الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أرضنا الإفريقية

خالد غميرو

2013 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية



لأول مرة أنتبه أن مكان إزديادي المتبت في "عقد الإزدياد" الرسمي، هو: (دوار حلابة، قرية بني مجرو، قبيلة بني مكة، جماعة الرتبة، إقليم تاونات)، إنه لشيء رائع وجميل عندما تعرف أنك تنتمي إلى كل هذه الأماكن دفعتا واحدة، و أن الدولة تعترف لك بهذا الانتماء في وثيقة رسمية، و ليس عليك فقط سوى ان تتبث انك تسكن في هذه الأمكنة، وهنا تكمن مشكلة "الإعتراف بالإنتماء" الغير مكتمل.
بمجرد أني فكرت في الإتجاه إلى المصلحة الإدارية، لأستخرج "شهادة السكنى" التي تعزز انتمائي إلى هذه الأماكن، تبخرت كل أوهامي بالانتماء، لتبدأ رحلتي الطويلة للبحت عن "المقدم"* في المقاهي، والمساجد والأسواق، "فالمقدم" عندنا يشغل عدة وظائف بجانب وظيفته الرسمية، فأحيانا تجده إمام في مسجد، وأحيانا تاجر، وأحيانا أخرى سمسارعقارات، المهم في النهاية عندما أجده و أسلمه "عقد الإزدياد"، يسلمني ورقة صغيرة مكتوبة بخط رديئ وعليها طابعه وتوقيعه، لكن هذه ليست سوى البداية فما سلمني إياه ليست دليل رسمي ومعتمد على أنني أنتمي إلى هذه الأمكنة و أسكن في هذا العنوان، فلازال علي الإستبقاظ باكرا والإتجاه إلى الإدارة التي توجد في المدينة البعيدة، ولكم أن تتخيلوا بقية الحكاية وكل المتاعب والعراقيل التي سأواجهها لأتبت أني أنتمي إلى هذه الأمكنة...هذه الحكاية كلما تكررت معي كانت تجعلني أتساءل مع نفسي، لماذا لا تريحنا الدول والأنظمة حتى "الديمقراطية" منها، من كل هذه المعاناة المعقدة، طالما هي تملك كل الإمكانيات والمؤسسسات التي تسمح لها بذلك منذ ولادتنا؟
لقد اخترت هذا المثل الذي يبدو بسيطا ومعتادا في الحياة اليومية لكل "مواطن مغربي" سواء كان يعيش في القرية أو المدينة، ليكون مدخلا لقضية ملحة وحاسمة، في مسألة وقضية التغيير بالمغرب خاصتا والعالم عامة، وهي قضية " الشعوربالإنتماء" وما تقوم به الدول "البيروقراطية" المستبدة والأنظمة الرأسمالية، من تشويه وتمويه لمعالم هويتنا الإنسانية وإنتماءنا للأرض.
بالعودة إلى مكان إزديادي وبغض النظر عن كل التسميات والأوصاف (قرية، قبيلة، دوار...)، بالنسبة لي كلها تدل على شيء واحد هو أنني أنتمي إلى تلك المنطقة من الأرض، ولدت وترعرعت فيها، وأعود إليها كل مرة وأحس أنني مرتبط بها، ومعها تنمو كل مشاعري ورغباتي في الحفاظ عليها والإهتمام بها وجعلها دائما أفضل، فهي مصدر عيشي ومواردي، وهي من تحفظ تاريخي الممتد عبر آلاف أو ملايين السنين، هذا بالنسبة للحالة الطبيعية المفترضة، أما في الحالة التي نعيشها والتي يتدخل فيها نظامنا الاجتماعي والسياسي الحالي، فإننا نصبح لا ندين بإنتماءنا للأرض، بل إلى مجموعة من الأشياء التي تبعدنا عن هدا الانتماء الطبيعي، الذي منه تنطلق كل رغباتنا وحاجاتنا للحفاظ عليه والإهتمام به، فنحن نعترف بإنتماءنا بشكل واضح إلى الدين، أو الطائفة أو القبيلة أو اللغة أو "الوطن" الذي هو بالنسبة لنا مجموعة من الهويات المتزاحمة والمتعددة، والتي في الغالب ما تكون هويات غير واضحة، تخفي وراءها عدم الرغبة في الإعتراف الصريح بإنتماءنا إلى أرض واحدة.
