الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سُباعيّة تمثيليّة الديمقراطيّة التمثيليّة (سلسلة مقالات) الحلقة الأولى

حبيب يوسف الخوري

2013 / 10 / 3
مواضيع وابحاث سياسية


مقدمة السباعية وقواعدها:


ديمُقْراطِيَّتُنا كَدِجْلَةَ الخَيْرِ تَجْعَلُ العَطْشى لِلْحُرِّيَّةِ رِواءً، أمّا ديمُقْراطِيَّتُهُمْ فكَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسِبُهُ الظَمْآنُ ماءً.*

*(مستوحاة من القرآن الكريم، سورة النور، آية 39)


الـ "نا" في "ديمقراطيتنا" ضمير يشير الينا، نحن سكّان هذا الكوكب ذوو معتقدات وانتماءات مختلفة ولكنّنا من نفس اللحم والدمّ. أمّا "الديمقراطية" هذه فهي تسمّى بـ "الديمقراطية المباشرة" وهي مِنّا ونضيفها الينا لتجعل من القرارات التي تحكمنا معبّرة عن ارادتنا الحرة، وليس عن إرادة من يدّعي تمثيلنا. فنحن أنفسنا نطرح المقترحات ونحن أنفسنا نصوّت عليها مباشرة بدون مجلس نوّاب أو ضحك على الذقون. إنّنا أنفسنا السلطة التشريعية ذاتها، أمّا مجلس النوّاب (البرلمان) فهو سلطة تنفيذية (الحكومة) لا غير، ننتخبها لتخدمنا وتنفّذ قراراتنا. ورغم كون أصل كلمة "الديمقراطية" اغريقي إلّا أنّ انتماءها اللغوي اليوم بات اممياً، ومعناها الحرفي في كلّ زمان ومكان واحد موّحد، ألا وهو سلطتنا، سلطة الشعب.

والـ "هم" في "ديمقراطيتهم" أيضاً ضمير إلّا أنّه يشير إلى هياكل اقتصادية منعدمة اللحم والدم، ألا وهي الشركات الاحتكارية "متعددة الجنسيات" (أو بالأحرى منعدمة الجنسيات). وهذه قد تبلورت سياسياً بشكل طغمة مالية عسكرية، وتحكمنا عن طريق ناس (أو بالأحرى خونة) منّا وتوظفهم كعملاء لها ضدّنا، فيدّعون تمثيلنا، والأسوء من ذلك إنّ البعض منّا ينتخبهم، وذلك في ظلّ نظام حكم ديمقراطيتهم البرلمانية الّذي يسود عالمنا اليوم. إنّ هذه "الديمقراطية"، والتي تسمّى بـ "الديمقراطية التمثيلية"، أيضاً مضافـ (ـة) وذلك الى مجمل وسائل تلك الهياكل الاقتصادية لتغليف ديكتا توريتها واحكام قبضتها على السلطة.


المدخل:

تفترض الديمقراطيّة نظاماُ سياسيّاُ يضمن مشاركة جميع المواطنين الراشدين، وعلى قدم المساواة، في تشريع القوانين الّتي تحكم مجتمعهم. وهي بذلك تتناقض مع الديكتاتوريّة، الّتي تنبذ مبدأ المساواة بين الجميع في رسم القرارات الّتي تحكم الجميع وتحصر ذلك الحق بالبعض فقط.

تميّز التاريخ السياسي للبشرية حتى القرن العشرين بهيمنة النمط الديكتاتوري الاوليغاركي او الفردي، ملكيّاً كان ام جمهوري. أما القرن العشرين فتميّز بعملية هيمنة عنصرين سياسيين متلازمين ومتناقضين، أحدهما ديكتاتورية الولايات المتحدة الأمريكية على النطاق العالمي والآخر النمط الديمقراطي في الحكم على النطاق الوطني وبالتحديد "الديمقراطية التمثيلية" (أي النيابية أو البرلمانية)، حيث ينتخب المواطنون ممثلين عنهم في المجلس التشريعي لينوبوا عنهم في التصويت على القرارات والقوانين التي تحكم مجتمعهم. واكتملت هيمنة العنصرين آنفي الذكر بسقوط المنظومة الاشتراكية وفي طليعتها الاتحاد السوفييتي نحو العقد الأخير من ذلك القرن.

