الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قبرص, وإهمال الدولة العراقية للحضور والتمثيل فيها

هيثم الحلي الحسيني

2013 / 10 / 1
مواضيع وابحاث سياسية


قبرص, هذه الجزيرة المتوسطية, التي تشغل موقعا إستراتيجيا حيويا, إن في التأريخ أو الجغرافية, أو حتى في السياسة والإقتصاد, تدير لها الدولة العراقية ظهر مجنّها, إهمالا أو تقصيرا, أو قصورا في الإدراك لأهميتها, مما سيصرف هذه الورقة إهتمامها, لإلقاء بعض الضوء, لجوانب هذا الموضوع, بدءا في التأريخ, وإنتهاءا بالسياسة القائمة, وضرورات إعادة النظر فيها, لجوانب وأسباب كائنة, في مقدمتها المصلحة العراقية الإستراتيجية الوطنية.
في قراءة للتأريخ, ولإستبيان أهمية قبرص ومكانتها, بالنسبة لمشرق المتوسط وجنوبه, فقد كانت جزيرة قبرص, في دائرة الإهتمام الأولى, لإستراتيجية الدولة العربية الإسلامية, في البحر المتوسط, فجرى الإنزال فيها, في العام 649م, ولا زال مقام السيدة الجليلة "أم حرام بنت ملحان", التي رافقت زوجها, أمير البحر القائد, عبادة بن الصامت, بأمر من الخليفة, وسائر زوجات القادة, كونها سابقة عملياتية وإستراتيجية, ليضمن سلامة التعامل الإيجابي, مع الجزيرة وشعبها, وبالنتيجة فالمقام يقف بجلال وهيبة, في مدخل مدينة لارناكا, ويحضى بالرعاية الكبيرة, من مؤسسات الدولة القبرصية ذات العلاقة, ليشهد ذلك الحدث التأريخي, بعد إستشهادها في مداخل الجزيرة, وهي تعرف أيضا بخالة الرسول الأكرم.
فكانت جزيرة قبرص, كأول قاعدة إرتكاز في المتوسط, جعلت منها مركزا معلوماتيا وتجاريا حيويا فيه, وقد أستثنيت الجزيرة لأهميتها, وللعلاقة الوثيقة والحيوية بشعبها, من الإحتلال المباشر, وحظي شعبها بالصداقة والإحترام, والحرية في معتقداته الدينية, وتركت كحكم مستقل, ومن ثم جرت السيطرة شبه الكاملة على البحر المتوسط, بعد الانتصار الفاصل, في معركة ذات السواري "او الصواري" في العام 654م, على الاسطول البحري البيزنطي, وانهاء سيطرته فيه, وقد كان للإسناد المعلوماتي, الذي قدمته قبرص وشعبها, الدور الكبير في تحقيقه, حتى اصبح المتوسط منذ النصف الثاني من القرن السابع الميلادي, بحيرة عربية, تحت سيطرة البحرية العربية الاسلامية.
أما في النواحي السياسية المعاصرة, والجيوسياسية والجيوإستراتيجية, فتمثل جزيرة قبرص, الجسر الحيوي الرابط, بين المنطقة العربية وأوروبا, وهي باتت مؤهلة للإضطلاع بهذا الدور, متقدمة على سواها فيه, لمميزاتها الكبيرة في تلك الجوانب, خاصة إثر إخفاق الدولة التركية في لعب هذا الدور, من خلال إنخراطها بالشأن السياسي لدول المنطقة, وبروزها كلاعب وطرف في الأزمات, وليس عاملا في إنفراجها أو تفكيكها.
فضلا إن جزيرة قبرص, من الناحيتين التأريخية والجغرافية, تعد جزءا مكملا لمنطقة "الشرق الأوسط", الذي بات الكثير يعبر به, بديلا عن مفردة الوطن العربي, بإضافته الى "شمال أفريقيا", لكن قبرص في الواقع المعاصر, هي جزء من أوروبا, خاصة في الجنبات السياسية والإقتصادية والقانونية, بإعتبارها عضوا فاعلا في المنظومة الأوربية, وهي مركز تجاري ومالي وسياحي, ناشط وفاعل فيها, مما يؤهلها بشكل كامل, لتكون النافذة المشرعة للدول العربية, وخاصة المشرقية المتوسطية, على أوروبا.
