الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الصراع الديني اندحار

حميد المصباحي

2013 / 10 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


عاشت أروبا طيلة تاريخها الدموي,صراعات دينية,إلى أن انبثقت العقل كسلطة مؤطرة للفعل و الحياة و التعايش بين الناس جماعات و حتى طبقات اجتماعية,أدركت بما عرفه المجتمع الأروبي,قديما من مواجهات كانت خساراتها أكبر من أن تعد و نحصى,واستدعى ذلك العودة المتأخرة لتاريخ الغير المختلف حضاريا و دينيا و حتى عرقيا,فاكتملت الصورة,و تأكد اليقين,ألا حياة بدون تفاهمات عامة و قيم مشتركة بين أفراد الجماعات و الجماعات نفسها,فظهر مفهوم المواطنة,بدل الوطنية المجحفة,و التي كانت الدولة في بدايتها تفرض بناء عليها طاعة للحكام,بعد أن انهارت الطاعة العمياء لرجالات الدين,الذين استمدوا القداسة من قداسة الديانات,و نصبوا أنفسهم أوصياء على الناس,معاقبين و منصفين لمن أنصفهم الله و عدل بينهم بنعمة العقل.
و السؤال,متى ينخرط العالم العربي في هذا المسار العقلي,ما هي معيقات الإنخراط فيه,؟و ما هي الحلول المقترحة لفرضه أو التسريع بوتيرة حدوثه؟فهل للعرب آمال القطع مع هيمنة الأسئلة القديمة,التي تتخذ لها مبررات الدفاع عن الهوية,بينما الحقيقة أن تلك الأسئلة غايتها الحفاظ على القديم و الإنتصار لطول أمده لأن هناك مستفيدين من وضع التأزم و التخلف المجتمعي و الحضاري في العالم العربي؟؟؟؟

1الأنظمة و الديانة
لم تستطع النظم السياسية العربية بناء شرعية خارج المقدس,بما فيها الدول القومية التي اقتربت من العلمانية,مما جعلها جميعا تدشن وجودها و تؤسسها على الدين,بل حتى الدول العربية التي لديها أقليات غير مسلمة,استمدت وجودها من الثوابت الدينية,و منها من اعتبر ذلك حاجة اجتماعية أكثر منها سياسية,بحيث أوضح مفكروها بأن المجتمعات العربية لا يمكنها القبول بغير الحاكم المتدين,بل إنها قد ترفض الديمقراطية نفسها إن قيل لها أنها متعارضة مع قيمها الروحية الإسلامية,من هنا تسعى هذه الأنظمة لربط نفسها بالإسلام,بل إنها تسعى لأن تواجه به كل خصومها,بفعل سهولة فهم طبيعة الحملة التي تشن باسم الدين الإسلامي,و التي تحدث تفاعلا و تعاطفا لا يمكن أن تحققه أية إيديولوجية و حمولات فكرية لا تفقهها إلا النخب المتعلمة,و لهذه الأسباب تعادي جل هذه الأنظمة السياسية الفعل الثقافي و تعمل على التمييز بين التمدرس و التثقيف,فهي مدركة لخصومة الثقافة المتنورة لمشروعها,و بذلك فهي تختار استمرارها و ما يفرضه من تهميش للثقافة و حتى قيمها الديمقراطية,فيبدو الحكم مستمدا لشرعيته من الديني و موظفا لأبعاده الروحية و محتكرا لها حتى عندما يكون الحاكم مثقفا و ملما بالحاجة للحداثة السياسية,التي يعمل على تحويلها لتقنيات و مهارات في التواصل بدون المس بما يشكل الهوية العامة للمجتمع و طبيعة السلطة السياسية في العالم العربي,و هنا تكمن الخطورة,فالمصالح تتعارض بين الفئات و حتى الطبقات الإجتماعية,و لا تجد معبرا عنها سياسيا,بحيث تدرك الجماعات أن الدين هو المحرك للجماهير,فتبدأ الإصطفافات تتخذ لها نعوتات دينية و استغلالها لتحريك الحشود,و هو ما تشهده كل المجتمعات العربية,فليس غريبا أن تنتشر المسيحية و غيرها من الديانات و حتى الطائفية,كرداء مؤجل لاحتدام الصراعات حتى داخل التوجه الديني الواحد و الطائفة الوحيدة,و من المؤكد أن الصراعات عندما تتخذ أبعادا دينية لا يمكنها تطوير السلطة و لا المجتمعات التي تعرف مثل عذه الميولات بفعل انحسار التجارب الديمقراطية و الإنخراط الواعي في الحداثة الفكرية بعدم اختزالها في تقنيات التواصل و أشكال العمارة و غيرها من التحايلات الشكلية على الفكر الحداثي,تعليما و سياسة و ثقافة.
2المجتمعات و الديانة
كل المجتمعات تحتاج في تدبير حياتها الفردية و الجماعية لحوافز دينية,تجعلها قادرة على التجاوب الفعال مع ما تعرفه الحياة من إكراهات و انكسارات,و هنا ينبغي التنبيه أن الديانة ليست وحدها منبع الإستجابة لما هو روحي,فهناك الفنون و الأفكار و مختلف الأنشطة المنتجة للرموز و المحققة لنشوة الروح البشري,بل إن الديانة نفسها تحتاج لتجديد بعض محتوياتها وفق تجدد الحاجات الروحية نفسها,بالإنفتاح عن مختلف اجتهادات الفكر الديني,ليحافظ على وجوده الفعال اجتماعيا و يستبدل أساليب الزجر و القهر التكفيري,الذي تلجأ إليه بعض الجماعات المحتكرة لخطاب الإسلام أو المتقاسمة لهذه الأدوار مع السلطة السياسية حتى و هي تنافسها على توظيفه سياسيا و إيديولوجيا,و هنا يزود المجتمع الصراعات السياسية المعبرة عنه بأقوى وسيلة لانخراطه المستقبلي في التقاطبات الدينية الإسلامية,التي بدأنا نشهد مؤشرات حدوثها,و قد ظهرت جلية بسطوة حركات الإسلام السياسي على ثورات ما عرف بالربيع العربي,من خلال عسكرتها و تحريك العنف فيها,أو الفوز الإنتخابي المعتبر سماويا و فارضا لدولة توليتارية ذات منحى اتيولوجي لاهوتي,كما حاولت حركة الإخوان تجسيده بعد ثورة 25 بمصر,مما يعكس خطورة الصراعات الدينية التي تهدد ليس أمن المجتمعات العربية,بل نهضتها الحضارية,التي اتخذت بعدا سياسيا بالحراك العربي.
3احتراز اليسار
استبعد اليسار العربي,في أغلبه القراءات الفلسفية للدين,من منطلق اختلاف الإسلام عن المسيحية,بغياب الرهبانية فيه,ليتجنب نعت الفقهاء برجالات اللاهوت,كما أن حساباته السياسية فرضت عليه عدم خوض صراعات غير طبقية ضد المتدينين,لمعرفته المسبقة بأن مثل هذه المعارك مشوشة على الإصطفافات الطبقية,فانتهزت الحركات الدينية الإسلامية الفرصة و تحاملت عليه,بل منها من انخرط في مركزياته النقابية و امتد عبرها للجماهير العربية فاستفاد من القدرة التعبوية لقوى اليسار و وظفها لصالحه,و بعد أن تمكن من ميكانيزمات المواجهة انقلب على المشاريع الطبقية و ألبسها لبوسات دينية,لمواجهة الخصوم العلمانيين و الإشتراكيين,و بضعف قوى اليسار,غدت المعارك الدينية أكثر احتمالية,ضد النظم السياسية و حتى بعض الأقليات الدينية في العالم العربي,بل و احتماء الناس بانتماءات جديدة وسعت تدينات مغايرة مؤسسة على تأويلات فرعية أو فكرية من داخل المنظومة الإسلامية و حتى من خارجها.
خاتمة
العالم المتمدن تخلص من كل الصراعات ذات المنحى الديني,ليس رفضا للديانات,بل احتراما لها,و حرصا على الوحدة الوطنية التي لا يمكن أن يكون أساسها الدين,فالناس تغير دياناتها,لكنها لا تستطيع استبدال الأوطان أو تغييرها,و لذلك لا يمكن خوض الصراعات السياسية بتأويلات دينية,لأن ذلك,ليس دليل عافية,بل هو اعتلال للسلطة و المجتمع معا.
حميد المصباحي كاتب روائي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسام قطب يقلد المشاهير ويصف بعضهم بكلمة ????


.. إيرانيون يعلقون على موت رئيسي • فرانس 24 / FRANCE 24




.. آفة التنمر تنتشر في المدارس.. ما الوسائل والطرق للحماية منها


.. مصرع وزير خارجية إيران حسين أمير عبد اللهيان في تحطم مروحية




.. مصرع الرئيس الإيراني.. بيانات تضامن وتعازي ومواساة ومجالس عز