الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


توثيق مهمل..ذاكرة زائفة

جمال الهنداوي

2013 / 9 / 28
مواضيع وابحاث سياسية


كان من المنتظر ان تكون الاحداث التي عصفت بالعراق في مرحلة مع بعد التغيير فرصة للكثير من العيون التي اعميت بحكم سطوة الدثر الفكرية الذي احكم وثاقها النظام السابق على عقل وذاكرة الشعب العراقي للتواصل مع تاريخها المغيب, وان تكون تلك السنين العجاف مثابة تنطلق منها -ومن عبرها- الجماهير الى مساحات جديدة تحقق من خلالها التصالح مع الذات والذاكرة والتوجه تحو ترميم ما تهدم من اللحمة المجتمعية العراقية..
وكان من المؤمل ان يشكل الاختلاف في الرؤى في حالات المنعطفات الوطنية الكبرى مادة مرجعية تمتلك خصوبة تعزيز أدوات التفكير ومناهج التعامل مع الوقائع الماثلة على الأرض.وان يكون عدم التوافق على قراءة واحدة مسألة صحية تعطي فرصة للتفكر وإعادة تصحيح الخارطة السياسة وكشفها ميدانياً أمام حقائق لا يمكن تجاهلها.
ولكن ما لم يكن منتظرا ان تستخدم تلك السنوات العجاف من قبل نفس القوى المناوئة لحرية الشعوب لتصنيع حملات منظمة ولاهثة للترويج لذاكرة زائفة تستهدف تزوير التاريخ المخزي لممارسات النظام السابق من خلال انتاج آليات قراءة جديدة للاحداث من خلال الاطار الطائفي والفئوي الضيق, مقابل تعتيم اقرب الى التغييب على جراحات الشعب طوال فترة الحكم الديكتاتوري ان لم يكن تصويرها, بمواربة اقرب الى التصريح, كنوع من الخروج الآثم على الجماعة المطمئنة الراضية المرضية بحكم الفرد الواحد الصمد.
ان هذا التخاذل التاريخي انتج اختلالا واسعا في القراءات التي تستهدف مقاربة المشهد السياسي والمجتمعي المعاش ومؤدية الى تباين حاد في المواقف يتوزع على بون شاسع من التفسيرات الأيديولوجية والجهوية والطائفية والمذهبية والعرقية وهو ما افرز الوضع المأساوي الناشب في جسد وكرامة وامن ومستقبل العراقيين في ايامنا هذه.
فبدون تردد, نستطيع ان نوجه الاتهام في كل هذه التناقضات التي تشهدها الساحة السياسية والامنية في العراق الى المنهج الانتقائي في قراءة الحدث التاريخي والتي اسهمت في تسلل الفتنة السياسية تحت غطاء الأيديولوجيا، والتي استثمرت عناصر الاحتقان لتأجيج المشاعر الطائفية، ورفع عتبة الأحقاد والكراهية، وهددت في النهاية طموحات التغيير المطلوبة لدفع المنطقة نحو التقدم, والذي كان المسبب الرئيس لها التهاون –حد الغفلة- عن توثيق ونشر وافشاء ما اختزنته الصدور والجوارح من قصص القمع والارهاب والتنكيل التي طالت جميع مكونات وشرائح واطياف الشعب العراقي واقامت مأتما كبيرا باتساع الوطن الجريح.
طوال هذه السنوات لم نلحظ جهدا واحدا لتوثيق جرائم النظام وتبشيعها من خلال نشرها على طول الايام وعرضها اللهم الا المحاولات الخجول لمؤسسة الذاكرة العراقية التي حاولت توثيق جرائم النظام السابق و حفظها للاجيال المقبلة وتلك الجهود المتقطعة لجمع اعمال المنشقين والمبدعين المغتربين العراقيين وتوثيق ما انتجوه خلال معارضتهم النظام, رغم اهمية هذه المساعي في توظيف تلك الوثائق في البحث التاريخي والفكري.
ما يجب الالتفات اليه الان هو اننا في حاجة حقيقية الى لملمة ماتناثر في عقول وذكريات العراقيين من سنوات القمع والاضطهاد لتكون مادة تدفعنا الى الانطلاق نحو مصالحة حقيقية مبنية على التفهم والغفران ومحاولة التجاوز الشجاع لآلام الماضي وجراحاته, وليس الى عملية تغييب صلفة تستهدف طمر سنوات الجمر تحت رماد الزيف والتخاتل الذي وان كان لايقوى على الصمود امام أي شعاع من شمس الحقيقة الساطع الا انه قادر-بالتأكيد- على ملء جدران الوحدة الوطنية بالكثير من الشروخ والتصدعات التي قد لا يكون ترميمها بنفس اليسر والسلاسة التي تتم بها عملية الهدم المستمرة منذ عقود.كما ان ترك الامور على غارب التهاون والغفلة قد يفقدنا آليات استباق الازمات او القابلية على السيطرة عليها قبل ان تتفاقم, وفي مثل هذه الحالات قد يكون الحد من الأضرار مكلفا الى الدرجة التي ليس في وسع الوطن تحمله, وهذا ما لا يغفره لنا التاريخ.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض الضغوط الدولية لوقف الحرب في غزة


.. أثار مخاوف داخل حكومة نتنياهو.. إدارة بايدن توقف شحنة ذخيرة




.. وصول ثالث دفعة من المعدات العسكرية الروسية للنيجر


.. قمة منظمة التعاون الإسلامي تدين في ختام أعمالها الحرب على غز




.. القوات الإسرائيلية تقتحم مدينة طولكرم وتتجه لمخيم نور شمس