كانت العلاقات العربية, أو العراقية تحديدا, قد شهدت تأسيسا ونموا, وتطورا كبيرا, منذ منتصف القرن الماضي, حيث ظهرت الدولة القبرصية في العام 1960, في الأول من أيلول, والذي يصادف هذا اليوم, موعد الإحتفال به, وكانت سياستها التي رسمها الزعيم المؤسس, الأسقف مكاريوس الثالث, قد بنيت على أسس التعاون الواسع مع دول المنطقة العربية, سياسيا وإقتصاديا, وكانت علاقاته مع زعمائها, قد سبقت تأسيس الجمهورية القبرصية, إذ إرتبط منذ الخمسينات, مع الراحل عبد الناصر, في نواحي التضامن السياسي والمعلوماتي, في الفترة التي كان يقود فيها منظمة "الإيوكا", وهي الحركة القومية الشعبية القبرصية, التي قاومت الإحتلال البريطاني, ونجحت في الحصول على الإستقلال.
وكان لذلك التنسيق في المواقف, الدور المحوري, في حسم معركة القنال والإعتداء الثلاثي على مصر, في العام 1956, لصالح عبد الناصر, برغم إن حركة "الإيوكا", كانت تتبنى عقيدة قومية يونانية, أهملت فيها مصالح الجزء التركي من الشعب القبرصي, وجعله يؤسس حركة قومية تركية مقابلة لها, فكان لذلك الأثر الكبير, في توطيد علاقات الدولة اليونانية, مع المنظومة العربية, ودعمها التقليدي للسيساسات العربية, خاصة في قضايا الصراع العربي الإسرائيلي.
وبالمقابل, فقد ساهمت الدول العربية, في دعم موقف الدولة القبرصية, سياسيا وإقتصاديا, أو في المقاومة العسكرية, إثر الإنزال التركي في الجزيرة, في العام 1974, الذي هدف الى ضمان حقوق القبارصة الأتراك في الجزيرة, بناءً على الوديعة البريطانية, المقررة في الإتفاق الثلاثي, بين بريطانيا واليونان وتركيا, بضمان الثلث للقبارصة الأتراك, في الجمهورية الناشئة, في جميع الاستحقاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية, وفقا لنسبتهم في الجزيرة, وقد اقر ذلك فعلا في دستور البلاد, وهو ما يؤسس عليه, في الحل الأممي للازمة القبرصية.
وكان الإنزال التركي, قد وقع بعد الإنقلاب الذي قاده القبارصة القوميون اليونان, ضد حكومة الأسقف مكاريوس, تأييدا لإنقلاب الضباط اليمينيين في اليونان, بهدف إلحاق الجزيرة فيها, وبالنتيجة فقد تأسست إثر إحتلال القوات التركية لشمال الجزيرة, وبعض معارك المقاومة المحدودة, ما يعرف بالجمهورية القبرصية الشمالية التركية, التي لم تعترف فيها الدول العربية.
وقد شهد القرن الماضي, تطورا ملموسا, في العلاقات العراقية القبرصية, قدم من خلالها العراق, دعما إقتصاديا مهما لقبرص, خاصة في مجالات النفط والغاز, ولا زالت آثار ذلك الدعم, متداولة في المنشآت القبرصية, وخاصة في صناعة الطاقة وتعبئة الغاز والإعمار, وسواها من مشاريع البنى التحتية.
وعليه فإن الدول عادة, لا تهمل ما أنجزته سابقاتها, في مجالات العلاقات الدولية البينية, فذلك لا علاقة له بتغيير النظام السياسي, أو عقيدته ومتبنياته الفكرية, فتلك منجزات تعد ملك موروث للشعب, وعلى أية دولة ناشئة أو قائمة, أن تستثمره لصالح الشعب, وهو ما لم تفعله الدولة العراقية القائمة, سواء في السياسية الخارجية المنظورة, أو في التعاون الإنمائي, خاصة ما يتعلق بجزئية التمثيل السياسي, أو الحضور الناشط في قبرص, أو إستثمار الفرص الإستثمارية والتجارية فيها, والتي ستكون في المصلحة والمنفعة الإيجانية, للشعب العراقي, خاصة في المرحلة الحرجة القائمة, فضلا أنها تصب في المصلحة القبرصية المقابلة, مما ستكون موضع قبول وتأييد وتشجيع.
