الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مسألة السيسي بين الاستقالة أو الاغتيال

مصطفى مجدي الجمال

2013 / 10 / 2
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


مسألة السيسي بين الاستقالة والاغتيال

لعل هذا يكون من أخطر ما كتبت من مقالات في السنين الأخير، إن كان لمقالاتي أي خطر يمكن أن أتحدث عنه..

بداية القول إن بورصة الانتخابات الرئاسية بدأت قبل أوانها بوقت طويل.. وهي بورصة يشوبها الكثير من الغموض والمخاطر والتقلبات.. لذا أرجو التعامل مع كلماتي كنوع من التفكير العقلاني الحر الحافل طبعًا بمجازفات وتكهنات ناقصة المدخلات المعلوماتية الضرورية.. وكل رؤية محكومة ومحدودة بقدرات صاحبها ومعلوماته وخبراته السابقة إلى جانب درايته بعلم المستقبل..الخ.

حتمت الأوضاع المتناقضة والمركبة للثورة المصرية أن يكون للجنرال عبد الفتاح السيسي دور لا يمكن الاستهانة به، خاصة وأن الرجل الذي تحدث علنًا مرات قليلة جدًا إلا أن الفرقاء السياسيين والجمهور إما صبوا عليه لعنات وإما بنوا عليه آمالاً وإما أمطروه بعلامات الاستفهام..

كان الإخوان وحلفاؤهم داخليًا وخارجيًا قد أصابتهم حالة من التجبر على الشعب، والالتفاف على ثورته، دعت قيادة المؤسسة العسكرية لأن تضطلع- عمليًا- بقيادة العملية السياسية (ولا أقول الثورية طبعًا) في مصر اليوم من أجل الإبقاء على الدولة والنظام الاجتماعي، وحمايتهما من التفتيت وأيضًا من التغيير الجذري غير المسيطر عليه.. هذا كان الدافع العام، أما الدافع المباشر فكان اختراق جماعة الإخوان لقواعد وأسس نظرية الأمن الوطني المصري، وللعقيدة العسكرية المصرية، وعدم احترامها لحدود البلاد، واتضاح مخططاتها لخلق أبنية أمنية وعسكرية وقضائية موازية أو بديلة..

فقد أثبتت الأحزاب السياسية والائتلافات الشبابية المنضوية في الثورة فشلاً كبيرًا في النفوذ إلى الجمهور العام في الريف والمدينة، خاصة بسبب تشتتها وانتهازية وذاتية بعض فرقائها، مع غياب الرؤى المستقبلية الواضحة والبرامج الموحدة. كما ثبت أن الطبقات الاجتماعية الثورية لا تملك حتى الآن تنظيماتها (خاصة النقابية) التي يمكن أن تعوض نسبيًا ووقتيًا قصور الأحزاب والائتلافات.. فكان لا بد من أن تتحرك المؤسسة العسكرية بعد أن نجحت في عقد تحالفات مع الشرطة والقضاء وبيروقراطية الدولة وقطاع مهم من الإعلام، إلى جانب قوى ليبرالية ووطنية ويسارية.

بالطبع كان دخول المؤسسة العسكرية للمشهد السياسي ثانية قرارًا استراتيجيًا جماعيًا. ومن المؤكد أن شخص القائد العام قد لعب دورًا أكبر في تحفيز وتوقيت وهندسة هذا الدخول.. وهكذا أمام المخاطر المحيقة وغير المسبوقة، وضعت فئات شعبية عريضة- لأسباب ثقافية وتاريخية إلى جانب السياسية- آمالاً هائلة على ذلك الشخص..

وقد انجذبت قطاعات جماهيرية واسعة جدًا لكاريزما جديدة أهم سماتها الشجاعة والبساطة وإعلاء الرومانسية الوطنية.. وكالعادة ألقى بعض السياسيين بكل ثقلهم وراءه.. لكنهم تركوه "يشيل الليلة وحده" في انتظار النتائج.. أي أنهم تركوا له عملية "التداول" السياسي في الفترة الانتقالية، انتظارًا لمكاسبهم عند "التوزيع".. أي الخسائر له والمكاسب لهم..

