الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشيوعية. والإسلام. وجدتى

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 10 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


لم تقرأ جدتى القرآن ولا كارل ماركس ولا أى كتاب. مع ذلك كانت تحكم بالعدل فى أى نزاع يحدث بين الرجال فى عائلتها أو قريتها. إنه تقليد موروث فى الريف المصرى منذ عصر إزيس إلهة الحكمة ومعات إلهة العدل.
الإحساس بالعدالة. صفة إنسانية طبيعية. كالاحساس بالحب والحرية والكرامة والمساواة. لكن لعبة الأحزاب والحكم تفسد الاحساس بالعدالة لدى أغلب المشتغلين بالسياسة. ولم تعد العدالة تعنى المساواة الحقيقية بين الناس (بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو الطبقة). بل أصبحت العدالة هى التوازن بين القوى الحزبية المتنافسة على الحكم. المتمرسة على الموازنات لتحقيق التوافق بينها وتوزيع المقاعد والمناصب حسب قوة كل منها وليس حسب العدالة. وحزب النور السلفى (يرى وجه المرأة عورة) ونشأ (ضد القانون) من أقلية قليلة بعد يناير 2011 - يحظى بوزن سياسى فى لعبة التوازن (داخل لجنة الدستور). أكبر من نصف المجتمع. أربعون مليون امرأة وأكثر.
أغلبية الشعب المصرى خارج الأحزاب بحكم القانون الذى يمنع نصف المجتمع (النساء) من تشكيل حزبهن. ويفرض شروطا مادية وسياسية متعسفة لا يقدر عليها العمال والفلاحون والأجراء بحكم فقرهم وجهلهم بألاعيب السياسة. وقد نشأت أنابين طبقتين. طبقة أبى من الفلاحين الفقراء - وطبقة أمى من البهوات فى القاهرة والأعيان أصحاب الأرض فى الريف. لم يكن للفلاحين الفقراء دور فى السياسة. إلا أن يحشدهم الباشا أو البيه صاحب العزبة كى يصوتوا له فى الانتخابات. وينجح الباشا أو البيه بعد أن يقدم للفلاحين وعودا (كاذبة) بتحقيق مطالبهم. ويدور النقاش فى البرلمان حول أبسط حقوق الفلاحين حينئذ. فيعترض النواب البشوات صائحين: هذه بلشفية. هذه شيوعية. وفى بيتنا كان الصراع يدور بين عائلتى أبى وأمى أشبه بالصراع فى مجلس النواب. تقف عائلة أمى مع البشوات والبهوات والملك فاروق يؤيدونه. لأن اللَّه معه فى كل خطواته. وتقف عائلة أبى ضد الملك والحكومة على رأسهم جدتى التى تقول: "لا يمكن ربنا يكون مع الظالم". يرمقها الرجال فى استعلاء. ذوو البدل الأنيفة (والبايب بين شفاههم الندية). كيف تشارك الفلاحة العجوز فى النقاش السياسي؟. لكنها لا تأبه بهم وتواصل دفاعها عن العدالة البسيطة البديهية. وإن قال لها أحدهم إنها لم تقرأ القرآن ترد جدتي: ربنا هو العدل عرفوه بالعقل وليس بالكتاب. وأصبحت جدتى الفلاحة شيوعية ملحدة مثل ابنها (أبى) فى نظر رجال السياسة من عائلة أمى. رغم أن أبى لم يكن شيوعيا ولا علاقة له بأى حزب. لكن تهمة "الشيوعية والإلحاد". كانت تلصق بأى شخص ينطق كلمة "فقر" أو طبقة كادحة. هذه كلمات تؤدى إلى السجن. ما بال "نظام طبقى أبوي". قائم على الاستبداد الذكورى المطلق فى الدولة والأسرة؟.
إنها الأربعينيات وأوائل الخمسينيات من القرن العشرين. والصراع دائر بين الشيوعية والاسلام فى عالم منقسم إلى كتلة شرقية بزعامة الاتحاد السوفيتى. وكتلة غربية رأسمالية بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية. أما المستعمرات فى إفريقيا وآسيا (ومنها مصر تحت الاحتلال البريطاني). فكانت تابعة للقوى الاستعمارية. تم اختزال الاسلام (فى نظر القوى الرأسمالية). إلى أداة لضرب الشيوعية. وتم اختزال الشيوعية (فى المستعمرات بالعالم الثالث) إلى دعوة للإلحاد. وتم ضرب أى حركة شعبية مصرية تدعو للعدالة والتحرر الوطنى حتى جمال عبدالناصر تم اتهامه بالشيوعية بواسطة القوى الخارجية والطبقة العليا فى الداخل. وتم تشجيع الاخوان المسلمين والاسلام السياسى (داخليا وخارجيا). للقضاء على الحركات الوطنية المصرية وجمال عبدالناصر حاولوا اغتياله جسديا وسياسيا. حتى هزيمته فى حرب 1967 - ثم موته بعد ثلاث سنوات. ليأتى الرئيس المؤمن (السادات) الذى شجع جماعات الاسلام السياسى (مع قوى الاستعمار) بضرب القوى الوطنية للتحرر والاستقلال تحت اسم مكافحة الشيوعية. وجدت نفسى فى سبتمبر 1981 داخل زنزانة السجن بتهمة الشيوعية. رغم أننى لم أدخل فى حياتى أى حزب. وأنفر بطبيعتى من ألاعيب السياسة مثل جدتى الفلاحة التى كانت تلخص السياسة فى كلمة واحدة "بوليتيكا". تضحك وهى تضرب ابن عمها (شيخ الجامع) على ظهره قائلة "بلاش بوليتيكا يا خويا". كانت جدتى (وكل القرية). ترى السياسة ألعابا بهلوانية (بوليتيكة) قائمة على الخداع والمكر. وأن الحكومة تقهر الفلاحين لأنها تعمل مع الملك والإنجليز والبشوات والبهوات فى البرلمان. كانت جدتى وأهل قريتها يتمردون ضد العمدة. تلوح فى وجهه بيدها الكبيرة المشققة. وتقول: فين العدل يا عمدة؟. يلوح بالمصحف فى وجهها يتهمها بالجهل لأنها لم تقرأ القرآن ولا تعرف شيئا عن العدل وترد عليه جدتى بعبارتها المأثورة: "ربنا هو العدل عرفوه بالعقل يا عمدة".
لو دخلت جدتى "لجنة الخمسين". ربما كانت أكثر وعيا بأهمية النص فى الدستور على العدل والمساواة الحقيقية بين الناس وليس التوازن بين القوى السياسية والأحزاب ومنها "حزب النور" الذى يرى وجه جدتى عورة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تضلين مشرقة
حسين طعمة ( 2013 / 10 / 2 - 17:33 )
الكبيرة نوال السعداوي ....تضلين مشرقة رغم الضلام ووحول الدرب وعتمة العقول وأعجب لطاقتك وتصميمك وعنادك وأصرارك في أشعال الشموع وليست شمعة واحدة كي يبقى للحياة معنى .شكرا لك