أما الجانب الآخر من أشكال الإهمال المتعمد, أو غير المدروس, من قبل مؤسسات الدولة العراقية أو المجتمعية ذات العلاقة, فهو لجهة العراقيين المقيمين في قبرص, إذ لم تشهد الحقبة المنصرمة, أية أشكال من مظاهر التواصل معهم, سواء في النواحي الثقافية أو السياسية أو السياحية أو التربوية, أسوة بما يحضى به الرعايا العراقيون في دول المهاجر الأخرى, وربما يعكس ذلك, إنعدام التمثيل السياسي أو القنصلي, للدولة العراقية في قبرص.
وليس ما تطرحه هذه الورقة, من نسج الخيال أو الترف, أو الجهد الضائع أو التبذير غير المبرر, فالمطلوب لا يتجاوز إقامة جسور الترابط, ضمن أنشطة "العلاقات العامة", المعروفة مفرداتها, في جوانب الثقافة والإعلام, والتي يمكنها أن تنعكس إيجابا, في الدفاع عن حقوق العراقيين المهدورة, وخاصة في جوانب الوثائق والإقامة, وإنتهاءً بالدعم المعيشي, وكذا في حاجات أبناء الجيل الثاني منهم, في مجالات التعريف بثقافة الوطن وتأريخه وتقاليده ولغته.
وذلك يمكن أن يكون في صلب مهام وإهتمامت المؤسسات الثقافية أو التربوية أو الدوائر الخارجية, كإقامة الأمسيات وإلقاء المحاضرات والأنشطة الثقافية, أو البرامج التعريفية أو الحواريات الهادفة, ويمكن أن يشمل ذلك الإستراتيجيات والسياسات العامة للدولة, وآفاقها المستقبلية, ليكون التواصل مع الوطن, نافذة مستمرة, لإمكانت العودة مطلوبة اليه.
وذلك يمكن أن تكون آثاره إيجابية, في تمتين أواصر العلاقة البينية بين أبناء الوطن في الغربة, فهم بالتأكيد ليسوا بأبناء عاقين لوطنهم, فقد قدم الكثير منهم للوطن, زهرة شبابهم, أو دافعوا عنه بحياتهم وجهدهم ودمائهم, أو بعلمهم ومعارفهم, أو بتخصصاتهم وقدراتهم المهنية المختلفة, في العمل والعطاء, حتى حكمت عليهم ظروفهم, بأن يكونوا بعيدين عنه, كلسان حال الشاعر العربي:
مشيناها خطى كتبت علينا ومن كتبت عليه خطى مشاها
وبالتأكيد فإن العراقيين في قبرص, لا يقلون إنتماء لوطنهم, وعطاء له, وتضحية في سبيله, عن سواهم في بلدان المهاجر الأخرى, وهم يعزّ عليهم, أن يروا إهتمام الدولة الإستثنائي, في سواهم وأشقائم دونهم, وذلك لا يعبر عن عدم إستحقاق الآخرين, ولكن العدل والإنصاف, أن يحض الجميع بمساواة الإهتمام.
فليس من ذنب العراقيين في قبرص, أن لا يكون بينهم, من كانوا سابقا في مهاجر المعارضة السياسية, والذين بالتأكيد قد إختاروا لمهاجرهم بلدانا, قد حضوا فيها بالرعاية والدعم المادي والقانوني, وليس من بينها قبرص, مما يجعلهم, وهم اليوم في مواقع المسؤولية, وضمن النخب السياسية الحاكمة, أن يكونوا على تواصل مستمر مع بلدانهم "الثانية", التي منحتهم الحقوق المدنية والقانونية والمعيشية كاملة.
وبذا ينعكس ذلك, على أنشطة الدولة العراقية المعاصرة, وإهتماماتها بتلك الدول, وبالتالي على العراقيين المقيمين فيها, أو "المواطنين" فيها, فيما يحرم العراقيون في قبرص من مثيلاتها, الذين لا يملكون أية فرصة ضمن القانون القبرصي, في المواطنة, أو حتى الإقامة الدائمة, فهم حاملون للجنسية العراقية حصرا, مما يعزز أسباب الإهتمام فيهم وبجيلهم الثاني, وليس الإهمال لهم.
وبالنتيجة تخلص هذه الورقة, الى أن عدم وجود أي شكل من أشكال التمثيل, السياسي الدبلوماسي أو القنصلي أو حتى التجاري أو الثقافي, ينعكس سلبا في قضيتين معا, أولهما حرمان العراق من إرث في العلاقات الدولية البينية, قد جرى الجهد عليها من موارد الوطن, فهي كما المشاريع التحتية أو الخدمية, التي يحق للعراقيين إستثمارها, وإن كانت من نتاجات أنظمة سابقة, بل على الدولة أن تحرص على الإفادة من تمتين هذه العلاقات, ودعمها وتطويرها, وخاصة ما يرتبط منها بالمصلحة الإستراتيجية العليا للوطن, وإن ضرورات إقامة أو إستثمار هذه العلاقة مع الدولة القبرصية, نموذج وقصة كائنة منها.
