الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الأحمر, لونًا ودلالةً عند أورهان باموك

كاميران حرسان

2013 / 10 / 6
الادب والفن


"اسمي أحمر" روايةٌ تاريخيةٌ تتمحورُ أحداثها حولَ جريمةِ قتلٍ اُرتكبت بحقِ أحدِ الرسامين الذينَ كانوا يعملونَ لصالح البلاط السلطاني في نهايةِ عهدِ السلطان العثماني مراد الثالث. تجري أحداثُ الروايةِ في تسعةِ أيامٍ مثلجةٍ من شتاءِ عام (1591) في اسطنبول.شُرِعَ بطلبٍ من السلطان العثماني بتجهيزِ كتابٍ مزوَّدٍ بالرسوم ممجِّداً السلطانَ وإمبراطوريتهِ العظيمة.
التوصية تتضمن رسم بورتريه للسلطان بالأسلوب الفينيسي الجديد، الذي يقوم بصياغةِ وصفٍ لملامحَ فرديةٍ للإنسان بصورةٍ مكانيةٍ منظورة. هذا الوصفُ الحقيقيُ للواقع من منظور الإنسان، شرٌ عميقٌ حسب رأي البعض من المتزمتين، إذ أنه مخالف للمعتقدات والقيم الإسلامية -الإسلام يحرم وصفاً واقعياً في الرسم لملامح المرء والأشياء ويفترضُ أن تكون صورةُ العالم مرئيةً عبرَ منظورِ الإلهِ للإنسانِ. بيدَ أن عدداً من الرسامين المهرة ينجذبونَ نحو التحديات في الفن الرينيـسانسي. فمسألة الجمال والجمالية في الفن الحقيقي هي: هل يدوم الفن الحقيقي في المحافظة على استمرارية تقليدٍ, عبر محاكاة المعلمين القدامى، أم أنه ينبثق عبر الخلق والفردية الخالصة؟ إذاً هو في الأساس دينيٌ، فلسفيٌ وسياسي. إنه صراع على حواس الإنسان ، صراعٌ مرتبط بفهم الواقع. هل ستقود نظرة الفنان –المتفرج- إلى رؤية الخالق الوحيدة للأشياء لكي يتسنى لنا رؤية المرء والأشياء عبر منظور الرب، أم سيكون بمقدورنا وصف الواقع عبر رؤية المرء للأشياء؟ هذه المسألة تؤدي إلى العنف والموت في حكاية (أورهان باموك) المتلألئة بسوداويتها.
للروايةِ قيعانٌ عدةَ تتحركُ على أرضياتها أحداثٌ ووقائعُ تدورُ في محاورَ متعددة. محور جريمة القتل وتداعياتها، قصةُ الحبِ الناريةِ بين (كارا و شكريَّـه) ومحاورَ أُخرى لها امتداداتٌ نفسيةٌ، فكريةٌ وتاريخية. فمقتلُ الرسامِ (إليغانت)- أحدُ الفنانينَ في المشغلِ السلطاني- جعلت أنظارَ البلاط و شكوكهُ تحومُ حولَ حلقةِ الرسامين العاملين تحتَ إمرةِ المعلمِ (إينيشته) إذ ينبغي البحثُ عن القاتلِ بينهم .كما يُقتلُ لاحقاً المعلمُ (إينيشته) مؤسسُ المشغل الذي كُلف بإنجاز الكتاب السلطاني المصور بمساعدة أمهرِ رساميه بينهم الرسامُ المغدور (إليغانت). المهمةُ في غاية ِالسرية، ينبغي على الرسامين أن لا يدركوا من فحوى المهمة إلا القليل. بالرغم من هذا يتنامى شعورٌ عندهم بأنهُ ثمةَ تهديدٌ موجهٌ إليهم من الخارجِ ومن داخلِ أنفسهم ذاتها، إذ أخذت أصواتُ السلفيينَ تنمو ويتعالى هديرُها في العتمةِ.يشعرُ الفنانونَ بخشيةِ أن يوصموا بوشمِ الضلالةِ والإجحاف من قِبَلِ الداعيةِ (نصرت خوجه) من (أرز روم) وأتباعهِ المتزمتين ،كما كانت لديهم مخاوف من غضبِ السلطانِ وبطشهِ لعدم وضوح نواياه وعدمِ فهمهم لمقاصدهِ. كذلك ينبعُ التهديدُ من باطنِ دخيلتهم ذاتها متجلياً في أحاسيسِ الخزيِ والعارِ التي تعتريهم، تجاه ما هم على وشك القيام به من تغيير صميمي وتحديثٍ لمعالمِ الفن الإسلاميِّ و طبائعِ تكوينه.يلهو (أورهان باموك ) مع الحقيقة ،كذلك مع الأدب بمصادر مخفيةٍ و ظاهرة .
كما تلهو شخوص الرواية مع بعضها لهواً عنيفاً ومضلِّلاً، متلاعبةً بالكلمات المنطوقة أو المكتوبة، بالصور والمرايا، انعكاساتها.
روايته أنسجةٌ متينةٌ، حُبِكت بفطنة اللون وتناغم الأشكال وتجانس الرؤى ، غنيةٌ بمدارك العين، مشاجب الطيف وبواعث الحس ، تسرح فيها خيالاتُه وأحاسيسه المتوافدة إلى تراكيبَ من دعابةٍ سوداء، عنفٍ، صبوةٍ وسرعةٍ في البديهة. رغم أن (اسمي أحمر) روايةٌ تاريخية ،فهي تعتبر كذلك من أكثر رواياته شمولاً لسيرتهِ الذاتية وقد أشارَ (باموك_المولود في 1952) إلى هذا في العديدِ من المناسبات. عاشَ ( أورهان باموك) وشقيقهُ في كنفِ والدتهما التي أحاطتهما بالرعايةِ والحنان، فتباريا و تنافسا عليهِ وقد ظهرت الكثيرُ من معالمِ هذهِ العلاقة في (اسمي أحمر). حصلَ في مرحلةِ الإعدادِ لهذا العمل التاريخي على مساعدةِ بعض المختصين في التاريخ العثماني ومنهم زوجتهُ التي لهُ منها طفلة، اسمُها (رويا) ويعني الحلم وكذا تحملُ إحدى الشخصيات الرئيسة في روايتهِ السابقة (الكتابُ الأسود) اسم (رويا). الروايةُ الجديدةُ مهداةٌ لرويا، لابنتهِ، لبطلةِ الروايةِ السابقة أو للحلم.
الأسلوب في (اسمي أحمر) بالمقارنة مع (الكتاب الأسود) أكثرُ كثافةً. تمتازُ الجُمَلُ بالقصر،ِ التراكيب رصينة ، متينة النسج تمتازُ بالصرامة و الدّقة في انتقاء المفردة . المفردات غنية لكنها تتنوع مراعاةً لتعدد احتمالات السَّردِ التي تضفي على الرواية تميزاً. فالتحديد في كل منظور خاص ، يمنح الرواية ومضاً من التشويق، خفة في الظل ، ملهاةً على الطريقة الشكسبيرية للحكاية القاتمة. السرد لا يقتصر على أبطال الرواية الرئيسين بل يمتد إلى أكثر من ذلك، إلى أشياء كجثة المقتول التي تقوم بسرد وقائع قصتها لاعنة مصيرها البائس وقاتلها المشؤم كما يجعل الكاتب صورة كلب تتحدث إلينا وقطعةً نقدية من الذهب عن أسفارها كما يقوم الشيطان بالسرد وكذا
اللون الأحمر. تنقاد الخيوط في اسمي احمر -قصصها- إلى بعضها بحيث يفلح الكاتب بحَبْك أحداثها في نسيج روائيّ بديع في لوحة فنية رائعة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ملاحظة عابرة
دلور ميقري ( 2013 / 10 / 6 - 17:16 )
مقال جميل ومكثف.. لكن اسم بطلة ( الكتاب الأسود ) هو رؤيا، وليس رويا.. ولكنك قرأت الرواية باللغة السويدية فأشكل عليك هذا الاسم العربي ذو الدلالة الصوفية

اخر الافلام

.. الفلسطينيين بيستعملوا المياه خمس مرات ! فيلم حقيقي -إعادة تد


.. تفتح الشباك ترجع 100 سنة لورا?? فيلم قرابين من مشروع رشيد مش




.. 22 فيلم من داخل غزة?? بالفن رشيد مشهراوي وصل الصوت??


.. فيلم كارتون لأطفال غزة معجزة صنعت تحت القصف??




.. فنانة تشكيلية فلسطينية قصفولها المرسم??