الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فشل الموقف العلماني في سورية

حزب الحداثة و الديمقراطية لسورية

2002 / 11 / 8
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


 

إذا كانت العلمنة  بداية سعي  حقيقي يستهدف  تحرير العقل البشري، و حاضنا أساسيا للحرية البشرية و تحريراً للإنسان من كل المرجعيات التي تتخطاه، و دافعاً لصيرورة التقدم غير المحدود للبشر في كل مكان من العالم ، فإن العلمنة بهذا المعنى لم يكتب لها أن تستوعب من قبل الحقل الجغرافي – السياسي للدول الإسلامية " عدا تركيا بشكل محدود " 

و الدول الناطقة رسمياً باللغة العربية ،

إن سورية و على العكس مم يتصور الكثيرون لم تشهد نجاح الموقف العلماني و القيم العلمانية على المستويين السياسي و المجتمعي .

لقد مارس السوريون بمختلف تطلعاتهم النسخ الأيديولوجي للتيارات السياسية الرائجة في الغرب ، لكن دون الأخذ بعين الاعتبار الأرضية الفكرية و المجتمعية  العتيقة و القروسطية التي أسقطت عليها تلك النسخ ، مما جعلها مشوهة و تغرق ذاتها في آليات و تفاصيل متقدمة مشكلة ميكانزمات إضافية تضغط على الوجود السوري و تفقده إحداثياته وتعيق السوريين  عن صوغ  هويتهم التي تعكس غنى التفاعل البيني و الحياة المشتركة للطيف البشري المتعدد الذي يكونهم .

فالنسخ السورية  ماركسية و قومية و ليبرالية انطلقت تتبنى مناهج و تتبع آليات متجاوزة ضرورة الحفر العميق و التنظيف الشامل الذي يمهد لتأسيس متين ، بدأت تبني أبراجها على أساسات "متخيلة"،  و في أحيان كثيرة دون الوعي إلى وجود الحاجة إلى مثل هذه الأساسات ، فكانت الانهيارات العميقة و التداعيات  الحادة في تلك التيارات السياسية  نتائج حتمية أضرت مسيرة السوريين  صوب العصر و التحرر و التنمية و  ساهمت في تعثرها.

و نحن في هذه الورقة الأولية اخترنا النموذج الأهم و الأخطر من هذه التيارات ، و الذي قدر له   أن يلعب أدوارا خطيرة في التاريخ السوري المعاصر ، إنه النموذج الذي استطاع استغلال لعبة التوازنات السورية في مرحلة بداية الستينات و استولى على السلطة و لم يغادرها أبداً منذ ذلك الحين ، إنه حزب البعث الحاكم .والذي كان الرئيس حافظ الأسد من أبرز ممثليه من حيث المساحة الزمنية المتطاولة ، و المستمرة التأثير   على سوريا ، وهو صاحب الخط السياسي الذي نال الغلبة و رسخ وجوده و توجهه بالقوة و القمع  بدءاً من عام 1970م .

فكيف إذن قدم هذا التيار العلمانية ، كيف قدر له أن يتبناها ، كيف فهمها و ما هي المجريات المتخذة من قبله بصددها ،

 هذا بالضبط ما نود بشكل أولي تناوله حتى نتمكن من بلورة الحقائق حوله انطلاقا من محاولتنا لقراءة الواقع قراءة دقيقة دون مواربة أو تحيز أو أحكام مسبقة ، معتقدين أننا نقدم محاولة أولية سريعة و خاطفة نزحزح من خلالها القناعات الراسخة بهذا الشأن .


