الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صور صدام ... اية لعبة هذه المرة؟!

عارف معروف

2005 / 5 / 25
الصحافة والاعلام


عارف معروف

تمثل الة الدعاية والاعلام الامريكية عنصرا مهما في تكوين الوعي العالمي المعاصر وهي لاتكتفي بالخبر والمعلومة والصورة وانما توظفها بطريقة انتقائية مدروسة وفقا لغايات ومصالح ظاهرة وخفية،وبالتناغم والتنسيق مع المؤسسة السياسية والعسكرية ربما ، ويعتمد هذا الاعلام في صياغة برامجه ومفرداته ليس على احدث منجزات العلم والتكنولوجيا فحسب وانما على منجزات وتجارب وخلاصات متجددة ابدا في مجالات علم الاجتماع والنفس واللغة والاعصاب وحتى البيولوجيا ، ولايقوم على اساس عفوي مستند الى الفعل ورد الفعل او الحماس او الرغبة الذاتية او المزاج ، كحال اعلامنا ، وانما على اساس انتقاء وقصد مدروس . ونظرا لطبيعة امكاناته التكنيكية والمالية الهائلة فانه المصدر الذي يمد شبكة المعلومات العالمية بالصورة والخبر فيحدد الاولويات ويسلط الاضواء على مايريد فيسهم بصورة كبيرة في صياغة الوعي وتحديد الاستجابات على صعيد العالم ، وليس في هذا القول مبالغة او تهويل يستند الى الشك في الاخر او شيطنته او هاجس المؤ امرة ، فمتابعة ليوم واحد للمادة الاعلامية ، كخبر ومعلومة وصورة ، في ا لتلفزيون، مثلا، عبر العالم ترينا ان المادة المنتقاة والمطلوب تركيز الاهتمام عليها واحدة تقريبا كما ان الصياغة نادرا ما تختلف وقد تنقل حرفيا عن مصادر التسويق العالمية، التي جلها امريكية .فقد تكون هناك مجاعة في السودان او اشتباكات دامية في كولومبيا لكن المشاهد عبر العالم يهتم بخبر طفل محشور في انبوب مجاري ويركز عليه ويبدي كل تعاطفه معه خصوصا وانه يعاد كخبر مهم وصور تفصيلية مؤثرة ويكرر عبر العالم !
ورغم ان " نظرية المؤامرة" وعبر تثقيف مستمر اصبحت من مواقع الشبهة التي يحاول اي مثقف او سياسي او محلل ان ينأى بنفسه عنها بسبب كونها هاجس طالما الصق بالعقل الشرقي والعربي بالذات الذي قيل انه تربى على ان يرى خلف كل واقعة سياسية مهما كانت عابرة تدبير وخطة وهدف وغاية وانه يحّمل الوقائع اكثر مما تحتمل ويثقل كاهله وكواهل الاخرين بهواجس وشكوك لا مسوغ او اساس موضوعي لهاولا تنفع في فهم الواقع والتعاطي معه بل تزيده بلبلة وغموضا ، مما دعى الكثيرين منا لتجنبها والابتعاد عنها اثباتا لتحضرنا و" علميتنا " وحذرنا ابداء الشكوك والاعراب عن المخاوف حذر المرء من التلبس بتهمة واجتنابه لمثلبة!
ولكن ما الذي يمكن لنا قوله ازاء الغرائب التي تترى والالغاز التي تتواتر وكيس الحاوي الذي يفاجئنا كل يوم بحيّة تسعى؟
فبالامس كانت " جريمة تدنيس القرآن الكريم " واليوم صور لصدام " تتسرب " من معتقله الى وسائل الاعلام ، ولا شك ان " تسرب " صور خاصة جدا لصدام " دون علم " سلطة الاعتقال وخلافا للاوامر والتعليمات وبالرغم منها يمكن ان يجعل المرء يتسائل ، بحق، فيما اذا كان التواصل مع صدام ممكنا هو الاخر وعبر ذات القنوات بل وتهريبه عبرها ايضا ؟
لقداشتملت صور صدام على:
1- صوره له وهو يغسل ملابسه بنفسه.
2- يصلي بخشوع
3- صدام شبه عاري ، بجسم رياضي ممشوق ومظاهر الصحة بادية عليه.
4- صدام ينام باطمئنان واضح.
5- كل الصور كان صدام فيها بشعر راس فاحم وفتي، وذقن حليقة.
والان ، وباعتبار ان للصورة لغة ، مالذي يمكن " قراءته " في هذه الصور ؟ وما الرسائل المحتملة التي يمكن ان تنطوي عليها ومن هي الجهات التي يتعين عليها قراءة هذه الرسائل؟
يمكن ان تكون الصورة الاولى موجهة الى بعض القادة الاقليميين ممن هم موضع ضغط وابتزاز، مترافقة مع اشارات واضحة اتجاههم صدرت عن السيدة رايس في نفس الوقت وكررت فيها انهم لن يكونوا بمنأى من التغييرات في الشرق الاوسط مضمونها : ايها السيد لن تكون بمنأى عن هذا المصير. خصوصا و ان صورصدام الاولى التي عرضت بعد الاعتقال ، وحيدا ولائذا بحفرة ثم مستسلماً بين يدي فاحص امريكي فتش حتى اسنانه! كانت قد انجزت المطلوب واعلن البعض تسليمه وفراره دون التفوه بكلمة.
الصورة الثانية يمكن ان تكون موجهة للجماهير العربية ولانصار صدام القدامى والجدد ، القوميين والاسلاميين ، وهي مشهد محبب لنفس المسلم والعربي ومثير للحماس " نفس آمنه مطمئنه ، ومجاهد عاف زخرف الدنيا وسلطانها ومازال يتواصل مع ربه آمنا مطمئنا بخلاف اقرانه ممن يلهثون خلف امريكا ويسعون الى ارضاءها . وهذه الصورة والتي سبقتها يمكن ان تكونان موجهتين ايضا الى العراقيين جميعا ، لاستدرار العطف واستثارة الشفقة ، شعوريا ولا شعوريا ، عند انصاره واعداءه معا، خصوصا في ظل مطالب تعالت مؤخرا بالتعجيل بمحاكمته والاعتراض على اطلاق سراح بعض المعتقلين من المقربين اليه " مالذي يبغونه بعد من رجل انتهى بعد سطوة وعز الى مثل ما انتهى اليه ؟ قتل ابنيه وشردت عائلته ولم ياخذ من حطام الدنيا شيئا ، هاهو يغسل ملابسه بيديه ومع ذلك فهو مطمئن وقوي وصلب ، اليست هذه شيم الكرام الافذاذ والقادة المضحين؟ وسيكون اعدائه تدريجيا ، ومن خلال اللاشعور هم العدوانيين وللا انسانيين ، هذه هي تكنولوجيا تحويل الجلاد الى ضحية وقد ترافق تسريب الصور مع تأكيد السيدة رايس بوجوب مراعاة الاعتبارات والقواعد الانسانية في التعامل مع صدام والكلام موجه للعراقيين.
اما الصور 3و4 فمن الواضح انها موجهة للعراقيين ، خصوصا ممن يطلب اليهم ان يعرفوا " حجمهم " : مازال صدام فتيا وقويا وتحت اليد ، جسم قوى ومفتول ، شعر اسود وفتي ، نفس قوية وروح واثقة ومطمئنه " ينام باطمئنان ودعة" !
وفي كل الصور كان صدام بشعر اسود فتي ، وهو اللذي جاوز السبعين ، وهي نفس صورة شعره التي بدا عليها لحظة اعتقاله وهذا يعني : اما ان صدام يواصل صباغة شعر رأسه بنفسه حرصا على مظهره ، وفي هذه الحالة فأن منابت الشعر يتغير لونها ، بفعل النمو ،الى اللون الابيض خلال اسبوع او عشرة ايام فلا يبدو لونه فاحما وموحدا مثلما بدا في الصور المذكورة او يكون قد صبغ شعره حديثا جدا استعدادا لتلك الصور خصوصا مع ملاحظة ان شعره رغم طوله بدا مرتبا ومصففا حتى وهو نائم ! او ان سجانيه هم من يصبغون له شعره وفي هذه الحالة نصل الى نفس الدلالة من ان الصور مرتبة ومعدة لغرض ورسالة !
قد يرى البعض فيما ارى ضرب من الخيال او الهاجس التآمري الذي يشيطن الاخر كما اسلفت ، ويرد الامر الى طبيعة الليبرالية والحريات وامكانات الاعلام المهولة وصراع المؤسسات الامريكية فيما بينها ...الخ ، ومن حقه ان يرى ويعتقد ما يشاء ، لكن قرائتي هذه تبقى ممكنه ويمكن ان يكون لها نصيب من الصحة، خصوصا اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار قرينة صباغة الشعر الحديثة وتصفيفه في بعضها التي اشرت اليها انفا والتلميحات والتصريحات التي اشرت اليها والتطورات والاغراض السياسية المطلوبة محليا واقليميا .
وصور فضائع ابو غريب لم تصدر ، هي الاخرى ، عن صحافة عربية اوعراقية وانما صدرت عن الصحافة الامريكية واتسعت دائرتها كثيرا قبل ان تتلاقفها اجهزة الاعلام العربية ، وقد احدثت دويا هائلا وتأثيرا ت واضحة كان من ضمنها مقدم المئات من الشباب الانتحاريين العرب للقتال في العراق حيث اعترف الكثير ممن القي القبض عليهم منهم وقبل ان ينفذوا عملياتهم بانهم تأثروا بصور اهانة وتعذيب المعتقلين في ابو غريب ويلاحظ زيف الكثير منها وعدم صمودها امام العين الناقدة الخبيرة مما يعني انها مرتبة ومعدة سلفا ، لقد فضح زيف احدى الصور ، وهي التي يتبول فيها جندي بريطاني على سجين عراقي من قبل البريطانيين انفسهم اما الصورة الاشهر والتي اتخذت شعارا للفضيحة في شتى انحاء العالم تلك التي تمثل سجينا يقف على صندوق او كرسي بقلنسوة ورداء غريب " يشبه اردية منظمة الكو كلكس كلان الامريكية" وتتدلى من اصابعه اسلاك كهربائية فهي واضحة الزيف بشكل ملفت فلو كانت الصورة قد التقطت خلال توجيه تيار كهربائي لاقشعر وتشنج جسد السجين واتخذ اوضاع شدة واضحة كما يعرف كل انسان ، واذا كانت قد التقطت بعد ذلك لكان السجين في وضع اسوء ، اما لو كانت قد التقطت قبل سريان التيار الكهربائي وعند تهيئة السجين فلا يمكن تصور كيف يمكن لانسان ان يكون بهذا الاسترخاء والتجاوب وهو يفرد يديه كأنه في عرض لذلك الزي الغريب ! ان الصعق بالكهرباء يقتضي منطقيا تثبيت الجسم الانساني على نحو ما وعدم امكانية تركه حرا واقفا على منصة ، طليقا فاردا ذراعيه ، انها لا يمكن ان تكون سوى صورة لموديل !
اما فضيحة " تدنيس القران" فقد اطلقتها صحيفة امريكية ثم عادت فتراجعت عنها بعد ان احدثت اصداء واضحة في افغانستان وبعض الدول الاسلامية والتي اعقبتها صور صدام على نحو يجعل المرء يعتقد ان الاخيرة ربما انطوت ، من ضمن اهدافها ، على امتصاص الاولى وتحويل الاهتمام عنها ولفضيحة تدنيس القران نسختان ، عالمية هي موضوع حيثنا واخرى محليه ، عراقيه هي فضيحة تدنيسه ورسم صورة الصليب عليه ، في جامع البو فراج في الرمادي ، ولا نعرف فيما اذا كانت النسخة العراقية امريكية ايضا ام عراقية بامتياز! لكنها لم تثر ما اريد لها من ردود افعال وطغت عليها تاثيرات النسخة الام وصور صدام .
يبدو كما لو كنا موضوعا للسبر والدراسة ، يحركوننا عن بعد بابسط المفاتيح والازرار. يقيسون استجاباتنا ويحللون ردود افعالنا ويضعوننا تحت عدساتهم وفي اقفاص تجاربهم مثل جرذان المختبر
ويقرأون منا كل شيء… استجاباتنا الحارة السريعة ، وفوراتنا الانية الانطفاء ، حماقاتنا وبعدنا عن التروي والتمحيص وهم يرقبوننا بهدوء وتمعن ، كأ ننا في مسرح للعرائس وخيوط تحريكنا بين اصابعهم .
مرة اخرى مالذي يراد بنا ؟
سبق لي الاشارة ، في مقال سابق ، انه ربما فوجئنا ذات يوم بظهور صدام في المحكمة ، تلك المحكمة التي ستستغرق وقتا طويلا ، ان تمت ، بطلا صنديدا ، ووطنيا اوقوميا اصيلا ، وخطيبا مفوها وانه لربما اخضع لتأهيل واعداد لكي تمّحي صورة الرجل المهزوز التي ظهر عليها في جلسة تلاوة التهم . وربما لا يكون من الغريب بعد اليوم
، ان" يهرب " صدام من سجنه ، خلال عملية " بطولية " لتحريره يقوم بها "انصاره" وان يقود مقاومة وطنية بطولية تتكلل " بظفر " ما وفق تسوية ما! خصوصا وا ن بضعة عمليات عسكرية واسعة نسبيا ومنظمة شنت على سجن ابي غريب مثلا . وسواء كان ذلك ممكنا او مستحيلا وضربا من الخيال فانه لا يتناقض وكون صدام مازال يؤدي دورا. فقد كان ، في السلطة ، دمية سياسية مورست من خلالها حرب وشن غزو وارتكبت مجازر ، اما اليوم فما زال دمية سياسية ولكن لتوجيه الرسائل الى الحلفاء والاعداء معا!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أزمات إنسانية متفاقمة وسط منع وصول المساعدات في السودان


.. جدل في وسائل الإعلام الإسرائيلية بشأن الخلافات العلنية داخل




.. أهالي جنود إسرائيليين: الحكومة تعيد أبناءنا إلى نفس الأحياء


.. الصين وروسيا تتفقان على تعميق الشراكة الاستراتيجية




.. حصيلة يوم دام في كاليدونيا الجديدة مع تواصل العنف بين الكانا