الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فنانون ..بلاحدود

رحمن خضير عباس

2013 / 10 / 8
الادب والفن


فنانون ..بلاحدود

رحمن خضير عباس
للجمعة في بغداد نكهة فريدة ومذاق خاص . ولاسيما لدى فناني المرسم الحرّ. يأتون من احياء بغداد ، او من المحافظات البعيدة حاملين الخفيف من ادواتهم والثقيل من احلامهم ، يتوهجون شوقا الى مرسمهم الحر ما بين ( المتنبي النُصب) ،الشامخ في عبقريته الشعرية التي اسمعت من " به صمم "وبين (المتنبي الشارع ) الذي اكتسب صيته عبر السنين كأعرق عش للوراقين والكتبيين وعشّاقي الحرف . يصل هؤلاء الفنانون بصعوبة الى وجهتهم ، مخترقين زحام الطريق واخطاره ، الزمن الضائع في السيطرات - التي لاتسيطر الا على الزحام - . وسائل النقل التي تنتمي الى عصور غابرة . يكملون مشوارهم مشيا ، بعد ان يتعذر على السيارات العادية الوصول ،. هاهو المتنبي الشارع يتجلى امامهم بلون الحلم وبمذاق الألم . رائحة الكتب تسيل مع خيوط الصباح . تلك ألكتب التي تستلقي على قارعة الرصيف ، او تتسلق الرفوف ، او تنزوي في الواجهات الزجاجية لمكتبات قديمة او مستحدثة ، لم يجدوا نعيم الشطري في مكتبته او يسمعوا صوته وهو يعلن مزاد الجمعة . مات نعيم بعد ان عاش للكتب كل حياته واصبح من ذكريات الشارع ، حيث كانت ( بسطته ) قبلة الباحثين عن الكتب في مزاده العلني . دار المدى واصبوحاتها الأسبوعية. حيث الكتب والبوسترات وقاعة المحاضرات . اصبحت هذه الدارفضاءا فسيحا للثقافة ، فقد كرست جهودها من أجل تقديم الأدب الأنساني ،ومن أجل احياء التراث . وذالك عبر مساهماتها المتعددة في إنعاش الثقافة العراقية ، من خلال تقديم المحاضرات في مختلف المجالات الأدبية والفنية . كما لم تدخر وسعا في تكريم الأدباء او تأبين المفكرين .كما ابدعت في اختيار المحاضرات الأسبوعية ،إضافة الى اهتمامها بالتراث الغنائي القديم .
سوق السراي عامر بمحلات القرطاسية يتوسطهم المحل الصغير حجما والكبير تأثيرا لعلي المندلاوي الذي اصبح محطة للفنانين ، فهو يزودهم بمستلزمات الفن ، ولايتردد ان يقدم نصائحه الى هواة الرسم ومحترفيه . سوق القرطاسية لايستغني عن مطعمه الصغيرلبيع الكبة. هذا المطعم كان من بقايا الزمن الجميل . مرة في شهر نيسان الماضي وجدت فيه السيد احمد القبانجي ياكل كبته بهدوء لكن سيل من الشباب والشابات لم يتركوه يزدرد لقمته كانوا فخورين ان يلتقطوا معه صورا تذكارية . قلت في نفسي : ما ابهى الفكر العقلاني الحر الذي يمثله هذا الرجل المعمم .
في الزاوية تبدو مقهى الشابندرطافحة بتخوت السمر وكؤوس الشاي وحكايات الأدب . يؤوي اليها رواد المتنبي والطارؤون على المدينة ،هذه المقهى التي تعرضت للعنف الأرهابي ، ولكنها تحدت الموت ، وعادت الى الحياة من جديد. تستقبل الناس على اختلاف خلفياتهم ، تقدم لهم قدحا من الشاي مشفوعا باغان تحكي قصة حزن عاشها الوطن ، في جدران هذه المقهى تتنفس تأريخ بغداد كما تستعيد مجد العراق من خلال ارشيف الصور واللوحات التي تمثل امكنته واعلامه ومفكريه وادباءه . رواد المقهى يستعيدون بغدادهم . منهم من لم يستطع ان يغادرها ، ومنهم من يبحث فيهاعن سمار الأمس الذين اختفوا وراء غبار الأزمنة ، مغتربون يبحثون عما تناثر من اعمارهم في المنافي البعيدة . شعراء يبحثون صدى همس أشعارهم، نقاد ومسرحيون وطلاب علم وأدب واكاديميون .
المتنبي والقشلة والقيصرية ودجلة والدوبة والكتب المعلقة على غسيل العرض ، ومقهى الشابندر واروقة السراي وافواج الناس.ألا يكفي هذا المزيج ان يصبح واحة لعطش بغدادي ؟ هذه الواحة تبدا من اول مكتبة في المتنبي وتنتهي بموجات دجلة ، ياتي محبو الشارع مسرعي الخطوات، وكأنهم يغتنمون لحظة شحيحة تؤطرها المخاوف والأحتمالات . منهم من يبحث عن كتب جديدة ومنهم من يبحث عن الفرجة وهو يقايض صباحا ( متنبيا ) بهموم اسبوع كامل .