 
 
لقد قرأ حافظ الأسد خارطة القوى الفاعلة و المحركة للعبة السياسية ، و قرر بدلاً من أن يتصدى للمهام المتعلقة بتحديث المجتمع قيماً ومعارف و مواقف و سلوكا (الأمر الذي يؤلب ضده القوة الكاسحة لقوى المحافظة و السكون و يخلخل  من موقع السلطة التي يريد ترسيخها بكل الوسائل )،بل على العكس من ذلك  تحالف أولا مع هذه القوى ثم دعم علاقته بها حتى صارت هيكلية و رئيسية ولذلك جاء انقلاب 16 تشرين الثاني الذي قاده الأسد  بالتحالف مع أصحاب الرأسمال الرمزي الهائل, رجال الدين التقليديين, بالإضافة إلى التجار و المتنفذين في  سورية . 

لقد أدرك الأسد و من معه حينها أن الحراك الاجتماعي السوري مكلف جداً,وقد يكلفه السلطة و ما معها من مكاسب و منافع ,ولهذا جاء تجاوز الأسد للعرف السياسي السئ في السياسة السورية بعد استيلائه على السلطة بعدة أشهر صورياً,ذلك العرف الذي يقضي  بأن يكون رئيس الدولة من الطائفة السنية, إذ أعلن ضمنا  في ذلك الحين عن انضمامه لهذه الطائفة عبر إثارته إيحاءات سلوكية شعائرية تصب في هذا المعنى ( كأدائه لمناسك الحج و الصلاة في الجامع الأموي و تمتينه العلاقة مع الفقهاء ورجال الدين السنة التقليديين . ثم جاء دستور 31-3-1973 بعد ذلك ليوثق الغزل و المواربة و يجعل النكوص عن العلمنة و التحديث مؤسس له في المعايير القانونية العليا, ( رغم استمرار وجود بعض الهوامش  العلمانية في السياسة العامة للسلطة   حتى ذلك الحين) وليؤكد بما لا يقبل الشك الخط السلطوي الذي لا يهدف التحديث ولا يطلبه فالفقرتين 1 و 2 من المادة الثالثة من ذلك الدستور تنصان على أن يكون رئيس الدولة مسلماً و أن  الشريعة الإسلامية  مصدر أساسي في التشريع .

هذا بالإضافة إلى أن صراع الأسد في المرحلة الأولى لاستيلائه على الحكم مع الجناح البعثي اليساري الذي تزعمه صلاح جديد جعله بعد حسمه الصراع لصالحه يمضي قدما في القضاء على فلول خصمه جديد و التيار الذي يمثله فجعل الكفة في المجتمع و السياسة تتجه نحو اليمين معدلا كفة اليسار النشط على المستويين الدولي و المحلي ، عبر الدعم المتزايد للمنابر التقليدية الإسلامية وغض الطرف عن النشاطات العسكرية المقلقة للعناصر الإسلامية  المتطرفة منها .


 
لقد كانت هذه الإجراءات  و بتوافر العوامل الإقليمية المواتية تدفع بقوة لخلق الأجواء الممهدة لأحداث 1979-1982 في سورية و التي مارس  فيها كل من نظام الأسد و جماعة الإخوان المسلمين السورية القمع و ارتكبا المجازر التي روعت السوريين و أنزلت بهم الهزيمة و أقصتهم بشكل تام عن الاهتمام بالحياة العامة  وأدخلت سورية في أخطر مرحلة معاصرة تهدد فيها الوجود السوري وأعيقت الحركية السورية  .


  و في أثناء الأحداث و بعدها أغرق نظام الحكم السوري بمزاودته وابتعاده عن علمنة المجتمع والدولة فبدأ ما يمكن تسميته بالمزاودة  المحاكاتية على الإسلام مع جماعة الإخوان المسلمين هادفا سحب بساط العزف على الوتر الإسلامي من تحتها ,ولون هذا التوجه كل برامج الدولة الإعلامية و التربوية و التعليمية و التنموية فتم إعمار آلاف المساجد و المعاهد الدينية, و أخذت المناسبات الدينية تأخذ طابعاً رسمياً ,وتمت المحافظة على اعتماد الدين الطقسي و الشعائري "الأرثوذكسي " لطائفة السنة مادة تدرس في نظم التعليم المدرسية التكرارية ، و باتت المنظمات التي أخذت على عاتقها تحرير المرأة السورية أكثر صورية ، وتم تخصيص العديد من البرامج الدينية التقليدية في الإعلام السوري،  وبذلك انحسر بشكل نهائي الهامش البسيط المتبقي من توجه النظام في التحديث العقلي  و العلمنة ، وترسخ التوجه الجديد للحفاظ على الموقف كما هو لصالح السلطة ، و في ظل الفساد الذي ترعرع بسرعة و بشكل يدهش كل المراقبين للشان السوري و نتيجة للفشل في السياسات الاقتصادية التي عممت الفقر, ارتمى السوريون في أحضان  التدين و الانغلاق و الدوغمائية و كان ذلك ناتجاً طبيعياً لغياب الأمل بالعدالة و الكفاية و الكرامة .