2 - الاسلام وجدتك والشيوعية
عبد الله اغونان ( 2013 / 10 / 2 - 19:45 )
بدأت الترتيب كما هو تاريخيا الاسلام قبل جدتك وما زال ثم الشيوعية التي لم تعرفها ولم يومن بها الا نخبة وتبين تريخيا زيفها اذ سقطت في مهدها
جدتك لابد انها تستعمل المصطلح الديني الحلال والحرام اذا هي لاتعرف العدل خارج المتن الاسلامي وحدثتنا مرارا عن أبيك الأزهري فالاسلام أصل مستمر بينما جدتك والشيوعية من العوارض
التوازن الحقيقي يعبر عنه الناس باختيار ديمقراطي.فالنساء لايشكلن حزبا ولو استقصينا الاحصاء فعدد النساء السلفيات أكبر بكثير من كل الأحزاب العلمانية المسماة ديمقراطية تقدمية
لاأظن أن جدتك الأمية ربما تنطق بهذا الشكل...ربنا هو العدل عرفوه بالعقل لابالكتاب هذا كلامك أنت لأننا حتى الراسخين في العلم لم نعرف الله بالعقل بل بالوحي بالكتاب.بم عرفنا الله والرسول والتكاليف الشرعية بعقل أرسطو وعقل ابن رشد كلا كلا اذ ليس هناك عقل
بل عقول فالمسيحي والبودي والمسلم والملحد واليهودي يدعون استعمال العقل لكل عقله ووجهة نظره
من شجع الاخوان؟ عبد الناصر؟ السادات ؟ مبارك؟ السيسي؟و كان متهما أنه اخواني
الانتخابات مقياس وقد فازبها الاسلاميون في مصر وغيرها تذكري أن أغلبهم فلاحين
ابتداء من مرسي والمرشد