إلّا أنّه إضافة للديمقراطية التمثيلية فقد عرف التأريخ نمطاُ آخراُ من الديمقراطية، ألا وهو "الديمقراطية المباشرة"، حيث لا يقوم المواطنون بانتخاب ممثلين أو نوّاب عنهم بل يشكّلون هم جميعهم المجلس التشريعي ويقومون هم أنفسهم بالتصويت مباشرة على مشاريع القرارات والقوانين التي تحكم حياتهم. وفي الواقع فأنّ هذه الديمقراطية والتي تدعى كذلك "الديمقراطية الخالصة" شكّلت أول حكم ديمقراطي عرفه التأريخ وذلك في أثينا أواخر القرن السادس قبل الميلاد. ولكون جميع المواطنين كانوا يُمَثِّلون المجلس التشريعي، بات ذلك النظام مصدراً لكلمة "الديمقراطية" ذاتها والتي تعني بالإغريقية، كما ذكرنا في المقدّمة، "سلطة الشعب". ولعلّ هذه الحقائق من التأريخ السياسي القديم هي أهم ما يجدر الانتباه اليه في السياسة المعاصرة، إذ يُمكن لأسلوب حكم "الديمقراطية المباشرة" الأصيلة والحقيقية ارواء عطش بشرية القرن الـ 21 للنقاء السياسي والتسيير الذاتي.


الأهداف:

لا تستهدف هذه السباعية تقديم انتقادات ونصائح أخلاقيّة حول حسنات أو سيئات الديمقراطيّة والديكتاتوريّة، فالخير والشرّ مفهومان نسبيّان. كما وإنّها لا تقصد الخوض في تفاصيل أو تجريدات مفهوم الديمقراطيّة الرسميّ والسائد سياسيّاً وإعلاميّاً، فالواقع الثقافيّ مشبّع بكليهما إلى حد التخمة والمتاهة الذهنيّة.

عوضاً عن ذلك يجري تسليط الضوء على الصورة الكاملة للديمقراطيّة الّتي تعمل المؤسسات الاعلامية والتعليمية المهيمنة في عالمنا على اغفالها او تغافلها، جهلاُ أم عمداُ، وتريدنا أن نؤمن أنّ جوهر الديمقراطية قضيّة مسلّم بها وغنيّة عن التعريف، فتغرقنا بتفاصيل عقيمة تحجب رؤية "الديمقراطية" في كليّتها.

إنّ هدف هذه المقالة، والّذي يتعارض مع الايديولوجيّة السائدة في عالمنا المعاصر، هو عرض "الديمقراطيّة المباشرة" كضرورة سياسية وعملية تاريخيّة تنمو داخل النظام الاقتصادي-الاجتماعي الرأسمالي القائم وبالضدّ من طابعه الاحتكاري وجوهره الديكتاتوري، فتعمل مؤسساته على تحييدها وتزييفها لتمويه ضرورتها. ولتحقيق ذلك يقوم نظامه السياسيّ على تقمّص شخصيّة تلك الديمقراطيّة الحقيقيّة "المباشرة"، بشكل ديمقراطية "تمثيلية"، وتسعى وسائله ومؤسساته التشريعيّة والعسكريّة والاعلاميّة والتعليميّة والاستخباراتيّة والاقتصاديّة وغيرها على إقحام تلك الشخصيّة الوهميّة (الّتي ابتكرها) في عقول الناس وفرضها على واقعهم. وتقود هذه العمليّة السياسيّة الدوّل الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الاميركيّة بشخص ديمقراطيّتها التمثيلية.

ويتوخى هذا العمل المساهمة في تطوير وتوضيح الرؤى النظرية والتأريخية لحركة "الديمقراطية المباشرة" ومنظماتها العالمية والوطنية المعاصرة، وتمهيد الطريق أمام تأسيس منظمات جديدة وخاصة في البلدان التي تفتقر لها، ومنها وطني الدامي العراق.

إنّ هذا العمل يستهدف جميع الناس ومن مختلف المناحي والانتماءات، وفي مختلف التنظيمات والمؤسسات الحكومية وغير الحكومية المهنية والنقابية والحزبية والإعلامية والمدنية والعسكرية والدينية والاجتماعية والوطنية والقومية والاممية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران