الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب الشعب الديمقراطي السوري و- الحلقة المفقودة-

عماد يوسف

2005 / 5 / 27
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي


قد تفرض أو تحتّم لحظة تاريخية ما، شرط تغييري منهجي وفكري وسياسي لسلطة قائمة، أو دولة يحكمها نظام الحزب الواحد، فيتحول إلى إتجاه آخر يعاكس الأول تماماً ويتعارض معه، فيشكل بذلك قطيعة تاريخية مع ماضيه السياسي والفكري و الاقتصادي حتى .غالباً ما حصل ذلك في التجارب الحديثة من عمر الدول تحت شروط تاريخية قاسية، فرضتها تحولات اقتصادية أو هزائم حربية عسكرية، أو قد تكون نتيجة صراع لقوى دولية كما حصل في الاتحاد السوفييتي السابق، ومنظومة الدول الاشتراكية في نهاية الثمانينات وبداية التسعينات وتحول هذه النظم الشيوعية الماركسية إلى أنظمة ديمقراطية ليبرالية، أو كما حصل في مصر مثلاً في مرحلة ما بعد اتفاقيات كامب ديفيد عام 1979 وتحول السادات بإتجاه الليبرالية كمنظومة اقتصادية، وإبتعاده عن الخط القومي العربي كنهج سياسي فاتحاً ذراعيه للغرب تجمعه به مصالح الجمهورية المصرية بحدودها الجغرافية السياسية، ولكن هذا التغيير حتمّ أيضاً تفكيكاً وحلاً للكوادر والنظم المعرفية السابقة، وإعادة إنتاج بنى جديدة وكوادر جديدة تتفق وطروحات التبدل المنهجي والفكري والبنيوي في نظام هذه السلطة أو تلك، وهذا ما حصل في الإتحاد السوفييتي عندما جاء يلتسن ممتطياً ظهر الدبابة ليلغي بنى وتركيبة النظام الشيوعي الروسي بكل تعابيره و إسقاطاته في المجتمع الروسي. هذا التغيير لم يلغ ِ الأحزاب القديمة بحد ذاتها، وبقيت التنظيمات تمارس نشاطها في الساحة السياسية الروسية، فالحزب الشيوعي في روسيا ما زال موجوداً ويمارس نشاطه ضمن منظومة عمل ديمقراطية في إدارة نظام الدولة، وهذا ينطبق أيضاً على بلد مثل مصر، فالتيار الناصري مازال موجوداً بقوة في الشارع المصري والعربي ولم يتبدل في نهج هاتين التجربتين أي شيء سوى إبتعادهما عن إدارة الدولة والعودة إلى صفوف الشارع كقوى سياسية مجتمعية.
هذا يكون عادة على مستوى الدول، أما أن يأتي حزب ما، ليس في سدّة السلطة، ولا يمتلك أي تأثير جماهيري على مستوى الشارع، وعدد كوادره لا يتجاوز عدد متفرجي كرة الطاولة في مباراة محلية على تغيير نهجه، وفكره ومصادره المعرفية، وأن يتحول من إيديولوجيا شيوعية ماركسية متأصلة ترى العالم من منظور يساري ماركسي، إلى تيار ليبرالي توفيقي يحمل في برنامجه السياسي طروحات أكثر ما ’يمكن أن ’يقال فيها بأنها بيان ختامي لمنتدى على مستوى مدينة صغيرة أو كبيرة لافرق؟!! فهذا ما ’يصيب المرء بالدهشة ويقدم لنا دليلاً قاطعاً على نقص الوعي السياسي ومفهوم الحزب الذي يظنه البعض أداة أو ثوبأً ’يمكن تبديله بين الفينة والأخرى بحسب ما تقتضيه الضرورة الموضوعية واللحظة التاريخية لمجتمع بذاته، فكيف إستطاع هكذا حزب أن ينتقل برؤيته من الماركسية الشيوعية إلى الليبرالية التي تحمل في تعريفها نفسه مفهوم خدمة مصالح فئة معينة من الناس دون غيرهم، غير آبهين بالعالم الذي يعيشون فيه سوى بما يخدم مصالح هذه الفئة من التجمع البشري الذي من المفروض أن يكون مصقولاً برؤية شمولية للخلاص البشري والانساني، في تحديد شكل الصراع بين الخير والشر، وبين الحق والباطل، وبين المستغِل والمستغَل ؟! هذا التبدّ ل الخطير يحتّم’ شكلاً آخر من أشكال العمل السياسي، ذلك ما يجب أن توفره شروط موضوعية لتجارب معينة يكون قد مرَ فيها هذا الحزب وهو في سدّة السلطة مثلاً، أو لإنتفاء صراع عالمي مازالت تعيشه البشرية حتى يومنا هذا ومازال هذا الصراع يستطيل ويمتد مطوراً ذاته بأساليب حديثة تنتجها النظم الرأسمالية في إدارة شؤون هذا العالم، وآخر هذه الارهاصات كانت نظم العولمة بتجلياتها وتعبيراتها القائمة على إفقار الآخر على كل المستويات..
لم يحصل هذا ولا ذاك في تجربة حزب الشعب السوري الديمقراطي بعد أن تخلّى عن نهجه السياسي والفكري والنظري والتطبيقي، مشكلاً قطيعة تاريخية كبرى مع تاريخ لهذا الحزب إستمر أكثر من ثلاثين عاماً، تخللتها تبدلات كثيرة، ففي السبعيينات من القرن الماضي تمرد هذا الحزب على الأممية ومركزها موسكو، وأخذ ينحى بالإتجاه العربي القومي ولكن من منظور ماركسي !! استمر ذلك حتى بداية الثمانينات حيث بدأ هذا الحزب يتعاطف مع المد الأصولي الديني الاسلامي الظلامي الذي حمل راية العنف والقتل ولغة الدم في حركة اعتبروها سياسية، مع أنه من أهم شروط العمل السياسي هو العمل السلمي، ومع ذلك ’يقال بأن هذا الحزب قد إلتقى في بعض طروحاته مع هذا التيار الديني، بعد ذلك جاء القمع من السلطة لكل التيارات اليمينية واليسارية، ما أسس لشرخ كبير بين السياسة والمجتمع ، حتى لحظة خروج بعض الكوادرلهذا الحزب من السجن ما بعد منتصف التسعينات، ليروا بأن العالم تغير وتبدل خلال هذه السنوات العشر، ويكتشفوا بأن الماركسية أصبحت بضاعة غير رائجة ربما، والعالم يجب أن يتجه بإتجاه الليبرالية الاقتصادية والسياسية، هكذا قرر ما يقارب المئتي شخص بأن هذا العالم قد ضاق جداً على الماركسية وكان الخيار الأسهل أن نتبدل فوراً في لحظة واحدة إلى الليبرالية دون تقديم أي مسوغ من مسوغات هذا التبدل، أو حتى أن يكلفوا أنفسهم عناء وضع أو تقديم مبررات فكرية ونظرية لهذا التغيير والانعطافة بإتجاه معاكس جداً يساوي 180 درجة مئوية، أو حتى دون أن يبينوا المنابع الفكرية التي اعتمدوا عليها في هذا التحول الخطير لحزب بهذا التاريخ النضالي العريق، وهذا ما ’يثبت بأن هذا التاريخ النضالي يعود الفضل فيه إلى كوادر هذا الحزب وليس إلى قيادته، تلك الكوادر التي كانت تعتقد نفسها بأنها تسير بإتجاه النضال في سبيل مبادءها في رؤيتها للعالم بما تربّت عليه من ثقافة وفكر وتحليل ! لم يكن هؤلاء يعلمون بأن المسألة هي مسألة تجارية، فالحزب يبدو في مفهومهم حالة تخضع للسوق وقانون العرض والطلب، لم يعلموا بأن الحزب هو أن تتحزب لفكرة ما أو أن تجتمع جماعة ما على رأي واحد؟؟!! قد تتعلق بالبيئة أو الدين أو الاقتصاد أوحتى التاريخ، وليس بالضرورة أن تتفق فكرة هذا الحزب مع المتغيرات المحلية والاقليمية والدولية ؟ بل التعاطي معها من منظور هذا الحزب ممارساً أدواته السياسية في التكتيك السياسي والاجتهاد المعرفي، ولكن دون أن يلغي هذا الحزب ذاته ليصبّ في تلك التحولات التي تهدد الفكرة الحقيقية التي تم بناءه عليها.
يعطينا ما سبق استنتاجاً هاماً بأن مفهوم مصطلح الحزب ليس فقط مفهوماً سياسياً، حتى نبدّ له متى نشاء كما الثوب، أو نغير من توجهاته كما نشاء كما نغير اتجاهات ’خطانا عندما نتمشى على رمال الشاطىء، إن مفهوم الحزب يحمل أيضاً جزءاً هاماً من إنسانيتنا وشخصيتنا ورؤيتنا للعالم، ولنفسنا ومن حولنا، وليس من السهولة بمكان أن نغير هذه الاتجاهات كلها في لحظة، أو في شهر أو حتى عمر بأكمله، قد يتفهم المرء بأن الشيوعي الماركسي قد فقد إيمانه بالماركسية والشيوعية وأقرّ بفشلها في تطبيق فلسفتها ومناهجها، ولكن هذا لا يعني أن يتحول هذا المرء من ماركسي يؤمن بالعدالة الانسانية والاقتصادية إلى إنسان يدعم بكل طاقاته نظم الانتاج الليبرالي القائمة على تحقيق مصالح قلّة قليلة من البشر على حساب الجميع حتى ولو كان العالم أجمع، هذا التحول الغريب ينفي بالضرورة مصداقية الناس في إنتمائها الأصلي، وفي إيمانها بفكرها بالدرجة