الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأمّلات في العولمة و الفدرالية

حميد كشكولي
(Hamid Kashkoli)

2005 / 5 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


ثمة كثيرون وخاصة مؤيدو و أتباع الحزبين الحاكمين في كوردستان العراق فرحون للفدرالية و يطبل لها اعلامهم المرئي و المقروء و الصارخ ليل نهار ، و يعقدون عليها آمالا عظاما، و يحسبونها حلا نهائيا للقضية الكردية، و تحقيقا لأهداف الشعب الكردي في نيل حقوقه القومية ، و التحرر من مظالم الأنظمة العنصرية المستبدة وسيادة القومية الكبيرة. و الحقيقة أن نيل المناصب والحصص في السلطة المركزية كان هدف القيادات و ليس الشعب الكوردي .
فهل تغيرت ياترى الظروف نحو الأحسن ولمصلحة جماهير الشعب العراقي في ظل الاحتلال وبعد مرور أكثر من عامين على سقوط النظام البعثي ، و قيام نظام المحاصصة الطائفية والقومية ؟ هذا النظام الذي كلّف ويكلّف الشعب العراقي الغالي والنفيس من أرواح وأموال ، و في سبيله لا يتورع رجاله بالتضحية بارواح الملايين من الناس و مقدراتهم. وخلال أكثر من عامين بعد سقوط الصنم البعثي ليست ثمة أية خطوة نحو الديمقراطية ، وأوضاع المواطنين الحياتية تسير من سيئ إلى أسوأ ، ويستشري الغلاء و ترتفع نسبة البطالة ، و لا يأمن المواطن على حياته في ظل أجواء الارهاب و الفساد .
ومما يشكل قلقا ونذير شؤم أنّ ليس ثمة مشروع برجوازي عصري لا لدى الأمريكان ولا عند الحكومة العراقية المؤقتة لبناء دولة ديمقراطية . فالايديولوجيات السائدة اليوم من عشائرية وقبلية وطائفية وقومية لا يمكن تصور مظاهر مدنية حديثة بوجودها. وأن الحكم بكل محتوياته يجلس على ركام من تناقضات . و أن القضية الكردية لم تُحَلْ ، وأن كل ما حدث تحققت أهداف القوى القومية الكوردية و الطائفية الأخرى في نيل حصصها في السلطة المركزية. وهذا كان أقصى ما يحلمون به لأنفسهم .

لأمريكا أهدافها الاقتصادية والسياسية التي تتناقض مع تطلعات جماهير العمال والكادحين في العراق ، رغم التظاهر بأنها جاءت لتحريرها من الاستبداد والدكتاتورية و ، بناء دولة ديمقراطية عصرية. فالظروف الراهنة المأساوية في العراق لا تنصف سوى رؤوس القبائل والعشائر و القوى الظلامية التي أخرجها الاحتلال من جحورها والتي لا يمكن لها البقاء في ظروف صحية وإنسانية لائقة بحياة إنسان العصر.
وإن العولمة التي يبشر بها كثيرون ، ويعتبرونها خلاصا من الفقر و المذلة ليست سوى تضليل . وأن عرابيها يخفون الأهداف الحقيقية من ورائها. و أن كثيرون _ مع الأسف الشديد_ و لأسباب مختلفة ، وفي مقدمتها الجهل بطبيعة الامبريالية ودور البرجوازية المحلية في هذا العصر والذي يختلف كليا عن أدوارها التقدمية في الفترات الماضية .
و الاعلام التضليلي للبرجوازية يلعب الدور الأخطر في هذا المجال من غسيل للأدمغة و الترويج للأفكار المعادية للجماهير المسحوقة و تمريرها . هذا الإعلام البرجوازي يبعد الانسان والعامل والكادح عن حقيقة أن الرأسمالية و الشركات المتعددة الجنسية بحاجة حيوية للعولمة و أن شن الحروب الامبريالية ، والتدخل الوقح في شؤون الدول والشعوب وقمعها أصبح من المقومات الضرورية لوجودها و ديمومتها.
إن الحروب و التدخل في شؤون الشعوب تحت يافطة تحريرها أو الدفاع عن حقوق الإنسان أصبحت السمات المميزة للعلاقات بين الامبريالية والعالم الثالث ، إذ رغم شعارات الديمقراطية والحرية عجزت هذه الحروب عن تلبية أبسط مطاليب جماهير هذه البلدان.

التغير الجليّ الذي أصبح سمة العصر هو السلطة المباشرة السياسية _ الاقتصادية للامبريالية الأمريكية بدون وكلاء أو عملاء مثلما حصل مع صدام حسين . وربّما كثيرون يتساءلون إن كان صدام عميلهم أو وكيلهم فلماذا طردوه ,اذلوه بهذه الطريقة المخزية؟ و الجواب يلقاه المرء في طبيعة الرأسمالية في عولمتها في هذا العصر ، إذ أن أمريكا بعزلها صداما أمّنت لنفسها وجودا مباشرا يساعدها على ممارسة سياستها الاقتصادية دون أن يزاحمها أو تشرك معها آخرين ، و دون أن يدفع لصدام أتاوات و اكراميات لخدماته التي يقدمها لها.
فالاوضاع في العراق وكردستان لم تتحسن للجماهير و ليست هي اليوم لصالحها حتى بتبؤ الطالباني رئاسة الجمهورية.