كما أن قيام القنصلية العراقية في أثينا, بزيارات سريعة, سنوية ومتباعدة, وفقا لإنشغالاتها وقلة مواردها, لا يمكن أن يوفي هذا الغرض, في تأمين حاجات الخدمات القنصلية للعراقيين, برغم أن هذه القنصلية, تحاول وسعها, أن تقدم خلال زياراتها, على مدى يومين أو أكثر, ما بوسعها من تأمين تلك الخدمات, فضلا إن موضوعة التمثيل السياسي, والحوار مع الدولة القبرصية, ليس من ضمن إختصاصات الشؤون القنصلية.
وكما أن وفدا عراقيا, قد زار قبرص مؤخرا, والتقى في بعض العراقيين في مدينة ليماسول, وكان ممثلا فيه عضو من مجلس النواب العراقي, مع شخصية إعلامية, وأخرى من القطاع الخاص, وقد حرص كاتب الورقة, على عرض ما سمح به وقت الوفد, من هموم ومتاعب وإهتمامات العراقيين وحاجاتهم, كما جرى إيجازه لطبيعة الساحة السياسية في قبرص, والإتجاهات السياسية فيها, وخاصة في موقع الرئاسة أو الحكومة, وتوجهات اليمين القبرصي, ورؤيته السلبية للتواجد الأجنبي عموما في البلاد, وما هو الخطاب المطلوب في الحوار معه.
وذلك لعدم توافر مؤسسات الدولة العراقية المعنية, على تقييم سليم, للخارطة السياسية في قبرص, أو معرفة وثيقة فيها, لأسباب إنعدام الإهتمام, وعدم وجود التمثيل السياسي, وبالتالي إنعدام مصادر المعلومات, كما أن التمثيل غير الرسمي للوفد ضمن أعضائه, جعله غير قادر في الإيفاء بوعوده, وإنحسار الموضوع, في إلتقاط الصور التذكارية, برغم الهمّة الكبيرة, والمحاولة والجهد الملموس, الذي أظهره أعضاء الوفد.
كما وقدم كاتب الورقة للوفد الزائر, دراسة شاملة, لجهد تأسيس منظمة مجتمع مدني, للعراقيين في قبرص, وما تضمنه برنامجها ونظامها الداخلي, من أنشطة ثقافية ومجتمعية وحتى مهنية, بهدف معالجة الحاجات القانونية لإقامات العراقيين في قبرص, فضلا عن تقديم الدعم للقضاء على البطالة المتفشية بينهم, وحاجات الجيل الثاني منهم, الثقافية والتعريفية, والتي لم تشهد فرصة للنجاح, مع الجهد الكبير الذي بذل فيها, وذلك لإنعدام دعمها وإسنادها, وقد عبر الوفد حينها, عن تفهمه وتحمسه لنجاحها, ولكن النتيجة ذاتها.
وبالنتيجة فإن العراقيين في قبرص, باتوا يضطرون لركوب الصعاب, وسلوك المخاطر, في محولات تهريبهم لدول أخرى, قد يحضوا فيها, بفرصة أفضل للعيش والحياة, مع ما يمكن أن تكون حياتهم ومصائر عوائلهم, عرضة للإنهيار, حتى بات النقص فيهم ملموسا.
وعليه فإن هذا الواقع المحبط القائم, هو النتيجة الأخرى, لإنعدام التمثيل السياسي أو القنصلي, أو التجاري أو الثقافي, للعراق في الدولة القبرصية, الذي إنعكس سلبا, على الواقع اليومي المعاش, للعراقيين المقيمين في هذا البلد, ومن الغريب أن الدولة العراقية, تقيم علاقات واسعة, مع دول بأقاصي المغارب والمشارق, ليس للعراق معها, أية إهتمامات أو مصالح وطنية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ألعاب باريس 2024: اليونان تسلم الشعلة الأولمبية للمنظمين الف


.. جهود مصرية للتوصل لاتفاق بشأن الهدنة في غزة | #غرفة_الأخبار




.. نتنياهو غاضب.. ثورة ضد إسرائيل تجتاح الجامعات الاميركية | #ا


.. إسرائيل تجهّز قواتها لاجتياح لبنان.. هل حصلت على ضوء أخضر أم




.. مسيرات روسيا تحرق الدبابات الأميركية في أوكرانيا.. وبوتين يس