3 - تعليق
عبد الله خلف ( 2013 / 10 / 2 - 21:24 )
أنتِ و النساء , مشكلتكن ليست مع الدين , بل مع الطبيعه , فالطبيعه (متمثله بالتطور) تراكنّ , كالتالي :
- يقول داروين في كتابه أصل الإنسان ص326:- ( المرأة أدنى في المرتبة من الرجل وسلالتها تأتي في درجة أدنى بكثير من الرجل ) .
- يقول المادي | كارل فوجوت , أستاذ (تاريخ الطبيعة) بـ(جامعة جنيف) : (المرأة بوضوح إعاقة تطورية حدثت للرجل ... وكلما زاد التقدم الحضاري كلما زادت الفجوة بين المرأة والرجل ... وبالنظر إلى تطور المرأة فالمرأة تطور غير ناضج) .
أقول : الأول جعلكن أدنى مرتبه , و الآخر يراكنّ إعاقه تطوريّه!! .


4 - !!!!!لم تقرأ القرآن
حسنين قيراط ( 2013 / 10 / 3 - 00:51 )
لم تقرأ القرآن أكيد كانت يرحمها الله لا تقرأ ولاتكتب ولكن سيدتي كنت أتمني أن تعلمينا هل جدتك لم تستمع إلي تلاوات القرآن الكريم فإن كانت لم تقرأ ولم تستمع ولم يطمئن قلبها بذكر الله فعليها السلام
ملحوظة صغيرة كنت أرجو منك ألا تضعي كتاب الله مع كتب البشر في خانة واحدة لتشكيل ثقافة البشر حتي لو كانوا أميين


5 - سلاما
حسنين قيراط ( 2013 / 10 / 3 - 01:02 )
لم تقرأ القرآن أكيد كانت يرحمها الله لا تقرأ ولاتكتب ولكن سيدتي كنت أتمني أن تعلمينا هل جدتك لم تستمع إلي تلاوات القرآن الكريم فإن كانت لم تقرأ ولم تستمع ولم يطمئن قلبها بذكر الله فعليها السلام
ملحوظة صغيرة كنت أرجو منك ألا تضعي كتاب الله مع كتب البشر في خانة واحدة لتشكيل ثقافة البشر حتي لو كانوا أميين


6 - علامات الساعة ظهرت
أمل مشرق ( 2013 / 10 / 3 - 04:14 )
لا اعتقد انهم صاروا يقرأون أدب الدكتورة نوال فجأة ولكن يبدو أن حزن المتدينين على مرسي جعل اغاممنون وعبد وقيراط يجتمعون على نفس القصعة وهذا والله من علامات الساعة


7 - رب السجن أحب الينا
عبد الله اغونان ( 2013 / 10 / 3 - 07:58 )
حكم الدهماء والعصابات واللوبيات والله أحسن منه السجن كما قال يوسف عليه السلام
رب السجن أحب الي مما يدعونني اليه السجن للجدعان ومرسي صار ايقونة الرئيس المنتخب عبر التاريخ والذي رفض أن تنشر صوره في الادارات هاهي صوره تجتاح القلوب.غريب أن يقنعنا من يدعي الحوار الى نصرة اللصوص لصوص الانقلابات وها أنت ترى أن نسبة كبيرة من الشعب ترفض حكم العسكر.من يحكم الان؟ لاأحد سوى الفوضى .كان الامام الخوميني محاصر وفي السجن وكان نيلسون منديلا في السجن
بل حتى الانقلابيين هم في السجن المعنوي اذ ليست المشكلةفي اغتصاب السلطة بل في اقناع الشعب بها
قل للدكتورة نوال تترشح للرئاسة وسترى النتيجة حتى بافتراض وجود النزاهة
الانقلااااااااب
هو الارهاااااب

اخر الافلام

.. رغم تحذيرات الحكومة من تلوث مياهها... شواطئ مغربية تعج بالمص


.. كأس أمم أوروبا: فرنسا تسعى لتأكيد تفوقها أمام بلجيكا في ثمن




.. بوليتيكو: ماكرون قد يدفع ثمن رهاناته على الانتخابات التشريعي


.. ردود الفعل على قرار الإفراج عن مدير مجمع الشفاء الدكتور محمد




.. موقع ناشونال إنترست: السيناريوهات المطروحة بين حزب الله وإسر