الأولى، وبأنها كانت تمارس دوراً أقل ما ’يمكن أن ’يقال فيه بأنه من دافع غريزة القطيع، فكما تتجه الجموع نتجه ، وكما يفعل الناس ويغيروا، نفعل ونغير..؟! فأقل ما ’يمكن أن يفعله هذا الذي فقد أمله في بناء حلمه الدفين، هو أن يعترف بأنه فشل هو نفسه في النضال من أجل تحقيق أهدافه الإنسانية السامية، وخير له أن يلازم داره من أن يتحول كما تتلون بعض الزواحف بحسب طبيعة الأرض والفصل الذي تعيشه .. إن النظرية الماركسية لم تنته بعد، وأكبر دليل على ذلك بأنها مازالت مثار جدل وتداول ونقاشات وتحليل ونقد وإجتهاد وإعادة إنتاج، أمّا المتلونون فمن السهل عليهم جداً أن ينفوا العالم ويحبطوا الهمم والعزائم في سبيل تأييد فكرتهم في التحول الغريب بإتجاهات سياسية واقتصادية كانوا إلى زمن قريب جداً أحد أخطر أعدائها والتي من المفترض أن يكونوا يناضلوا في سبيل إلغائها، نراهم على العكس من ذلك يتبنّون هذا العدو الفكري بدون أي مؤشرات لتزاوج أو تلاقح أو إجتهادات من أي نوع، أو حتى من دون عودة إلى الوراء في نظرة نقدية تحليلية علمية لتقديم مبرراتهم للناس ومسوغاتهم النظرية والفكرية في هذا الصدد وعظمتهم في تحقيق هذه الخطوة النوعية في تجاوز التضادات التي تحرّم اللقاء أو التزاوج بين الإثنين ، فربما يستفيد البعض من هذه التجربة الفريدة والنوعية في تاريخ العمل السياسي ..
إن كان هناك شرطاً ظرفياً أو موضوعيا أو مجتمعياً قسرياً لهذا التحول فليتقدم منظّري هذا التيار من كوادر هذا الحزب وأصدقاءه بمبرراتهم، لقد فقدوا هويتهم الفكرية والنظرية والمعرفية، وأصبحوا حالة هجينة ليس لها شكل، لم تعد مقبولة لا مستوى الشارع ولا على مستوى الكوادر الحقيقية لهذا الحزب، واليوم يأتي هذا الحزب بخطاب تحولي جديد بإتجاه سيدة العالم أمريكا، يمدّون لها يداً طريةً لينة للخلاص من سلطة قمعية، فكيف تمّ هذا التلاقح العضوي بين الاثنين ، لا أحد يدري ؟! و لماذا لا يقرّونه في أدبياتهم ووثائقهم، لماذا يبقى خطاباً شفهياً على ألسنتهم ؟!! هل ليتمكنّوا من التنصّل منه ساعة يشاؤون، ويطبقونه متى شاؤوا، هل هذه سياسة ؟؟!! وهل ما يمارسه هؤلاء هو عمل سياسي ولم يزالوا خارج السلطة وبعيدين عن الشارع، وتعبيراته، ولم يتجاوز عدد الأعضاء فيه المائة والخمسين شخصاً.
’يثبت ذلك نضوب الفكر السياسي المنهجي العلمي في التيارات السياسية السورية، كما ’يثبت تخبّط هذه الأحزاب ضمن دائرة مغلقة لا يستطيعون الخروج منها، وبأن مفهوم السياسة والتحزّب في آن هو عملية ممارسة لفعل بيع وشراء الخضار حسب المواسم، فخضار الصيف للصيف، وخضار الشتاء للشتاء .. ؟
لكن برغم كل ذلك لا بأس من تجربة فريدة قد تخدم الناس في آليات العمل السياسي، ومن يدري فقد ’تدرّس هذه الحالة في إحدى أهم كليات العلوم السياسية في أمريكا إو غيرها، لأن مثل هذه الحالات النادرة ليس لها مثيل عند الغرب ، والله ولّي التوفيق، بما أن الأخوة قد أصبحوا ليبراليين ويؤمنون بقضاء الله وقدره في توزيع الثروة بين الناس ؟؟!وبأن الخلاص للطبقات المسحوقة هو في الآخرة عند رب العالمين، فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يرى، ومن يعمل مثقال ذرّة شراً يرى !!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وزارة الدفاع الروسية تعلن إحباط هجوم جوي أوكراني كان يستهدف


.. قنابل دخان واشتباكات.. الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا لفض اعت




.. مراسل الجزيرة: الشرطة تقتحم جامعة كاليفورنيا وتعتقل عددا من


.. شاحنات المساعدات تدخل غزة عبر معبر إيرز للمرة الأولى منذ الـ




.. مراسل الجزيرة: اشتباكات بين الشرطة وطلاب معتصمين في جامعة كا