أما الدور الذي ينبغي للقوى و الأحزاب السياسية أن تأخذه وتساهم فيه في  إنجاح العلمنة

فقد كان غائباً بسبب أن الأحزاب السياسية المختلفة التوجهات فبالإضافة إلى كونها أمست معطلة بشكل كلي منذ  بداية الثمانينات إلا أنها و قبل ذلك التاريخ لم تستطع أن تدعم الموقف العلماني حتى بين صفوفها ، لقد كانت برامجها شعاراتية ومواربة و لا مبالية أو غير واعية بخصوص العلمانية السورية فمنها من اعتبر أن العلمانية حالة و موقف استراتيجي للبشرية بزغت على العالم كله و باتت مسلمة و قابلة للغرس الجاهز ، و بعضها لم يستطع أن يأخذ قرار المواجهة بشأن الحفر و التأسيس لها و يتعرض لحملات القمع الفكري و الاتهامات بالتغريب و الكفر التي تقودها كل قوى السكون ذات الوقع الاجتماعي الهائل ، و البعض الآخر كان يعتبر العلمانية موضة سياسية ليس إلا ، و لم يكن علمانيا هو ذاته أبداً.

(قصدنا بتعبير الأحزاب السياسية الواردة في بدالة الفقرة الأحزاب السياسية التي لم توقع ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية ,فالأحزاب الموقعة على ذلك الميثاق في أحسن الأحوال ليست إلا حرملك سياسي لحزب البعث الحاكم ولم تقم بأدوار مستقلة تعكس وجودها )  

 إن ما تقدم و الذي يبرز بشكل لا يقبل الشك فشل الموقف العلماني في سورية يعكس تضافر العوامل البنيوية المعيقة لإنجاح الموقف العلماني مع النكوص عن دعم هذا الموقف من قبل السلطة السياسية وعدم قدرة التيارات السياسية المختلفة في لعب دور هام في ذلك بسبب ما تعانيه أصلاً من تشوهات ثم تغييبها و تعطيلها بشكل نهائي فيما بعد .

 

إننا في حزب الحداثة ... نعتبر أن السياسة التي تبنتها السلطة السورية و النتائج الوخيمة التي أوصلت البلاد إليها زادت من صعوبة و تعقيد أي توجه يرمي إلى دعم القيم العلمانية و غرسها و التأسيس لها . فبالإضافة إلى اللبس و جو الريبة الذي خلقه المستعمر " كونه علمانياً " بالعلمانية ، فإن السلطة عمقت من الشك و الريبة لدى الجماهير السورية بتبنيها الشكلي و الصوري الشعاراتي للعلمانية ، ثم بإخفاقها التنموي و استبدادها الذي شوه المجتمع و شله و استنزف طاقاته و موارده .  








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إيطاليا: تعاون استراتيجي إقليمي مع تونس وليبيا والجزائر في م


.. رئاسيات موريتانيا: لماذا رشّح حزب تواصل رئيسه؟




.. تونس: وقفة تضامن مع الصحفيين شذى الحاج مبارك ومحمد بوغلاب


.. تونس: علامَ يحتجَ المحامون؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. بعد لقاء محمد بن سلمان وبلينكن.. مسؤول أمريكي: نقترب من التو