الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا الديمقراطية ؟

مناف الحمد

2013 / 10 / 8
مواضيع وابحاث سياسية



ليست الديمقراطية عملية اجرائية فارغة من المحتوى كما يروج لذلك بعض الغافلين عن ماهيتها بقصد اختزالها الى صندوق اقتراع تحصد فيه الاكثرية اكبر عدد ممكن من الاصوات وتهيمن بحصادها هذا على الدولة متحولة الى استبداد اكثرية لا يقل سوءاً عن استبداد الاقلية ان لم يكن اكثر سوءاً .
وهي ليست مجرد حل عبقري اخترعه البشر لفض نزاعاتهم ووأد خلافاتهم وانما هي مفهوم شامل لقيم لا يكون الموجود البشري محققا لذاته بدون حيازتها.
ونحن لا نقول هذا الكلام بقصد الانشاء أو بنوع من الهوس الايديولوجي بالمفاهيم بل بالاستناد الى التدبر –وهو الوصول الى عمق المعنى – لمفهوم الذات البشرية وما يتطلبه تحققها من مستلزمات .
فبعكس ما اعتقد التجريبيون من انه لا وجود لما يسمى الذات بدليل استحالة العثور عليها اذا ما تأمل الانسان في داخله ، وهو التأمل الذي لن يعود منه الا بالتحقق من وجود جسد وأفكار ومشاعر، فان كل ما يمر به المرء من تجارب انما تجري كجزء من حقل موحد وهو حقل مستمر عبر الزمن كما ان هذه التجارب تختبر من قبل صاحبها على انها استمرارية لوعيه . فالذات بناء على هذا هي اطار صوري لا بد من افتراض وجوده ، ولا ينفي دليل التجريبيين الانف الذكر ضرورة هد الافتراض بمثل ما لا ينفع في نفي وجود وجهة النظر التي افسر من خلالها مدركاتي حتى ولو لم استطع ان اعثر على ما يسمى بوجهة النظر أثناء رحلة التأمل في داخلي .
بمعنى اخر فانه لابد من افتراض وجود فاعل قادر على الفعل الحر ، و على تحمل مسؤولية الافعال مستمر عبر الزمن ، ممحَص لاسباب فعله تحت شروط العقلانية ، واتخاذ القرار ، والبدء من ثم بتنفيذ الأفعال وفقاً لافتراض الحرية الذي لا مفرَ من افتراضه لان ثمة فجوة بين التفكير بأسباب الفعل ، وبين اتخاذ القرار بالبدء به ، كما توجد فجوة بين اتخاذ القرار السابق ، وبين البدء بالتنفيذ ، وبين البدء بالتنفيذ والاستمرار به وهي فجوات لا تسد الا بافتراض وجود حرية ارادة وهذا الفاعل مسؤول نتيجة لحرية ارادته على الأقل عن بعض افعاله .
ولكن هده الذات لا توجد بمعزل عن الاخرين ولا يمكن تصور وجودها الا بوجود الاخر لأن الأنا والانت ليستا الا اشتقاقين من أنا – أنت بمعنى أن الذات لا تستطيع ان تحدد ذاتها الا بوجود الأنت .
وكما يقول مارتن بوبر : " ليست هناك أنا يمكن ان تؤخذ لوحدها بل هناك فقط الأنا المندمجة في الكلمة الاساسية أنا – أنت والانا المندمجة في الكلمة الاساسية انا – هو فعندما اقول أنا فانني اعترف ضمنياً بالانت التي أميز نفسي منها . (مارتن بوبر : " الأنا والأنت ، ترجمة ر.ج.سميث ، ط2 ، ص 4 . )
ولكي يكون لهذا الطرح أدلته الملموسه لنتأمل في خاصية الجنس وخاصية اللغة فالجهاز التناسلي عند الموجود البشري لا يكتمل الا بوجود شخص آخر .
وهذه الخاصية الجنسية عند الانسان لاتشبه نطيرتها عند باقي الكائنات لاصطباغها بصبغة انسانية كما يقول
بردياييف " ان الطبيعة الجنسية عند الانسان لا يمكن أن توضع على نفس المستوى مع الوظائف الاخرى في كيانه العضوي كالدورة الدموية مثلا لأننا ندرك الجذور الميتافيزيقية لوجود الانسان في نشاطه الجنسي
" النشاط الجنسي ليس وظيفة مميزةخاصية للوجود البشري بل انه يتغلغل في وجوده الانساني ككل وينفذ في جميع خلاياه ويحدد حياته باسرها " (نقولا برداييف : " معنى الفعل الخلاق " ترجمة د . لوري ، ص 180-184 . )
أما خاصية اللغة فهي تبرهن بالقطعية السابقة نفسها على استحالة وجود أنا بدون أنت لأن وظيفتها الأساسية هي الاتصال وتجسيد الفكر الذي لا يوجد بدونها ، وهي بيذاتية بالضرورة اد لا قيمة معرفية للغة خاصة لان المعرفة بيذاتية ايضاً
وجود الذات المشروط بوجود الاخر ينطوي بالضرورة على فكرتي المساواة الذاتية والاستقلالية الذاتية وهما حجر الزاوية لمفهوم الديمقراطية .
فكل شخص يساوي واحداً ولا أحد يساوي اكثر من واحد حسب توضيح جرمي بنتام لفكرة المساواة الذاتية وكل شخص يحوز اعتباراً لمصالحه متكافئاَ مع الاعتبار الذي يحوزه الاخر .
اما الاستقلالية الذاتية التي تتكامل مع المساواة الذاتية فهي تعني قدرة كل شخص على تقدير تلك المصالح خاصته بنفسه بحرية وبدون وصاية من أحد .
لا يتحقق الوجود البشري الأصيل الا بامتلاك الذات للحرية والمسؤولية وهما بدورهما غير ممكني التحقق الا بعلاقة بين أنا وأنت لا تلغي المسافة بينهما والا تحولت الى استحواذ ينفي حرية الذات واستقلاليتها ويمسخ الوجود البشري ويحوله الى وجود زائف وتبقي على قدر منها لكي تحفظ لكل من الأنا والأنت خصوصيتها وتفردها مبيقية بذلك على امكانية الحوار بينهما
ان الديمقراطية باحتوائها الضروري للمساواة والحرية والاستقلالية تصبح ضرورة وجودية لا تتحقق الذات البشرية الأصيلة بدونها وباستبطانها لامكانية الحوار الخلاق تحفظ التوتر الدرامي بين العلاقة والمسافة وتمنع انزلاق العلاقة الى استحواذ يلغي الآخر ويحوله الى مجرد وسيلة لاشباع الحاجة .
من هذا العرض المختصر للجذر الأنطولوجي للديمقراطية يتبين قصور الطروحات التي ترادف بين الديمقراطية والشورى أو بينها وبين صناديق الاقتراع .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد زيارة بوتين للصين.. هل سيتحقق حلم عالم متعدد الأقطاب؟


.. كيربي: لن نؤيد عملية عسكرية إسرائيلية في رفح وما يحدث عمليات




.. طلاب جامعة كامبريدج يرفضون التحدث إلى وزيرة الداخلية البريطا


.. وزيرة بريطانية سابقة تحاول استفزاز الطلبة المتضامنين مع غزة




.. استمرار المظاهرات في جورجيا رفضا لقانون العملاء الأجانب