وأظن أن الجنرال السيسي محبط للغاية من أداء القوى السياسية المؤيدة له.. وأظن أيضًا أنني لمحته في الشهرين الأخيرين كما لو كان قد أضاف على عمره عشرة أعوام.. وهذه هي الرهانات والتحديات المعتادة التي قابلتها دومًا كل كاريزما وطنية في تاريخ مصر.. ولكنني أعتقد أن الرجل مازال متماسكًا جدًا وإن كان يدير الأمور بطريقته الخاصة جدًا.. فهو لا يفرط في الظهور، ويراعي الاعتبارات المختلفة (دوليًا وعربيًا ومحليًا، والجوانب الاقتصادية والأمنية والثقافية..)، ويأتي في اللحظة التي يراها مناسبة ليضع الجميع أمام "النقلة" المفاجئة الأكبر أو الأخطر..

عمومًا فإن أول الاحتمالات أمامنا ألا تعقد انتخابات رئاسية في المهلة المحددة بخارطة الطريق وأن نكون إزاء تعديل على الخارطة حتى تكون الأجواء مواتية لدخول الجنرال إلى القصر.. وهو أمر ممكن جدًا.. وهذا ما يدفع ببعض أنصار المرشحين الآخرين إلى التمسك بالتوقيتات المضروبة، أو حتى المناداة بإجراء الانتخابات الرئاسية قبل البرلمانية حتى يقطعوا التسلسل المنطقي لمسيرة الجنرال..

أما من يطالبونه بالعودة إلى "مكتبه في كوبري القبة" (بدلاً من الطموح في قصر الاتحادية) فيجب أن يعلموا أنها دعوة مبطنة لأن ينهي دوره المهني قبل السياسي. وحتى إن حدث وقبل أن يكون مصيره مثل مصير "سوار الذهب" في السودان.. فإنه سيظل رقمًا مطروحًا بقوة عند أول أزمة.

لكن احتمال إجراء الانتخابات الرئاسية في الربيع أو الصيف المقبل كبير أيضًا.. وحتى الآن من المتصور أن يكون هناك مرشح للاتجاهات "الإسلامية" (أبو الفتوح أو العوا أو حتى شخصية إخوانية غير مطروحة حاليًا) ومرشح من القوى الثورية (حمدين غالبًا).. إلى جانب مرشحين هامشيين آخرين من القوى الليبرالية واليسارية والتقليدية..

في هذه الحالة إذا لم يترشح السيسي فأتوقع منافسة عاتية، ولكن إذا فاز المرشح الإسلامي تحديدًا فإننا في الغالب سنكون إزاء اضطراب اجتماعي وسياسي كبير، مع احتمال أكبر لاقتحام المؤسسة العسكرية للمشهد السياسي ولكن بوضوح تام ومباشر.

وفي كل الأحوال، وأيًا كان الرئيس "المدني" المقبل فلا يتوقع أن يستمر السيسي في موقعه، لأن مصر الدولة المركزية (بكل معاني الكلمة) لن تحتمل "تعدد الرؤوس" في مؤسسة الحكم.. وإذا فكر الرئيس الجديد في إزاحة الجنرال فسنكون أمام احتمالات كلها خطيرة..

