الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


على جدار الثورة السورية - في سجن تدمر العسكري -- رقم 67

جريس الهامس

2013 / 9 / 28
الإستعمار وتجارب التحرّر الوطني


على جدار الثورة السورية – في سجن تدمر العسكري - رقم 67
بلغنا تدمر عند مغيب الأول من كانون الأول 1952 ..كان الطريق الصحراوي يومها بعد بلدة القطيفة – إلى القريتين – فتد مر غير معبد ..
إستقبلنا قائد المعتقل المقدم ( نجدت العطار ) في مكتبه بالشتائم والتهديد والوعيد ثم تابع خطبته العصماء ...أرسلوكم إلى هنا لتموتوا ..ستعملوا هنا في الأشغال الشاقة مع المجندين المعاقبين ,وأنتم في سرية التأديب ..لاطعام لكم إلا مايزيد عن المجندين ...
فالأفضل لكم أن تعطوا الحكومة ما تريد وتخرجوا أحياء ..
وهذ الجلاد, هو أحد أعضاء الحزب السوري القومي الذي كان خاد ماً لديكتاتورية الشيشكلي , كما هو الاّن خادم لنظام القتلة واللصوص الأسدي ,,وكان الضباط الموالون له في الشرطة العسكرية بقيادة غسان جديد وهم الذين إغتالوا الشهيد العقيد عدنان المالكي عام 1955.. وكذلك هذا الحزب الاّن خادم لعصابة القتلة واللصوص الأسدية مع البكداشيين وغيرهم في جبهة شهود الزور ..
أذكر أن هذا الجلاد ( نجدت العطار ) كان يزين أحد جدران مكتبه بأنواع من السياط المعلقة إلى جانب صورة كبيرة لسيده الديكتاتور ..كما كان على مكتبه كتاب وحيد بعنوان _ الحجاج بن يوسف الثقفي ....
إستيقظنا فجر اليوم التالي على ضرب سياط الجلادين على أبواب زنزانا تنا وجلبة أحذية عسكرية وكلمات أعجمية غير مفهومة خليط غريب نسمعه لأول مرّة من الفرنسية والبربرية والعربية .. ..
بعدها علا صوت بوق عسكري ينعق في أرجاء المعسكر ليتم مأتم الحرية في هذا الفجر الأول في معتقل تدمر ..
أرغمنا على خلع ملابسنا وأحذيتنا جمعوها في زاوية إحدى الزنزانا ت ككومة من النفايات وأرغموناعلى إرتداء ملابس وأحذية عسكرية ممزقة وقذرة لئلا يكتشفنا الناس ونحن نسير في الرتل مع المجندين للعمل اليومي في الحفر ونقل التراب بين الاّثار.في المدينة التاريخية ..وأعطي أمر للحراس المسلحين بحظر الكلام معنا .. وأبلغوهم في إجتماع السرية أننا أعداء الوطن ومتاّمرين عليه ومحكومين بالإعدام .. يمنع الكلام معنا منعا ً باتاً ...
كانت مسيرة قافلتنا اليومية كالتالي : منذ شروق الشمس - السير بالنظام المنضم ثم رملاً منبطحا ًو زحفاً فوق الشوك والحجارة وسياط الجلاد البربري الجزائري كما يحلو له .. من المعسكر – السجن الواقع شرق المدينة إلى مركز الاّثار الواقع غربها مخترقين أزقة مدينة تدمر بقيادة جلادين بربريين جزائريين لايتقنان سوى هذه اللغة الأعجمية من مخلفات الجيش الفرنسي وهما ( الرقيب أول ( أبو علي ) بالكاد يرى أمامه وعديله الجلاد ( العريف – عربي – بتسكين العين ) اختارهما الطاغية ليساعداه في تعذيب المعتقلين ..وكان معهم عريف من سكان تدمر نفسها يدعى ( عسكر حافظ ) قدم لنا مع زوجته الفاضلة ( أم الوليد ) مساعدات لاتنسى من خلف ظهر الجلادين ....ثم أصبح – عسكر وأولاده في العهد الديمقراطي بعد سقوط الشيشكلي أصدقاء لنا وللحزب فيما بعد ..