ومن أهم الدلائل على عدم الرغبة في هذا الاعتراف، وما يقوم به نظامنا من تمويه ومقاومة من أن تتشكل هذه القدرة والرغبة، أنه يعمل بكل وسائله الإعلامية والسياسية حتى الثقافية، لكي تتجه أعيننا وعقولنا إلى الشرق بإعتباره مهد الإسلام، وإلى أروبا بإعتبارها "مهد الحضارة"، فنصبح كأننا معلقين في السماء نسجد لتاريخ غير تاريخنا على أرض لا نطأها، فنحن على أرض إفريقية ولكننا لا نعترف بذلك، ويظهر ذلك كثيرا في كلامنا وكتاباتنا حينما نتحدث مثلا عن سود البشرة، فنقول هؤلاء أفارقة كأننا نستتني أنفسنا من انتماءنا لهذه الأرض الإفريقية، وأيضا كل ثقافتنا اليومية مرتبطة بالشرق والعالم العربي، وكذلك بالغرب الأوروبي والأمريكي، رغم أن عمق ثقافتنا الحقيقي إفريقي الأصل، ويظهر ذلك بدرجة كبيرة في موسيقانا الشعبية وإقاعاتها، وهي الوحيدة التي لازالت تقاوم من اجل الحفاظ على هويتها المرتبطة بالأرض رغم ما تتعرض إليه من محاولات لتغيير معالم هويتها و دفنها في مقبرة اسمها "الفولكلور من أجل السياحة"، فنحن لا نواليها الاهتمام الذي يليق بها كموسيقى لها إمتدادات وجدور إفريقية ونعمل على دراستها وتطويرها، بالدرجة التي نهتم بها بالموسيقى الكلاسيكية أو العصرية القادمة من الغرب الأوروبي أو الشرق.
من جهة أخرى لا أريد أن يفهم من كلامي هذا أنني ضد "الانفتاح" على الثقافات الإنسانية المتعددة، لكني لست مع أن تكون هذه الثقافات مرادفة وملازمة لاحتلال الأرض وثروتها، وللغزو السياسي والاقتصادي، "فالإنفتاح" على ثقافات أخرى يجب ينبع من إحساسنا بالانتماء لهذه الأرض ولتاريخها، وهذا الانتماء الطبيعي الواضح هو ما سيجعلنا تلقائيا نعترف بأننا جزء من الثقافة الإنسانية وتاريخها، ونستطيع أن نستفيد من إرثنا الإنساني ونطوره.
إن الأزمة الحقيقية التي تشكل عائقا ضخما وحاسما أمام أي تغيير سياسي وإجتماعي في بلدنا، هي أزمة الإعتراف بإنتماءنا وتحديده بشكل واضح، فنحن سنعمل بشكل طبيعي وتلقائي على تغييرمجتمعنا، حينما نحس و نعترف بأننا ننتمي إلى هذه الأرض بكل مواردها وثرواتها، و"نسجد" لتاريخها الذي يصل ويمتد إلى أول "إنسان عاقل" عرفته الأرض.


*المقدم : عون السلطة، "موظف حكومي"








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. نارين بيوتي تتحدى جلال عمارة والجاي?زة 30 ا?لف درهم! ??????


.. غزة : هل تبددت آمال الهدنة ؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. الحرس الثوري الإيراني يكشف لـCNN عن الأسلحة التي استخدمت لضر


.. بايدن و كابوس الاحتجاجات الطلابية.. | #شيفرة




.. الحرب النووية.. سيناريو الدمار الشامل في 72 دقيقة! | #منصات