أما إذا ترشح السيسي فإنه من شبه المؤكد أن ينسحب حمدين من السباق (بمقابل ما) وأن يفوز الجنرال من الجولة الأولى بنسبة أتكهن بأنها ستتجاوز الثلثين. لكن ستظهر في حالة ترشح السيسي بعض المشكلات:
(1) شبهات حول وجود مرشح عسكري سابق بينما الجيش هو المسئول الأول عن تأمين الانتخابات.
(2) التوسع في تصوير عملية 30 يونيو (خاصة على المسرح الدولي) على أنها انقلاب.
(3) النجاح في ترتيب الأوضاع داخل المؤسسة العسكرية في الفترة المحدودة قبل الاستقالة الحتمية للترشيح على المقعد.
(4) الطابع التقليدي (وليس الثوري) للمؤسسة العسكرية ككل، والمشاكل المتعلقة بمستقبل علاقاتها مع حكم يترأسه أحد أبنائها في ظروف شديد التعقيد والتركيب.
(5) الأداء الباهت وغير الثوري للحكومة الحالية والذي يخصم من الرصيد الشخصي للسيسي يومًا وراء الآخر.
(6) لم يقدم عبد الفتاح السيسي حتى الآن برنامجًا متكاملاً أو واضحًا لمصر التي يريدها، وكل ما قدمه حتى الآن هو مواقف عملية وشعارات عامة لا خلاف عليها.. إلى جانب حس وطني فياض.

تلك كلها احتمالات واردة.. ولكن هناك احتمال دائم في كل السيناريوهات.. وأساسه أن مواقف الرجل التاريخية قد زادت من عدد أعدائه وجعلت شخصه في مرمي نيرانهم جميعًا، سواء قبل الوصول إلى المنصب أم بعده، ولو بدافع الانتقام وحده..

فالولايات المتحدة لن تغفر له تعطيله لمشروعات إقليمية لإعادة تشكيل المنطقة، فضلاً عن الإيحاءات بعودة كاريزما "ناصرية معدلة" تستجيب لبعض مطالب شعبية راديكالية..

والقوى الإرهابية المنتشرة في سيناء والصحراء الغربية وبعض البؤر الأخرى المتناثرة، لن تغفر له العمليات الواسعة ضد عصاباتهم.. وجماعة الإخوان مع بعض القوى الإقليمية لن تغفر له حرمانها من السلطة (التي يرونها "شرعية ومستحقة") والملاحقات لقادتهم وإمكانياتهم المالية والإعلامية..

وربما كانت هناك قوى أخرى تسعى وراء التعطيل أو الانتقام.

أقولها بوضوح.. إنه هدف للتصويب من عدة زوايا واتجاهات. وإذا كان الاغتيال المعنوي دائرًا بالفعل على قدم وساق فإن التصفية مطروحة أيضًا.. وليست هذه بالطبع محاولة لاستدرار العواطف.. وإنما توقع شخصي لما يمكن أن تؤول إليه الأحداث..

وكلامي هنا لا يتعلق بالسيناريو الذي أريده، وإنما بالسيناريوهات التي أتوقعها إذا سارت الأحداث وتفاعلت على أساس المنوال الجاري.. على أمل أن يضع كل مُخطِّط سياسي هذه الاحتمالات في اعتباره..

أما ما أنادي به.. فهو ضرورة أن تتفق القوى الثورية على مرشح واحد للرئاسة، فتفتيت الأصوات جريمة تاريخية لا تغتفر، وليس هذا هو وقت "التمثيل المشرف".. وأن تلزم هذا المرشح ببرنامج واضح لإجراءات ثورية تعيد مصر وثورتها إلى الطريق السليم.. فلا تُسلّم القوى الشعبية نفسها لفرد دون شروط.. ولا تنقسم فيما بينها بما يمهد الأرض لعودة الخفافيش والضباع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - قهوه المعاشات
ها ني عبد العليم ( 2013 / 10 / 2 - 20:37 )
فعلا مقال خطير من مفكر كبير
الله ينور


2 - ؟؟؟
جوان علي ( 2013 / 10 / 4 - 16:27 )
عنوان المقالة يستدرج القارئ لالقاء نظرة في المحتوى كما في حالتي لانه يرسم الشيطان على الحائط كما يقول المثل الالماني .. بالعربي نذر شؤم .. وبالمصري يستحضر العفاريت .. لكنه في كل الاحوال عنوان يثير الريبة .. أصدقك القول .. المقالة ليست خطيرة بل سيئة .. لانه وعملا بـ -التفكير العقلاني الحر- يلفت النظر الى مدى التقارب بين اليمين الديني واليسار في النظر الى الجيش المصري الذي يمثل للاولى عقدة نفسية تاريخية .. بأختصار وبغض النظر عن طابع المقالة التكهني ووضع موقف الكاتب في حيز التفاصيل ما الفرق بين مفردتي العسكر والجنرال الايحائية ؟؟ .. وتداعيهما الحر في الذهن واحدة ..


3 - عزيزي جوان
مصطفى الجمال ( 2013 / 10 / 4 - 23:38 )
ما تسمية استحضار العفريت أعتبره أنا اجتهادًا فرديًا- قاصرًا بالطبع لأنه فردي- لما يمكن أن يؤدي إليه تفاعل الأحداث حاليًا، أو مايسميه واضعو السيناريوهات -لحظة رفع الستار-.. ولم أفهم ما تقصده بالتقارب بين اليمين واليسار في النظر للجيش المصري!!!! ولم أفهم ما هو موقفي الذي فهمته -من حيز التفاصيل- كما تقول.. أما عن سوء المقال فلكل ذوقه وانحيازاته.. وشكرًا لاهتمامك على أية حال


4 - ...
جوان علي ( 2013 / 10 / 5 - 19:04 )
اعترف بأن عنوان المقالة الصادم وتكرار مفردة الجنرال في مقالتك أنعشت الاحكام المسبقة في ذهني .. ذكرتني بمبحث القانون والدولة الماركسي .. وبالذات -صفحة- الجيش باعتباره اداة قمعية في خدمة الطبقة المسيطرة .. ثانيا .. اعترف بأني منحازة لوزير الدفاع المصري وأرى من خلال متابعتي للشأن المصري بأنه يحمل الكثير وأحيانا ما فوق طاقته .. ذكرني ظهور السيسي المفاجيء في الشهور الاخيرة بقول لمراسل -دير شبيجل- في كتاب عن رحلة له في العديد من الدول الاسيوية ولقاءه بالكثير من السياسيين .. يقول أن البشرية في وقتنا الحالي تفتقد وجود شخصيات كبيرة في الفلسفة او الادب او النحت او في السياسة .. يقول الشخصيات المعاصرة التي قد تخطر في البال لا تعدو ان تكون منتجات للدعاية والتسويق .. وقد وافقته حينها الرأي بعد أن -عصرت- ذهني بحثا عن شخصية في المنطقة العربية تستحق صفة كبيرة فلم أجد .. ووجدته أخيرا في وزير الدفاع المصري .. فعذرا أذا كنت قد أزعجتك بتعليقي -الخشن- لاني اكتب ما يخطر ببالي فورا وأثق كثيرا بالانطباع الاولي .. تحيات القارئة جوان


5 - شكرا لجوان
مصطفى الجمال ( 2013 / 10 / 6 - 01:20 )
لا تعليق خشن ولا شيء.. فتعليقك أرق بكثير جدا مما تعودنا عليه في مصر.. وفيواقع الأمر أننا نتحدث في موضوعين مختلفين.. أنت اهتممت بالبحث في كلامي عما إذا كنت أؤيد السيسي أم لا.. أما أنا فكنت أبحث بتجرد- نسبي طبعًا- عن مستقبل هذه الظاهرة.. قائد عسكري يحقق شعبية طاغية في ظرف ثوري دقيق

اخر الافلام

.. -بلطجي الإسماعيلية-.. فيديو يُثير الجدل في #مصر.. ووزارة الد


.. جدل بشأن عدد قتلى الأطفال والنساء في قطاع غزة




.. أكسيوس: واشنطن أجرت محادثات غير مباشرة مع طهران لتجنب التصعي


.. مراسل الجزيرة: المقاومة تخوض معارك ضارية ضد قوات الاحتلال ال




.. جيش الاحتلال ينشر فيديو لمقاومين قاتلوا حتى الاستشهاد في جبا