المرسم الحر رئة المتنبي التي تنبض بسحر اللون وجمالية الفكرة . وهو يقع في هذه البقعة الغارقة باطياف الحروف والكلمات . أما على صعيد التأسيس فيعود الفضل في انشاء المرسم الحر الى الفنان التشكيلي حسن الصباغ - كما ذكر ذالك في مقابلة صحفية - هذا الفنان النحيل والشفاف والقادم من مدينة العزيزية ، اراد ان يضع لمسة حب وحنان على وجنة بغداد . كان يحلم ان يصبح الفن حرا والمرسم متاحا للجميع بعد ان ينعتق من أغلاله الأكاديمية ، ليلتقي بالناس على اختلاف اعمارهم وثقافاتهم ومهاراتهم ، وليجعل من هؤلاء الناس من مجرد مشاهدين الى مشاركين . لذالك فقد اجتهد هو وزميله الفنان كريم الواسطي لكي يكرسا هذه الفكرة . في البداية كان يعرضان رسوماتهما على نهر دجلة . وقد حققا نجاحا من خلال الحشود التي كانت تشاهد اعمالهم . وبعد النجاح الذي تحقق انضم اليهما عدد كبير من الفنانين ، حيث انتقلوا معا الى اروقة القشلة . وقد اشاعا فكرة الأندماج الحقيقي بين الفن ومتلقيه . في كل جمعة تثمر الفكرة وتتسع وتستوعب اعدادا اخرى من الناس. وهكذا اصبح المرسم الحر حقيقة ماثلة للجميع ، واصبح مدرسة فنية تستعصي على الحدود .
لقد كرس المرسم الحر اهتماما كبيرا باشراك الأطفال في الإبداع ، وذالك من خلال تهيء مستلزمات الرسم من اقلام واوراق وأصباغ ، وقد اصبح تظاهرة فنية ىكبيرة ، تركت أثرها على الكثير من الناس . لذا فقد تحول الى لقطات من الفرح والمحبة والإلفة بين الناس . وهذا ما نحن بحاجة اليه . اشاعة روح المواطنة بين العراقيين ، لأن الفن ليس فيه محاصصة . الفن تتويج لجهد انساني يهدف الى العناق بين البشر ، بغض النظر عن خلفياتهم الفكرية والوانهم وعقائدهم ، المرسم الحر ساهم في إشاعة هذه الثيمة التي انست هؤلاء المتعبين بعض همومهم . اذن فالمرسم الحر إجتهد كي يقدم البديل عن اليأس والنكوص والإذعان للموت البطيء .. المرسم الحر إقترح الحياة . إمتص هول الفاجعة وحوّلها الى فرح فني .هذه اللقطات الفنية في المرسم الحر بحاجة ان تستمر وتتعزز ليعود للوطن بهائه ، اي أنها تحتاج الى الديمومة ،وان لاتنتهي بانتهاء الفعاليات الرسمية لبغداد كعاصمة للثقافة. لذالك اتمنى ان يتكرس هذا التقليد وان يتوطد . وذالك لأن المرسم الحر سيساهم في حماية المجتمع من النزعات السلبية التي تنخر به. اذا اردنا ان نحرر المجتمع من اوجاعه ، فعلينا أنْ نغرس هذا الفن بين الجميع ولاسيما الأطفال الذين نعوّل عليهم في بناء مستقبل اكثر امنا .
لقد كانت جهود هؤلاء الفنانين اكبر من انجازات وزارية لها ميزانياتها وحاشيتها وإعلامها . حيث انهم - اي الفنانين - استطاعوا ان يعملوا المستحيل لأنجاز هذه الأعراس الفنية ، معتمدين على قدراتهم الذاتية . فكانوا يهيؤون لوازم الرسم والأصباغ والأوراق ، ثم يقومون بعرض مهاراتهم الفنية ، او يعطون دروسا مجانية ونصائح الى الأطفال والشباب ويتحملون مشقات الطريق واخطاره . وبعد انتهاء فعالياتهم يقومون حتى بتنظيف الممرات من الأوساخ والأوراق والأصباغ . وبعد انتها الفعالية يتوجهون الى الفيس بك من اجل نشر ما فاموا . فطوبى لهم وهم يبدعون وطوبى لهم وهم يزرعون قيم الفن الحرية والأخاء بين الناس .اليس حريا بوزارة الثقافة ان تدعمهم ماديا ومعنويا ؟ وذالك من اجل الأستمرار لنهج محفوف بالعطاء .
ان فكرة المرسم الحر هي تحد كبير لعوامل الأحباط الذي يعيشها الأنسان العراقي . انها جرعة الأمل التي لابدّ منها . لذا فكم هو جميل أن تنتقل هذه الفكرة الى عموم العراق ، لجميع مدنه ومراكزه . وذالك في محاولة لرأب الصدع وتمزيق اليأس . لذا فنستطيع من خلالها بناء انساننا فنيا ، ان نسوره من الأنحدار الى مستنقعات العنف والكراهية .
أوتاوة /كندا








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا