الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أفسحوا لحماس مكانة تليق بها

حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)

2005 / 5 / 26
القضية الفلسطينية



من عادة المشتغلين بعلاج الجانب النفسي الروحي، أن يشددوا على ضرورة أن نرى النصف الممتلئ من الكأس.. لا النصف الفارغ منه.. وأنا، وبحكم اهتمامي بالعلاج النفسي الروحي للفرد والجماعة، لا أرى في الاختلاف بين حركتينا الكبيرتين، حماس وفتح، الناشئ على خلفية نتائج الانتخابات المحلية، ما يقلقني: فلم ترسل لي حاستي السادسة، أية إشارات تحمل إنذارات بوقوع خطر قد يترتب على ما شاهدته ساحتنا السياسية في الأيام الأخيرة من سخونة في الحوار تبادلته قيادات من هذا الفريق وذاك.. نعتقد نحن المشتغلين بعلاج النفوس والقلوب، خاصة على المنهج الروحي الذي أنتمي لمدرسته، كما يعتقد عامة الناس لما ورثوه من الحكمة التي تستقيها المجتمعات من تجارب الحياة، أن العتاب بين الأخوة أسلوب من أساليب تفريغ شحنات سلبية ربما زادت وتفاقمت حتى بلغت حد الاحتقان.. ولا أرى في كل ما حصل من تراشق الكلام بين إخوتنا في فتح وإخوتنا في حماس، إلا أنه العتاب الذي يظهر منه، ما تختزنه نفوسنا جميعا من الحب المتبادل ومن الرغبة العميقة في أن نتوج تضحياتنا الكبيرة ببناء مجتمع مدني يليق بشعب الأرض التي أهدت للإنسانية جمعاء أحد أعظم رجالها، أعني السيد المسيح رمز التضحية ورمز ثورة الإنسان على الظلم ورمز الحب أيضا.. نحن أيضا شعب الأرض التي قصدها الأنبياء العظام إبراهيم وموسى ومحمد..
إن التباين في وجهات النظر وفي الأحكام والمناهج مشروع.. بل إن الحياة ستغدو مستنقعا راكدا ثم عَفِنا إذا ما نأت عن التجديد والتباين في الأحوال وتجاوز اللحظة وإبداع حالات متفوقة على ما أبدع التاريخ في ماضيه.. دون تجديد فإن الحياة موت!! والتباين في الرأي يخلق مناخ التجديد.
ونحن عندما رحبنا جميعا، بتحول حركتنا حماس من صورتها الجهادية العسكرية إلى صورة جهاد مدني (= من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر كما قال نبي المسلمين محمد صلوات الله وسلامه عليه) من خلال آلية الانتخابات، فإنما فعلنا ذلك، لأن مشاركة حركة حماس في الحياة المدنية سيخلق مناخا للتجديد نحن بحاجة إليه، خاصة بعد أن حظيت حركة فتح بفرصة تجريب قيادتها للمرحلة السابقة فوقع منها الصواب ووقع منها الخطأ.. وكان من الخطأ الذي تبدو فتح أنها ترغب في تجاوزه، هو خطأ التفرد في الحكم وإقصاء الأطراف الأخرى بدعاوى لها في بعضها صواب وفي بعضها خطأ.. لكن، وأيا كان قدر الصواب في التفرد بالرأي والحكم، فهو أمام صوابية الاشتراك في الرأي وفي الحكم قدر ضئيل.. ففي حياة هي لنا جميعا، لا بد أن نصنعها جميعا.. وأستذكر هنا ما كان يردده الشيخ الشهيد أحمد ياسين علية رحمة الله وعلى كل شهدائنا، من قول: "شركاء في الدم.. شركاء في القرار".. وأحسب أننا جميعا الآن، على اتفاق تام على هذا المبدأ الذي لن تستقيم لنا حياة، إن تجاهلناه في التفكير أو في التدبير..
وسّعت حركة حماس من دائرة حضورها في حياتنا الوطنية، ولم تعد تنحصر في جانب العمل العسكري وحده ضد العدو الإسرائيلي، الذي يحتل الأرض، ولكنها تضع قوتها الآن وراء مشروع بناء الحياة المدنية الذي هدفه توفير مناخ الحرية والحياة الكريمة للمواطن. وقالت قيادة حماس ممثلة في شخص الدكتور محمود الزهار، إن غرضها من مشاركتها في الانتخابات المحلية والتشريعية هو محاربة الفساد.. وكنت أتمنى لو أن حركة حماس، كرست قوتها منذ البدء لمقاومة الفساد الذي صاحب تجربتنا العامة، وهو في تقديري، ليس فسادا عائدا للمتنفذين في أمر الحياة السياسية العامة حسب؛ ولكنه عائد أيضا، وبدرجة أخطر، للمناخ الاجتماعي الذي يمنح فساد المتنفذين بيئة ترعاه وتغذيه.. كنت أتمنى لو أن حماس بذلت ما تقدر عليه من جهد، لإصلاح النفوس والعقول، ولتعرية الفساد بمنهج الحب الذي كان النبي الكريم محمد ينتهجه لإصلاح الناس فردا فردا قبل إصلاح الجماعة كيانا سياسيا واقتصاديا وثقافيا.. وحماس هي فصيل من تنظيم الإخوان المسلمين الذي وضع تربية الفرد على رأس أولوياته، وهو يخطط لإصلاح المجتمع، وفق منهج الإسلام..
قد تكون حماس قد جاءت متأخرة عن الموعد الذي تمنيت لو جاءت إليه، قبل هذه الحقبة بزمن طويل.. أما وقد جاءت الآن، فمرحا ألف مرحا بمجيئها..
فإذا هي قد جاءت لتشارك في بناء حياتنا المدنية من باب الانتخابات، فإنها قد جاءت من الطريق الصحيح.. وأحسب أن السخونة في احتجاج حماس على عدم الإقرار بفوزها في الانتخابات المحلية، في مناطق قالت النتائج الأولية أنها فازت فيها، هي السخونة في ردة الفعل التي يبديها أحدنا إذا صدمه واقع يحبط حماسه وهو مُقـْْدم إقدام المخلص النشط، للمشاركة في خير للناس كافة.. أشعر أن حماس قد تألمت لاعتقادها أن القضاء الذي قضى بفساد الفوز الذي حققته في بعض المراكز، قضاء ينتمي إلى حقبة تسعى حماس إلى دفعنا لأن نتجاوزها.. وأما أنا، فإني لا أملك الدليل على فساد حكم القضاء، ولكني لا أتهم حماس في أن موقفها من القضاء في حكمه بفساد فوزها في بعض المراكز الانتخابية، هو موقف لا يقبل التفسير، أو لا يستند إلى وقائع.. فالرأي، كل رأي، يحتاج إلى دليل، وأنا لا أمتلك الدليل على صحة أو بطلان حكم القضاء لغير صالح حماس، ولا على صحة أو بطلان موقف حماس من القضاء الذي قضى لغير مصلحتها. ولكنني أمتلك الإيمان بأن العقل المحب وحده، هو الذي يمنحنا الأداة الأسلم لعلاج خلافاتنا، والعقل المحب وحده، هو الذي يطهر عقولنا من مرض التحيز للمصلحة الذاتية وللعصبية بكل أشكالها.. العقل المحب وحده، هو المنهج الذي أشدد على أهميته ونحن نتطلع إلى بناء مجتمع مدني نبنيه معا.. نبنيه لنا كلنا.. نبنيه بسواعدنا وبقلوبنا المنفتحة وبعقولنا المتنورة.. لنبني في المتاح لنا من فلسطين، تجربة إنسانية متقدمة، فنجعل منها صورة جديدة للنبوات التي ارتبطت بأرضنا؛ لكنها هذه المرة، صورة نبوة تستوحي مبادئ النبوة العظيمة ولا تحصرها ظروف وأدوات النبوات التي كانت تسود عصورنا الماضية.. وأحسب أنها صورة لنبوة منفتحة بالحب ومستنيرة بالعقل، وأنها ستمتلك سلاحا جديدا وذا مضاء، في حربنا ضد فساد الإنسان المتمثل في الكيان الصهيوني المنغلق بعدوانيته وعنصريته وراء ظلامية التاريخ وضلالاته..
أفسحوا لحركتنا حماس، مجالا يليق بحجمها، وبتراثها الذي هو تراثنا جميعا.. فإن فعلنا ذلك، فإننا نكون قد انطلقنا من بداية يقول العقل المحب المستنير إنها البداية الصحيحة، لبناء مجتمع مدني يليق بتاريخ فلسطين، وبتضحيات شعبنا!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المنتخب الإنكليزي يعود من بعيد ويتأهل لربع نهائي مسابقة أمم


.. أسير محرر يتفاجأ باستشهاد 24 فردا من أسرته في غزة بعد خروجه




.. نتنياهو في مواجهة الجميع.. تحركات للمعارضة الإسرائيلية تهدف


.. أقصى اليمين في فرنسا يتصدر الجولة الأولى للانتخابات التشريعي




.. الغزواني يتصدر انتخابات موريتانيا