا، بل حتى الأحداث التاريخية المذلّة لكرامتنا والمهينة لشرفنا الوطني، تعتبر أحداث عظيمة، فنحن شعب عظيم لا ننتج إلاّ الأشياء العظيمة، ولا نبني إلاّ الأشياء العظيمة ولو إنهارت هذه المشاريع بعد وقت قصير جداً من بناءها كسد زيزون مثلاً، فهي مشاريع عظيمة، فصحيح أن سد زيزون إنهار ولكنه لم يدمّر كل القرى التي تحيطه، بل دمّر قسماً منها فقط ولذلك هو يعتبر عظيم، وهكذا هو التجمع الوطني الديمقراطي العظيم، عظيم لدرجة أنه يرفض أن يشارك في لقاء وطني كبير يتحلى بجرأة لم تتوفر في أي لقاء يماثله قبل ذلك على مستوى سوريا، والمفارقة الجميلة في الأمر بأن هذا اللقاء قد ضمّ أعداداً من الناس تجاوز بكثير عدد كوادر التجمع الوطني العظيم بأحزابه الخمسة، ولكن للتجمع كما قلنا خبرة ضخمة، ودراية عالية في التعاطي مع قضايا الشأن العام، والقضايا السياسية الكبرى، وخاصة ما يتعلق منها بالقضايا العربية والإقليمية والدولية، لذلك هو أسمى بكثير من أن يشارك في لقاء بسيط متواضع يضّم أكثر من خمسمائة شخص في حالة نادرة لم تعشها سوريا منذ أكثر من أربعين عاماً، أي ما قبل عام 1963 ، فالعظمة تتعارض مع البساطة والتواضع، وهذا اللقاء هو غير شرعي، ولا يمثل القوى السياسية الحقيقية في سوريا، أما التجمع فهو شرعي، وقد سبق وأخذ شرعيته بإنتخابات حرّة ديمقراطية علنية من الشارع السوري، منذ عام 1979، وهو الذي قدم البرنامج السياسي العظيم في20/12/2001 والمؤلف من عدة صفحات صغيرة، ولم يستحق أن ’يكتب فيه مقالاً واحداً أو حتى يناقشه أحد في ذلك الحين، لدرجة أن الكثيرين لم يسمعوا به، ومع ذلك يبقى التجمع الوطني الديمقراطي هو الهيئة السياسية العليا و الوحيدة التي تمثلّ الشارع السياسي السوري، وهي الوحيدة التي تقرر وتخطط وتوجه الحراك السياسي السوري، سقف الخطاب السياسي، مكان الحراك السياسي، زمن هذا الحراك، المدة اللازمة، التوقيت المحلي، الإقليمي، الدولي، كل هذا منوط بتعليمات التجمع الوطني الديمقراطي .
من جديد، ’تثبت تجربة دير الزور بأن ماهية العمل السياسي قد تغيرت، وبأن الهيئات والأحزاب السياسية قد تكون فاشلة في الكثير من الأحيان في خلق مستوى عالي للعمل ضمن تركيبة معقدة جداً لأطياف هذا العمل، الذي تتنازعه التيارات المتصارعة، والتي تفتقد جميعها إلى شرعية الشارع السوري أو غيره، إن لقاءً مثل لقاء دير الزور برغم إمكانياته المتواضعة كحراك مجتمعي، قد أخذ صدىً كان أكبر بكثير من حجمه، أو من الفكرة التي قام على أساسها، وهذا طبعاً يعود إلى الجهد الكبير الذي كرسته اللجنة المنظمة لهذا الإجتماع، هذه اللجنة التي ثابرت دؤوبة في عملها ودعوتها برغم المحاولات الجاهدة والحثيثة من بعض القوى السياسية >> الديمقــــــراطيــــــــة<< السورية لإفشال هكذا لقاء، وقد حقق هذا اللقاء مستوى عالي جداً من الطروحات السياسية والبرامجية برغم تباينها ، لم تستطع أن تحققها أو تكتسبها كتلة سياسية كبيرة ( كما ’يفترض) مثل التجمع الوطني الديمقراطي، الذي ينوف عمره عن خمسة وعشرين عاماً، ولم يسمع به أكثر من خمس وتسعون بالمئة من الشارع السوري ، في الوقت الذي قدم فيه لقاء دير الزور، والذي يمكن إعتباره مؤتمراً مصغراً للمعارضة السورية، قدّم فيه مثالاً ودليلاً قاطعاً على جفاف ونضوب قوى النخبة ورموزها في الساحة السياسية السورية، وأن ينبوع التنظير النخبوي قد نفذ تماماً، وتكلّس مشكلاً بذلك قطيعة كبرى مع متغيرات زمنية، ومجتمعية، ودولية كبيرة لم يستطع أن يتجاوزها، ولا أن يجيب على الأسئلة الكبيرة التي طرحتها هذه المتغيرات ، شأنه في ذلك شأن حزب البعث العربي الإشتراكي الذي ما زال أسيراً لمنطلقات نظرية لا تتعدى لأن تصلح درساً لطلاب يتعلمون ألف باء النهج القومي والفكر التنظيري .
نقطة أخرى ’يمكن الحديث عنها هنا بسبب أهميتها الكبيرة في دعم هذا النوع من اللقاءات ، فمصدر التمويل مسألة في غاية الأهمية لتغطية حراك من هذا النوع وبهذا الحجم، ما يجعل القوى المجتمعة عاجزة عن مواصلة تعبيراتها بدون مدّ اليد للقوى الأهلية ذات التوجه السياسي الوطني، فالشيخ نواف البشير الذي استضاف الملتقى مشكوراً، قدم نموذجاً رائعاً في إيجاد الحلول لحلقات مفقودة في أداء المعارضة السورية، ولاشك بأن بعض هذه الحلقات وأهمها هو التمويل المالي، يقف عائقاً أمام تطوير أدائها وتواصلها مع الشارع الذي يفتقد جماليات تحمل أعباء الهم العام والمشاركة فيه .
هكذا؛ ’يمكن أن نتفاءل بأن بلادنا مازالت برغم الصعاب الهائلة بخير، وهكذا ’يمكن أن يستنشق الشارع السوري بتعبيراته البسيطة هموم بلده، ويتصدى لمن ’يحاول النيل منه، عندما يرى أحد رموز المجتمع الأهلي الكبار يستقبل أطيافاً من الناس ليسوا من قيادات قومية، ولا قطرية، ولا يركبون الشبح والغواصة السوداء، شاهدوا الناس قادمة من مئات الكيلومترات في سوريا، تحملت عناء السفر والجوع والتعب، لتقول كلمة في مصير وطن أصبح كل ما فيه على محك التاريخ، نظاماً ومجتمعاً، وبنى تحتية وفوقية، وكل شيء، أتوا ليعبروا عن آلامهم ورهابهم من أخطار رآها الكثيرون من مواطني سوريا البسطاء، ووجدوا لها حلاً بالتكافل، والتضامن، والعمل الوطني المتفاني، ولكن السلطة في سوريا لم ترَ ذلك، وجد المواطن العادي ضالته في كيفية مواجهة أمريكا، ولم تجدها السلطة الحاكمة بعد، ولا التجمع الوطني الديمقراطي العظيم، الذي مازال منذ سنوات يجتمع بمفكريه ومنظريه العظام ليجدوا السبيل في مواجهة أمريكا ومشروع الشرق الأوسط الكبير.
نقطة أخيرة أريد أن أنهي بها هذه الكلمات، بما أن السلطة الحاكمة تستمد شرعيتها من حزب البعث العربي الاشتراكي في حكم البلاد، وبما أن التجمع الوطني الديمقراطي العظيم يستمد شرعية المعارضة من تاريخه النضالي الكبير، فإني آمل أن يقوم الطرفان في المرات القادمة بأن يمنّوا على هؤلاء الناس الذين كانوا في دير الزور، ويحتضنوا هذه التجارب، إن كان في مدينة الفرات أو في غيرها من المدن السورية العظيمة، وحبذا لو كان اللقاء القادم في القامشلي، أو الحسكة ، أو مدينة مثل عفرين مثلاً، حتى يشعر هؤلاء الذين يقطنون هذه الأماكن بأن لهم في وطنهم عوناً، وإجتماع إنساني وبشري يأنسون إليه ويحتمون به ولا تفصلهم عنه حدود في شكل هوية، أو لهجة محكية، أو مواطنة من درجة عشرية، هكذا تبنى الأوطان يا رفاق البعث، بهذا التلوين في النسيج المجتمعي السوري، ليست دمشق وحدها هي الوطن، ولا ’يختصر الوطن في مساحة في طرفه هذا أو ذاك .
تحية للجنة المنظمة لهذا اللقاء، تحية للشيخ نواف البشير أحد أعضاء هذه اللجنة ، والذي قدم كل الامكانيات والمقدرات لانجاح هذا اللقاء، مع أنه لم يدّع أنه منظر أو مفكر لحزب من أحزاب التجمع الوطني الديمقراطي ..!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مشاورات لحسم نقاط خلافية.. أين وصلت مفاوضات التهدئة في غزة؟|


.. شرطة لوس أنجلوس تستعد لفض احتجاج في جامعة كاليفورنيا ضد الحر




.. حريق بمطعم يودي بحياة ا?شخاص عدة في لبنان


.. مراسل الجزيرة: عائلات المحتجزين الإسرائيليين تتظاهر في تل أب




.. عائلات الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى حماس تغلق طريقا سر