وهؤلاء الجلادون أنفسهم بقيادة نجدت العطار وبعض المأجورين , الذين قاموا بتعذيب قافلة الشيوعيين التي سبقتنا قبل أشهر وأطلق سراحهم قبل شهر بعد إشرافهم على الموت ..وهم الرفاق ( الطبيب- سليمان شكور – النقابي - إسماعيل طرودي – الصحافي بيير شادرفيان -- والمدرّس - يوسف نمر --) وفي هذا المعتقل نفسه إعتقل المستعمرون الفرنسيون الرعيل الوطني الأول السادة : ( شكري القوتلي – فارس الخوري – عبد الرحمن الشهبندر –لطفي الحفار – هاشم الأتاسي – نجيب الريس – وغيرهم ) لكن المستعمر لم يفرض عليهم الأشغال الشاقة والتعذيب حتى الموت اليومي .. كما فعل الشيشكلي وعصابة القتلة واللصوص الأسدية فيما بعد ..
.......................
لم يمض أكثر من أسبوع حتى تعرفنا على معالم تدمر العظيمة .. تدمر زنوبيا ملكة الشرق وواحة الديمقراطية وملجأ الهاربين من جور الرومان والفرس من كل الطوائف والأديان بما فيها الوثنية والمانوية والمسيحية واليهودية في القرن الثاني الميلادي تدمر الحضارة التي هزمت روما في المشرق كله ووصلت جيوش تحريرها بقيادة – زبدا – ورماة تدمر وفرسانها إلى مصر حتى جعلت من " أورليا ن " إمبراطور روما __ أضحوكة العالم القديم – تدمر العظيمة حوّل إسمها طغاة العسكر- من الشيشكلي إلى حافظ الكلب ووريثه .-. إلى معسكر نازي لإعتقال أحرار سورية والعرب و للقتل الجماعي والتعذيب الوحشي حتى الموت...
..................
أصبح الجنود الطيبون يعرّفوننا على أنفسهم ويخبئون لنا الخبزالذي كنا محرومين منه بين أمتعتنا .. وتمكن أحدهم في غفلة من البربري إلتقاط صور لنا أثناء عملنا بالحفر ونقل الأتربة وتعذيبنا . تم نشرها في صحيفة الكومنترن ( في سبيل سلم دائم ) التي كانت تصدر في صوفيا ..وفي الصحف اللبنانية ..
استمرينا أشهرا في هذ المعتقل نعمل من شروق الشمس حتى مغيبها نتوقف ساعة للغداء ولانستريح سوى يوم الجمعة ..حيث كنا نذهب تحت الحراسة فرحين إلى ينبوع المياه الكبريتية الواقع جنوب غرب المدينة لنستحم ونغسل ملابسنا ..
,كنا ننشد أناشيدنا الوطنية ونشيدنا الأممي في الذهاب والإياب وكان رفيقنا فاضل الطائي يتحفنا بأغانيه العراقية الجميلة ..أما حبيبنا توفيق أتاسي ( أبو جمال ) فكان مغرماً بشادية وأغنية == يا فجر لما تطل – صحّي عيون الكل محبوبي قبل الكل – وكانت فيروز والرحابنة في أول مشوارهم الفني يحظوا بحب الجميع ويغنوا ماحفظوا عنهم وكانت نكاتنا وضحكاتنا وضحكة حبيبنا نور الدين الأتاسي ( أبو علي ) المتميزة تملأ الجو فرحاً وحبوراً...
وأذكر أبرز العسكريين الذين ساعدونا في المعتقل أو الذين أرغموا الجلاد البربري التوقف عن تعذيبنا في الأشهر الأخيرة ..
المجند عبد الرحمن محفّل – شقيق الرفيق أحمد محفل من حلب –
المجند عبد الكريم حمد – من ريف حماة
الرقيب - كمال كاخي من حمص
الملازم الأول – نزيه الجمالي شقيق الرفيق سميح الجمالي وكان ضابطاً في قوى البادية .الذي أصبح محاميا فيما بعد وإغتاله الإخوان المسلمون في مكتبه غدراً ونذالة عام 1980 ..
الدكتور وهيب الغانم : طبيب الموقع في الشهرين الأخيرين قدم لنا مساعدة طبية رائعة ..
توضيح لابد منه :
كتبت هذه الوقائع بعد مأساة رفيقنا نور الدين الأتاسي وإستشهاده في إحدى مستشفيات باريس بتاريخ 3 كانون أول 1992 حيث لم يطلق الطاغية سراحه إلا قبل أسبوع من وفاته .. لا لأنه كان رئيساً للدولة , بل لأنه كان مناضلاًوطنياً صادقاً نظيف اليد والقلب مع رفاقه الوطنيين .. وقف أمامي شامخاً هازئاً بالجلادين يشجعني على متابعة الكتابة وهو يرتدي معنا بزة العمل العسكرية الممزقة , والحذاء العسكري الثقيل في معتقل تدمر ,,يوم أرغمنا على الأشغال الشاقة من الصباح حتى المساء , تكوي ظهورنا سياط الجلادين وشمس الصحراء اللاهبة ...
