الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسفار الحزن في رحلة حمار

سعد محمد موسى

2013 / 10 / 5
الادب والفن



في هدنة ليلية قصيرة، كان جميع المقاتلين يتربصون بهلع أثناء معارك الفلوجة، التي قامت بين مشاة البحرية الامريكية وفصائل عراقية مقاتلة، وأثناء هذا الترقب، قد أربكت جنود الأميركان، حركة غريبة في داخل معسكرهم، فتأهب الجميع لإطلاق النار؛ إلاّ ان أحد الجنود الخفر، صرخ بأعلى صوته ،لاتطلقوا االنار.. لاتطلقوا النار ، هنالك جحش صغير، يبحث عن الطعام في مطبخ الكتيبة..!! .
القى الجنود بنادقهم جانباً، بعد أن تنفسوا الصعداء، ثم استيقظ (الكولونيل جون فولسوم) من نومه العميق مغادراً كابينته صوب المطبخ ، ليطلع على الأمر ، تقرب من الجحش الجائع، الذي كان يقضم الجزر واوراق الخس .. ضحك الكولونيل مداعباً الحمار اليتيم الصغير ذو اللون الرمادي. أمر حينها الاحتفاظ بهذا الجحش الجميل في الكتيبة والاهتمام به. عاد الكولونيل إلى فراشه ، كي يكمل نومته، لكنه لم يستطع ، فقد أخذته تلك الحادثة حيث مزرعته بولاية نبراسكا البعيدة ،وخيوله العزيزة والمدللة فيها .
في الصباح الباكر، نهض الجنود بفضول للتعرف على هذا الضيف الغريب .. قفز أحد الجنود معانقاً الجحش وهو يصيح ياله من حمار جميل ، إنه " سموكي " ، فأخذ الجميع ينادي الحمار" أبو صابر " ذا اللون الدخاني، باسم "سموكي" . عاش سموكي محبوباً ومدللاً، رغم الحرب الضروس ، وهلعه الدائم من أزيز الطائرات واطلاق النيران المستمرة. كان أغلب الجنود والضباط يرسلون بصور سموكي الى أطفالهم وعوائلهم في أمريكا، و لاسيما أنه كان يذكرهم بالحمار في الفيلم الإمريكي الشهير "شريك" ، كان مرحباً بدخوله الى مكاتب الضباط ، وأن يبحث في صناديقهم ودواليبهم عن وجباته المفضلة من شوكولاه وجزر وتفاح.
ذات يوم دخل "سموك" الى كابينة أحد الضباط من ذوي المزاج الحاد وغيرالمحبوب ، فالتهم أوراق وتقارير عسكرية كانت موضوعة فوق طاولة الضابط ، وداس الحمار أيضاً علبة دخان الضابط الفظ .. فصرخ الضابط بــ"سموك " غاضباً ثم ركله خارج الكابينة. اشتكاه الضابط الى الكولونيل ، مقترحاً إبعاد الجحش خارج الكتيبة. فقرر الكولونيل إيداعه عند رجل قروي من أهالي الفلوجة ، ليحتفظ به مع قطيع الحيوانات في مزعته حتى يكبر قليلاً ، سيعيده الى الكتيبة . وبعد أيام عاد " سموك" الى الكتيبة ، فاستقبله الجنود بحفاوةٍ. قرر بعدها الكولونيل أن يبقيه في داخل المعسكر ، فتعلق الجميع بهذا الحمار.
اعتاد الجنود سماع نهيق "سموك" المحبوب، وكانوا يعرفون أوقات نهيقه المنتظم كل يوم . ومن أكثر المشاكسات التي كان يتذكرها الكولونيل "جون " والجنود وهم يضحكون بعمق، حين تقرب الضابط الفظ ، والذي كان سبباً بابعاد "سموك " من الكتيبة .. محاولاً إبعاده عن بوابة الكابينة ، لكن "سموك " تذكر الضابط العبوس، فرفسه واسقطه أرضاَ. في إحدى الليالي، باغت المقاتلون المعسكر بالاسلحة الخفيفة، فاشتد القتال، واستغرقت المعركة زهاء الساعة. بعدها انسحب المقاتلون تحت جنح الليل، وتفقد الجنود بعضهم، ثم حملوا الجرحى الى طبابة الكتيبة . قد شاهد أحد الجنود، أن "سموك" ملقى على الأرض وهو يرفس وينوء وسط بركة من دمه ، فحمله الجنود في الحمالة الى الطبابة وكانت إصابته في الفخذ الايمن بعيار ناري طائش. تلقى "سموك "العلاج في مستشفى الوحدة الرئيسة، وبعد بضعة أسابيع ، جاءت عربة الأسعاف بالسيد "سموك" الى الكتيبة.
