الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سُباعيّة تمثيليّة الديمقراطيّة التمثيليّة (سلسلة مقالات) الحلقة الثانية

حبيب يوسف الخوري

2013 / 10 / 4
مواضيع وابحاث سياسية


كان يا ما كان نظامان، رأسمالي واشتراكي، في جبهة تمثيلية واحدة

منذ سقوط المنظومة الاشتراكية قبل حوالي الربع قرن وحتّى الاَن يسود عالمنا نظام "الديمقراطية التمثيلية" اَنف الذكر، كما وتسود اعلامياً وايديولوجيّاً فكرة اعتبار أنظمة الحكم السياسيّة في الولايات المتحدة الامريكية والبلدان الأوروبيّة الغربية نماذجاً لهذه الديمقراطيّة يقاس عليها ويقتدى بها.

ونظام الحكم الديمقراطي التمثيلي هذا، وبالتحديد حكم نخبة منتخبة من قِبَل الأغلبية من الناخبين (ويرجى الانتباه هنا الى أنّ تلك الأغلبية هي من الناخبين الّذين يصوتون فعلاً وليس الأغلبية من مجموع الناخبين المؤهلين للانتخاب إذ يجري إغفال متعمَّد للذين يمتنعون عن التصويت)، صار شرطاُ في معظم الحالات والأحيان لمشروعية أية حكومة في البقاء. وبات شرطاً يروق للدوّل الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة الامريكية الادّعاء باعتماده في مواقفها من الدوّل الأخرى. والظريف إنّه أضحى شرطاً ايديولوجياُ تلتقي حوله معظم القوى السياسية بأيديولوجياتها المختلفة من اليمين واليسار والوسط، حاكمة كانت أم معارضة، فاشيون وليبراليون وشيوعيون ومحافظون. وأصبح شرطاُ يمليه البنك الدوّلي وصندوق النقد الدوّلي لمنح قروضهما. وشرطاً متميّزاً تحلوا لمختلف المؤسسات الإعلامية تبيان تبنّيه كمعيار لموضوعية اعلامها. وحتى أنظمة الحكم غير الديمقراطية من الفاتيكان وحتى المملكة العربية السعودية استخدمته وتستخدمه كمبرر لدعمها لدوّل معيّنة كالولايات المتحدة الامريكية أو دعوتها لتغيير نمط الحكم في دوّل معيّنة أخرى كالاتحاد السوفييتي سابقاً.


السرّ المبين من ثنايا القرن العشرين

لعلّ أهم حقيقة كانت مخفيّة عن أجيال القرن العشرين هي أنّ الجوهر التمثيلي، الذي يظهر كصفة ملازمة للديمقراطية التمثيلية، كان قد ظهر أيضاً كصفة ملازمة لنمط آخر من الحكم، ألا وهو ديكتاتورية البروليتاريا في البلدان الاشتراكية منذ نشوئها في روسيا عام 1917 وحتى انهيارها أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من القرن الماضي. وكان النظامان المهيمنان آنذاك يدّعيان تحقيق الديمقراطية الحقيقية بمعناها الحرفي كـ "سلطة الشعب". فالنظام التمثيلي الديمقراطي الرأسمالي في بلد معيّن كان يدّعي أنّ مجلس حكمه يمثّل إرادة الشعب الحرّة لأنّه منتَخَب (وهو بذلك يظهر فلسفياً ومنهجياً كاستقراء تجريبي للأصوات، وهو اتجاه فشل فلسفياً على يد الفلاسفة هيوم وكانط وخاصة هيغل)*، والنظام التمثيلي الاشتراكي في بلد معيّن كان يدّعي أنّ حزبه الشيوعي ومجلس حكمه يمثّلان إرادة الشعب الحرّة لأنّهما يديران القطّاع العام لصالح الشعب ويضمنان سيادته في الاقتصاد (وهو بذلك يظهر فلسفياً ومنهجياً كاستنباط عقلاني لمصالح الناس، وهو ايضاً اتجاه فشل فلسفياً على يد الفلاسفة هيوم وكانط وخاصة هيغل)* [انظر مقالتي "خطوة الى الوراء خطوتان الى الامام: بصدد تحديث الفلسفة الهيغلية" في موقع "الحوار المتمدن"]*. وكان كلّ من النظامين يعتبر نفسه ديمقراطياً وبديلاُ للديكتاتورية ويتّهم الأخر بالديمقراطية المزيّفة والديكتاتورية.

كما وقامت أجهزة إعلام وتعليم ذلكما النظامين بغرس الخوف في وعي ولاوعي الناس من أنّ الوقوف الى جانب معسكر النظام الاَخر قد يؤدّي الى الخيانة العظمى، أمّا الوقوف الى جانب نظام بلدهم فيتّسم بالوطنية.

إلّا أنّ أهم حقيقة في القرن العشرين، إضافة الى صفة تمثيل الناس (أو الادعاء بذلك)، كمنت في تخويف الناس من قِبَل كلّ من ذلكما النظامين السياسيين المتناحرين والسائدين من كون البديل الوحيد له لا بدّ وأن يكون ديكتاتورياً. وبذلك كان النظامان، في واقع الحال، في جبهة واحدة تقود ما يُفترَض أن تكون سلطة "تمثيل" الشعب بالضد من سلطته المباشرة عِبْر "الديمقراطية المباشرة".


يسحقونا ويهشمون مستقبل اطفالنا باسمنا وبالنيابة عنّا

وباسم تلك "الديمقراطية التمثيلية" و "تمثيل" الأمة خيضت الحرب العالمية الثانية وقُتِل أكثر من 50 مليون انسان، وقُصِفَت كلّ من هيروشيما وناكازاكي بالقنبلة الذرية وارتُكِبَت العديد من الجرائم الأخرى كالحرب الأمريكية-الفيتنامية والعربية-الإسرائيلية والعراقية-الإيرانية وغيرها والتي أدّت الى قتل وتعويق الملايين والملايين والملايين من الناس. وباسمها جرت وتجري عمليات تعذيب وتجويع البشر في مختلف بلدان العالم، وجرى تهجير وتشريد اليهود والفلسطينيين في عام 1948 وبعده، واحتلال العراق وتدميره حضاريّاً (وتكبيله بـ 6 ترليونات دولار من الديون الاستعمارية!!!!! وزرع كيان مُخيف في عاصمته اسمه الرسمي "السفارة الامريكية" ويحوي على طاقم يزيد على الـ 15 ألف موّظف!!!!!!!)، إضافة الى التدمير الحضاري للعديد من البلدان الأخرى كلبنان وسوريا، والحبل على الجرّار. وباسم تلك الديمقراطية تجري اليوم في الدوّل الرأسمالية المتطورة عمليات التقشف ضمن محاولات حل الازمة الاقتصادية على حساب المستوى المعاشي لأغلبية الناس ليس في تلك البلدان فحسب بل وفي العالم أجمع، وكلّ ذلك باسم تمثيل الناس رسمياً في اقبيّة المجالس التشريعية، وقمع احتجاجات الناس الفعلية في الشارع. ولنفس الغرض يجري شراء الشركات والبنوك الخاصة المفلسة او شبه المفلسة من قبل القطّاع العام بأسعار باهظة باستخدام ضرائب الناس، ولدى توّفر الظروف الملائمة ارجاعها للقطّاع الخاص بأسعار زهيدة. كما وتقوم استخبارات الدوّل الكبيرة وخاصة الولايات المتحدة الامريكية بالتجسس على مختلف الدوّل في العالم وتستخدم شبكات التواصل الاجتماعي والمكالمات التلفونية والبريد الالكتروني للتجسس على الناس، وكلّ ذلك باسم تمثيل الناس رسمياً. ولا تتسع هذه المقالة لذكر العديد من الجرائم البشعة الأخرى بحق البشرية وبيئتها والحياة عموماً التي ارتُكِبت وتُرتَكب باسم هذه "الديمقراطية التمثيلية".


هناك شبح يجول في العالم، الا وهو شبح الديمقراطية المباشرة

لقد قامت وتقوم الأجهزة الإعلامية والتعليمية والسياسية الرسميّة ومعظم الأحزاب والحركات السياسية يسارية كانت أم يمينية أم وسطية، جهلاً أم تجاهلاً، بأغفال حقيقة وجود بديل ديمقراطي فعليّ وفعّال للديكتاتورية ولذلكما النظامين السياسيين ولعنصر "التمثيلية" السائد في عصرنا، الا وهو "الديمقراطية المباشرة" ذات اصالة ترجع الى ما يزيد عن الألفين والخمسمائة عام.

وفي الوقت الذي كانت الأحزاب الشيوعية الحاكمة وغير الحاكمة في القرن العشرين تكشف حقاً عن زيف "الديمقراطية التمثيلية" في البلدان الرأسمالية، كانت تطرح باطلاً بديلها على هيئة "الديمقراطية الاجتماعية" والتي يتمّ تجسيدها الأمثل على أساس قانون "من كلّ حسب طاقته، لكلّ حسب حاجته" في مجتمع شيوعي مستقبلي! والطريق (الذي يطرحوه) الى ذلك هو "ديكتاتورية" الحزب الشيوعي التي "تمثّل" مصالح البروليتاريا!!! إنّ طرح موضوعة "الديمقراطية الاجتماعية" في هذا السياق هو خلط للأوراق، وإمّا يدلّ على جهل يُعزى الى ضحالة نظرية أو تجاهلاً لضرورة "الديمقراطية المباشرة" لتبرير ديكتاتورية الحزب الستاليني. إلّا أنّ هذه السباعية لا تتسّع لمزيد من التفصيل في هذه الموضوعة، ويكفي التأكيد على حقيقة أنّ "الديمقراطية الاجتماعية" لا يمكن الوصول اليها إلّا عبر "الديمقراطية المباشرة" وسعادة الشعب لا يمكن تحققها إلّا عِبر سلطة الشعب أي حريّته.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تشاسيف يار-.. مدينة أوكرانية تدفع فاتورة سياسة الأرض المحرو


.. ناشط كويتي يوثق آثار تدمير الاحتلال الإسرائيلي مستشفى ناصر ب




.. مرسل الجزيرة: فشل المفاوضات بين إدارة معهد ماساتشوستس للتقني


.. الرئيس الكولومبي يعلن قطع بلاده العلاقات الدبلوماسية مع إسرا




.. فيديو: صور جوية تظهر مدى الدمار المرعب في تشاسيف يار بأوكران