ولم أقم بزيارته طيلة وجوده في السلطة مع الإخوة إبراهيم ماخوس ويوسف زعيّن وعيد عشاوي وغيرهم من رفاق الجامعة ... بل بالعكس إعتقلت مرتين في عهدهم في سجن الشيخ حسن والقلعة : الأولى بعد خيانة حزيران 1967 حيث أصدرنا بياناً بإسم القيادة المؤقتة للشيوعيين العرب طالبنا فيه التحقيق في تسليم الجولان دون قتال ومحاكمة وزير الدفاع حافظ وعزله ... والمرة الثانية بعد دعوتنا العمال للإضراب العام في الأول من أيار 1968 وإصرارنا على التحقيق في خيانة حزيران.. وكم كنا نتمنى لو رفض نور الدين ورفاقه التعاون مع العسكر ...
................
أذكر أن الجلاد " مطيع الجابي " رئيس الشعبة السياسية في وزارة الداخلية أرسل إلينا أحد جواسيسه إلى المعتقل إسمه ( ضياء الرفاعي ) إدعى أنه من أنصار رشدي الكيخيا رئيس حزب الشعب الحلبي...لكننا كشفناه من اليوم الأول.. عاملناه كإنسان وساعدناه كيف يمسك الرفش ليرفع التراب وكيف يحفر بالمعول قبر أسياده .. سقط عدة مرّات بجسده النحيل وساعدناه على النهوض ..حتى إعترف لنا بمهمته , محاولاً التظاهر بالندم ,, وهذا الجاسوس نفسه , كتب عشرات المقالات ضد عبد الناصر في عهد الإنفصال تحت إسم ( مطّلع) كما إستخدمته المخابرات الأسدية لتشويه سمعة الشيوعيين المعادين لحكم العسكر وقيادة بكداش التابعة ... ثم غادرنا هذا الجاسوس أثناء وجودنا في العمل بعد تفتيشه أمتعتنا لم يجد سوى ساعة أحد رفاقنا سرقها وإنصرف ...
....... كنا نشعر اننا نحفر بمعاولنا قبر الديكتاتورية ... رغم أننا إكتشفنا فيها مسرح تدمر الذي يزوره السوّاح اليوم ,كان تلّة من التراب قبل أن نكشف درجاته الأولى بمعاولنا حتى كشف بكامله .. وكان أمين مستودع الاّثار الشيخ ( أبومحمد ) الذي نودع عنده أدوات الحفر خير عون لنا يلعن الديكتاتورية كلما شاهدنا ..
كما كان العريف ( عسكر حافظ – أبو الوليد ) عندما يأمره الجلاد المغربي بتعذيب أحدنا . يأخذه بعيداً ويقول له إصرخ إرفع صوتك وهويضرب سوطه على الصخور ويوهم الجلاد بأنه يعذب المعتقل .وكانت زوجته – أم الوليد – تخبز لنا خبز التنور ليحمله إلينا زوجها في جعبته العسكرية ...
اّمل ألا تفوتني واقعة في هذه الرحلة النضالية المطموسة في تاريخ البراويظ والطغاة . وعذاباتها الحلوة في تاريخ جيلنا الذي أسقط الديكتاتورية العسكرية والأحلاف الإستعمارية بوحدته الوطنية .. ووضع المؤسسة العسكرية في مكانها الطبيعي حامية للوطن ولخيارات شعبنا الديمقراطية .. ماأجمل تلك الأيام رغم مرارة السجن ....
بعد فترة قصيرة أعتقد في شهر شباط علمنا بوصول دفعة من الضباط المعتقلين إلى مهجع خلفي في السجن .. لم نستطع رؤيتهم لكننا علمنا من رفاقنا أنهم السادة : عبد الغني قنوت – سعيد صباغ – شهير الدريعي – بشير صادق وجميعهم من الضباط الإشتراكيين العرب الذين تعرفنا عليهم في سجن المزة ثم في سجن القلعة بعد إطلاق سراحنا وإعتقالنا مرة أخرى على رأس المظاهرات الوطنية حتى إسقاط الطاغية ... كما سيأتي ..
لكنني فوجئت بأن برهان قصاب حسن الذي كان أستاذنا في الخامس الإبتدائي ومؤسس أول منظمة شيوعية في صيدنايا معتقل معهم أيضاً وكان ضابطاً في سلاح المدرعات في قطنا – وبرهان شقيق نجاة قصاب حسن المحامي الذي كان قائداً في الحزب الشيوعي السوري والمنافس الرئيسي للاّغا بكداش في أمور لامجال لبحثها هنا ..إنتهت بعزل المتمرد على الهيكل و" المرتد " نجاة - وتكفيره طبعاً ---....وكان غيرهم من الضباط الوطنيين...الذين حققوا وحدة الشعب والجيش ضد حكم العسكر ..وسأعود للكلام على هذا الموضوع قبل إنقلاب حلب في 25 شباط 1954 وبعده ..
الإمتحان الجديد :
======= في منتصف نيسان 53 أعادونا في شاحنة عسكرية إلى سجن المزة ..
وضعونا في زنزانة مزدوجة في الطابق الأول بجانب الحمّام بداخلها مرحاض وصنبور ماء .
كنا نتناوب النوم كعلبة السردين .... كان سجن المزة يغص بالمعتقلين الوطنيين من مختلف الأحزاب السورية بإستثناء الحزب السوري القومي والإخوان المسلمين الذين كانوا متعاونين مع الديكتاتورية..
أما قيادة البعث التي كانت علنية وحاول الشيشكلي إعتقالها فقد تمكنت من اللجوء إلى لبنان ومنه إلى إيطاليا بضيافة الحزبين الإشتراكي والشيوعي في روما ..أما بكداش وحوارييه المقربين فكانوا كالمعتاد بين براغ وموسكو ...
وأذكر من المعتقلين الوطنيين يومها الشهيد العقيد عدنان المالكي وشقيقه المحامي الصديق رياض المالكي ..ورئيس الوزراء السابق الشيخ معروف الدواليبي الذي كان أستاذنا في كلية الحقوق ..والنقابيان : إبراهيم بكري,, وجبران حلال ..والمحامي نصوح الغفري وغيرهم من منظمات الحزب الشيوعي ..
,والمحامي ووزير الإقتصاد السوري خليل كلاس – والطبيبان فيصل الركبي ومحمد عطّورة والعديد من كواد ر حزب البعث والحزب الشيوعي والكثير من العسكريين الوطنيين الديمقراطيين.
ملاحظة لابد منها :: حول طبيعة شعبنا وتربيته الوطنية الديمقراطية التي لاتعرف الطائفية ولا العشائرية وأخلا قه الغيرية الحضارية البناءة ..فالديكتاتور الشيشكلي هو إبن خالة القائد الوطني أكرم الحوراني وكان أحد أصدقائه قبل إغتصابه السلطة وبيع نفسه للأمريكان والمال السعودي .. ومدينة حماة مسقط رأس الشيشكلي كانت أكثر المدن السورية تمرداً ونضالاً ضد ديكتاتورية الشيشكلي وضد إتفاقية التابلاين التي وقعها مع شركة النفط السعودية – الأمريكية , وكان البعثيون يومها ملتزمون بخط الديمقراطي البرلماني الصادق أكرم الحوراني ( رغم كل الأخطاء ) وكانت الحياة السياسية حرة و شاملة لكل أطياف المجتمع السوري وتلاحمه " الموزاييكي " الرائع في سينفونية سورية واحدة .. ولم تنتعش جرثومة الطائفية والعشائرية , وتترعرع في أرضنا .. إلا بعد إنقلاب الثامن من اّذار المشبوه ,, الذي أوصل عملاء إسرائيل وأمريكا , وبموافقة المحرفين السوفييت , إلى قمة السلطة في بلادنا كما سنرى .....: -- يتبع – 28 / 9 / لاهاي










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الانتخابات الرئاسية الأمريكية: نهاية سباق ضيق


.. احتجاجًا على -التطبيق التعسفي لقواعد اللباس-.. طالبة تتجرد م




.. هذا ما ستفعله إيران قبل تنصيب الرئيس الأميركي القادم | #التا


.. متظاهرون بباريس يحتجون على الحرب الإسرائيلية في غزة ولبنان




.. أبرز ما جاء في الصحف الدولية بشأن التصعيد الإسرائيلي في الشر