انتهت الحرب في الفلوجة، انتقلت الوحدة إلى مكان آخر في مدينة الأنبار، جاء بعدها قرار انسحاب القوات الامريكية عام 2008. ومن ضمنها كانت كتيبة المشاة البحرية. تأهب الجنود لمغادرة العراق، بقى الكولونيل قلقا على بقاء "سموك " في العراق وحيدا . فطلب من المسؤولين ، الموافقة على اصطحابه إلى أمريكا ، لكن السلطات العسكرية رفضت طلبه . استعان الكولونيل بطبيب نفسي بالبحرية، لتصنيف "سموك "كحيوان ورفيق للعلاج، لأنه ساعد من تخفيف الشعور بالإجهاد بين جنود المعسكر. وقد نجح الكولونيل بعد اجراءات طويلة وصعبة لأخذ الحمار العراقي سموكي الى أمريكا .... وحين وصول "سموك" الى مطار نبراسكا، كان في استقباله الكثير من المعجبين الذين سمعوا وشاهدوا صوره،وكانت أيضا بعض القنوات التلفزيونية الامريكية والعالمية، تحيط به لدى وصوله الى أرض غريبة .
ثم جاءت عجلة، نقلت "سموك" الى مزرعة الكولونيل الواسعة والهادئة في شمال أوماها بولاية نبراسكا. والتي كانت تضم مجموعة من الخيول الصغيرة. شعر "سموكي" منذ الوهلة الأولى، بأن كل ما يحيط به في المزرعة غريباً عليه ... المناخ والطعام والطبيعة وحتى حيوانات المزرعة. عاش "سموكي " بعزلة في زريبته، عادة ماكان يتطلع "سموكي" الى آفاق المزعة المترامية الأطراف، الهادئة والخالية من رهاب ورعب الحرب ، فلم يكن سعيدا بحضوره فيها ..
ذات يوم كان "سموكي" اليتيم " يراقب قطيع خيول المزرعة ، وهو يطيل النظر إلى نزق ودلال المهر الصغير ، ومماحكاته لأمه ، فحن إلى مداعابات أمه في مزرعة أحدى قرى الفلوجة ، وتذكر كيف قتلت، حين قذفت الطائرات بحممها الفتاكة فوق المزرعة وبيوتاتها، وشاهد أمه تسقط مضرجة بالدمائها فوق العشب الأخضر.
حزن " سموك " أصابه الخمول ، وفقد شهيته للطعام ، بات رافضا لما يقدم إليه منه .
حاول جاهدا الطبيب البيطري و مع جون في أن يساعدوا "سموك " ليتشافى ، وأن يختلط مع خيول المزرعة
لكنهم فشلوا في تطويعه ، وفي صباح بارد والأخير له ،كان "سموك" يتأمل أرض المزرعة الموحشة والمغطاة بالثلج ، وسمائها الرمادية المثقلة بالغيوم ، حاول " سموك" أن يستعيد آخر صدى لذاكرة المزرعة البعيدة حيث وطنه وشمسه وأمه . باغتته إغفاءة أطبقت على جفنيه الحزينتين المغرورقة بالدموع ، مودعا ذكرياته وحياته خارج أسوار الوطن.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فايز الدويري: فيديو الأسير يثبت زيف الرواية الإسرائيلية


.. أحمد حلمى من مهرجان روتردام للفيلم العربي: سعيد جدا بتكريمي




.. مقابلة فنية | الممثل والمخرج عصام بوخالد: غزة ستقلب العالم |


.. احمد حلمي على العجلة في شوارع روتردام بهولندا قبل تكريمه بمه




.. مراسل الجزيرة هاني الشاعر يرصد التطورات الميدانية في قطاع غز