وإنّ العولمة لم تجلب لأي بلد دخلته سوى مضاعفة استغلال العمال والكادحين ، و انتهاك حقوقهم السياسية و الانسانية. فالشركات المتعددة الجنسية لاتنفك تمتص دماء الجماهير المسحوقة في أمريكا اللاتينية و الشرقين الأوسط والأدنى .

يعرّف المنظّرون البرجوازيون العولمة بأنها تعني ردم الهوة بين الشعوب و جعل العالم في متناول البشرية جمعها . وهذا التعريف كذبة محض. والأصح أن عصر العولمة هو فترة الركود الاقتصادي الشديد للنظام الرأسمالي حيث تنتاب البرجوازيةَ أزماتٌ اقتصادية و اجتماعية خطيرة ، و للتخلص من مستنقع الركود أصبحت في حاجة مصيرية إلى الطرق الجديدة والوسائل المستحدثة للانتاج و إدامة استغلال العمال و الشغيلة.

فمنذ 1990 تجاوزت الشركات الرأسمالية حدودها القومية التي لم تعد تستوعبها ، فتسارعت تجاوز حدوده القومية و المساهمة مع الرأسمال في البلدان الأخرى الأوروبية و توسيع نطاق شركاتها . و حققية أنه تحققت للعمال وبنات و أبناء الشعب في أوروبا مكاسب عديدة ديمقراطية و اقتصادية في ظل الرأسمالية ،و لكن لم يتحقق كل ذلك بدون استغلال ، فلا يمكن للرأسمالية إلا أن تستغل .
و في هذه الفترة ثمة فوارق طبقية فاحشة في السويد و الدانمارك ، و في حالة اتساع دائم . و الجدير بالاشارة أن الفترة التي تقع بين انتهاء الحرب العالمية الثانية حتى 1970 كانت فترة اعادة بناء ما دمرته الحرب ، إذ أطلقت عليها الرأسمالية " فترة ازدهار" ، ولم تكن الفوارق الطبقية في هذه الفترة محسوسة و واضحة المعالم . وقد سنّت الأنظمة الاشتراكية الديمقراطية قوانين لصالح العمال والكادحين ورفاهيتهم ، و ضمنت تلك القوانين الحقوق المدنية و الحريات الديمقراطية في أطارها البرجوازي. وكما نعرف أن الرأسمالية لابد لها من استغلال الأيدي العاملة وإلا ستموت .
ونرى أنه منذ العقد السبعيني من القرن الماضي 1970 انحسرت مصالح العمال ، كما بدأ عصر العولمة منذ 1980_1990عصر الركود و الأزمات بشكل غير وتوقع.
الرأسمالية تعتبر الحقوق التي يتمتع بها الشعب في ظل سيادتها هدية من النظم البرجوازية الحاكمة مقابل اثرائها بما يتراكم لها من رأس المال الناتج عن استغلال العمال والشغيلة.
فأحزاب اسكاندنافيا الاشتراكية الديمقراطية تقف اليوم ومنذ أزمة الرأسمالية مع اليمين الرأسمالي في صف واحد في مواجهة مطاليب العمال والشغيلة في إعادة حقوقهم المغتصبة لهم وتوفير فرص العمل للعاطلين . ومنذ اشتداد أزمة الرأسمالية و بعد انتهاء الحرب الباردة تتم تجاوزات كبيرة على حقوق المواطنين المقيمين الأجانب و تضييقات على حرياتهم المدنية والشخصية بذريعة محاربة الإرهاب.
وإنّ الفدرالية المزعومة مثلها مثل الديمقراطية تكون في صالح الجماهير ، وتلعب دورا ايجابيا في حياتها إن كانت في مصلحة السياسات الاقتصادية للبرجوازية .
رغم أن شعوب الشرق الأوسط و خصوصا العراقي تمتاز بتنوع اثني ومذهبي وديني ، الا أن البرجوازية في منطقتنا بعكس البرجوازية في أوروباأو أمريكا تفتقد إلى هذا التنوع ، وبالتالي إذا هبت رياح الديمقراطية البرجوازية على المنطقة ستعلن البرجوازية نفيرا لمواجهتها و تتمرد عليها. فالفدرالية التي تكون في خدمة الشعب و حريته هي اللامركزية التي تفسح المجال أمام المواطنين للتدخل في الحكم و مساءلة السلطة الحاكمة عن أي تجاوز و عن أي اجراء يخص حياتهم . وان السياسة الأمريكية والعولمة مثلما تبدوان ، تخالف تدخل المواطنين في شؤون الحكم في الشرق الأوسط . وبالتالي لن تكون الفدرالية في العراق والتي تطبل وترقص لها عناصر السلطات الكردستانية واعلامها ليل نهار تحقيقا لأهداف الشعب الكردي ، ولا حلا لقضيته القومية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. شاهد ما رصدته كاميرا شبكتنا داخل مستشفى إماراتي عائم مخصص لع


.. تساؤلات عن المسار الذي سيسلكه الرئيس الإيراني الجديد في العل




.. وفود إسرائيلية وأميركية في مصر.. هل الاتفاق بشأن هدنة غزة با


.. مراسلتنا: قصف مدفعي إسرائيلي على أطراف بلدتي حانين وعيترون ج




.. 5 مرشحين يدعمون القضية الفلسطينية فازوا بمقاعد في مجلس العمو