الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


منزلنا الريفي ( 13 )

عبد الله عنتار
كاتب وباحث مغربي، من مواليد سنة 1991 . باحث دكتوراه في علم الاجتماع .

2013 / 10 / 9
الادب والفن


تحية إلى الصديقين الغاليين : عمر حلال و عادل أمرجيج على دعمهما المتواصل .


الفرن ...

في طفولتي الغابرة، لم يكن للفرن مكان، كان الفرن يتغير من مكان إلى آخر، وكانت تربته تتغير من لون إلى آخر، كما أن لون ترميمه يتغير حسب الفصول، وكلما تغير الفرن تغير المذاق، لكن صانعة الخبز لم تتغير، صحيح أنها كانت تتشكل من مجموعة من الأيادي، غير أنها كانت تختزل في يد واحدة، إنها يدي أمي أو أختي الصغرى .
كان للفرن عش مثلما للطائر عش، كان للطائر بيض مثلما للفرن خبز، تحتض الحمامة بيضها عدة أيام، بينما أمي احتضنت الخبز عدة أجيال، وكانت تجلس تحت العش المثلث الذي تلوث بالدخان، وكانت ترمي القش والروث، فتتجمع كثافة دخانية، سرعان ما تتوقد ألسنة اللهب، فيحمر الخبز كوجنتي العاشقين .
كنت أجلس قربها، ولم أكن في ذلك الوقت قد دخلت إلى المدرسة، ولكنها كانت في حقيقة الأمر مدرسة، فالأناشيد التي كانت تحفظ ؛ تعادل رصيد تلميذ حاصل على الشهادة الابتدائية، أما الأغاني و الأمثال الشعبية، فلا حديث و لا حرج، أجل لقد كانت تحمل في داخلها ثقافة منسية، وكنز ثمين، فكنت أصخي السمع جيدا، فكانت مدرستي الأولى ؛ أسميتها مدرسة الأم، مدرسة اللذة و الحياة .
...كان ذلك اليوم يوما سيئا في حياتي، لقد تغير مكان الفرن، وتغير معه المذاق، فالخبز الذي أعطتني إياه أختي الصغرى لم يكن حلوا كما تعودت، و الانطباع الذي قرأته في وجنتيها الجميلتين، وعينيها البلورتين كان انطباعا سيئا، خبزت الخبزة الأولى، ووضعتها فوق الطبق، لكن عاصفة مدارية أوقفت الزمان، وغيرت المكان، وشلت الشخوص، ترى ماذا نحن فاعلون إذن ؟ كانت فاطنة ابنة جارنا، قد أخذت مكان الطهي، وتربعت بالقرب من الفرن الطيني...
تعدو سيارة الأجرة ؛ تبكي أختي، و أبكي أنا ؛ الناس في ذهول، و الليل يسكب الدموع، و الظلام ينحو نحو السدول، كانت أختي تأخذني من يدي ونحن نجتاز الحقول، ومن حين لآخر ؛ كانت تقول لي : " أسرع...لقد دهست سيارة أمي، ونحن لا نعرف ما إن كنا سنعثر عليها أم لا " ؛ وحشة و فراغ، كآبة و ظلام ؛ كانت تطلق صرخة بكاء، تدمع أختي، فأدمع أنا ....
....تركنا كل شيء، و وجودنا مرتبط بوجود أمنا، يهدئ من روعنا الركاب، لكن أمي كانت أقوى في أجسادنا من كل ذلك بكثير . اختلط كل شيء، ولم يعد الزمان يتدفق، لقد شح كل شيء، لأن الماء توقف من الينبوع، كل الصور تلاشت غير صور الأم، وكل الشخوص تبددت غير شخصية الأم...تغورت السيارة عميقا وسط المدينة، وتبدت لي أمي وهي تضحك .

***************
كان الفصل ربيعا، وكانت الوجوه مستبشرة، وكانت أمي جالسة في ركن المنزل، وكانت تحيط بها مجموعة من النسوة، ومن بينهن امرأة تدعى عائشة كانت تمسد ساقها، فكن يقلن لها : " على سلامتك آ...ختي زهرة "، وبعد أيام قليلة عادت إلى الفرن ..

*************

في طفولتي الغابرة ؛ كنت آخذ الحمار، وأضع على ظهره البردعة، ثم أضع فوقها " الشواري "، و للتمديد بين كفتيه ؛ أربط بينهما بعصا .
كنت أمتطي الحمار، و آخذ عتلة، و أهيم نحو الوادي ؛ أنقب في الطين عن لون مناسب لأبني فرنا ؛ أشق مسافات في الأرض ؛ يتعرق جبيني، وينهد جسدي، لكن في الأخير كنت أعثر على تربة صفراء ؛ صلبة ؛ لا يطالها الانشقاق ؛ أملأ " الشواري "، ثم أحث الحمار على العودة ؛ أحط ركام التراب، ثم نأتي بالماء ؛ تمزج الأم بينهما، في حين تأمرني بتحضير التبن، فكنت أشكل ركاما، فتضع أمي الطين عليه، فكانت تتفنن في رسم لوحة، تنحث جسدا تداعب عيناه شروق الشمس ؛ كان بيضاويا أشبه ببيضة صغيرة في ضآلته، و أشبه بالكون الشاسع في كبره، إنه ذرة من ذرات العالم، وحياة من حيواته .
تركناه على حاله، وعدنا إلى خيمتنا، و في اليوم الموالي ؛ أشعلنا نارا سميناها بنار الحياة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مهرجان وهران للفيلم العربي يكرم المخرج الحاصل على الأوسكار ك


.. محمود حميدة يحمل الوهر الذهبي من مهرجان وهران للفيلم العربي




.. تفاصيل أول زيارة لمصر من الفنان العالمي كامل الباشا?? #معكم_


.. خطبة باللغة العربية.. ما الرسائل التي أراد المرشد الإيراني إ




.. تاريخ كبير للفنان الفلسطيني???? كامل الباشا ?? #معكم_منى_الش