الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


يوسف

خالد غميرو

2013 / 10 / 10
الادب والفن


كان حبا من نوع خاص، لايشبه القصص التي نسمعها و نقرأها عادة عن الحب، هنا لم يكن يوسف يعرف عن حبيبته سوى تلك الدقائق المعدودة، التي تمر فيها من أمامه كل يوم، وتلك الإبتسامة التي تعني له اللحظة الجميلة الوحيدة التي من أجلها يستمر في العيش...
ككل يوم بعد أن ينتهي من جولته المعتادة بين مقاهي وسط المدينة، في البحث عن ما يجعله يعيش ليوم إضافي آخر ليرى حبيبته، يعود مسرعا دائما قبل نصف ساعة من الموعد الذي تمر فيه، يحرص دائما على أن لا يتأخر، وحتى إن تعرض له المتشردون الأكبر سنا، و الذين غالبا ما يأخذون منه ما قضى اليوم بطوله في جمعه، يتركه لهم لكي لا يأخروه عن الموعد.
لقد كان بجسده النحيل الذي لم تغادره الطفولة بعد، والذي يختفي في سترته الكبيرة التي لا تعرف لونها الأصلي، يتكأ على حائط قاعة السينما المغلقة، ثم يقرفص رجليه ويبقى متطلعا بعينه إلى الجهة التي تأتي منها حبيبته. كانت فتاته تمر كل يوم من هذا المكان، بخطوات هادئة واثقة من نفسها، ربما كانت تدرس أو تعمل في مكان قريب من هنا، بالنسبة له لم يكن يهمه أن يعرف من هي و ما إسمها، أو إلى أين تدهب ومن أين تأتي، وحتى أنه لم يفكر يوما أن يتبعها، بل فقط كان يحب أن يراها كل يوم، في تلك اللحظة التي تمر فيها و تبتسم له إبتسامة لطيفة وتحييه بهزة خفيفة لرأسها، لقد كان حبه لتلك اللحظة ولتلك الإبتسامة، أهم بالنسبة له من الفتاة بنفسها، كانت تعني له تعويضا عن الدفء والحنان الذي يفتقده، كان حبا أكثر إنسانية ووضوحا من الحب الذي كتب عنه جميع الأدباء والشعراء عبر التاريخ، حب لا يمكن أن يتوطد إلى في هذه اللحظة وفي هذا المكان ومع هذا الشخص بالذات...
مرت على الموعد المعتاد دقائق كثيرة وحبيبته لم تظهر بعد، كان قلقه وخوفه من أن لا تأتي يزداد، ويظهر أنها لن تأتي اليوم، لقد بدأ فعلا يفقد الأمل في مرورها، بل بدأ يخيل إليه أنها لن تمر مجددا، وأنه لن يرى تلك الإبتسامة بعد الآن، لقد شعر بخيبة أمل كبيرة بعد أن خيم الظلام، وتيقن أن حبيبته لن تأتي اليوم، بل ربما حتى غدا، فهي ليست ملزمة بذلك، وهي لا تعرف أن يوسف ينتظر إبتسامتها كتعويض بسيط عن فقدانه لكل شيء يستدعي أن يعيش الإنسان من أجله. شعر حينها بوهن شديد يحتل جسده الهزيل، أراد فقط أن ينام، نهض من مكانه واتجه إلى حيث ينام كل ليلة مع أصدقائه، في الحديقة العمومية الصغيرة داخل الكيس الأسود الكبير، لم يكن هذه المرة أصدقائه هناك، فهم لا يأتون عادة للنوم في مثل هذا الوقت، فلازال الليل في بدايته ، أما هو فلا يريد أن يقوم بشيء سوى أن يتكوم داخل الكيس الأسود، حتى أنه نسي ألم الجوع، والفكرة الوحيدة التي كانت تدور في رأسه، هي أنه فقد حبه وأنه لآخر مرة سيرى فيها تلك الإبتسامة، وأن حبيبته لن تمر مجددا.
ادخل جسمه النحيل في الكيس، وتمدد تحت الشجرة القصيرة، فأغمض عينيه ثم إستسلم للنوم وقرر ألا يستيقظ في اليوم التالي ولا في الأيام القادمة، فحبيبته لن تمر لتبتسم له مجددا...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب


.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع




.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة


.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟




.. -بيروت اند بيوند- : مشروع تجاوز حدود لبنان في دعم الموسيقى ا