الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثقافة الاقتباس

سعاد أبو ختلة

2013 / 10 / 10
الادب والفن


ثقافة الاقتباس
غزت التكنولوجيا ضروب الحياة المختلفة حتى طالت بعض المثقفين الذين ما زال بهم رغبة للمطالعة وفي ظل تقلص عدد رواد القراءة في رحلة الركض خلف أسباب الحياة المادية ومطاردة لقمة العيش والغلاء الفاحش ومن سمات الحياة التي أخذت تتلاحق وترهق عقل وجسد الانسان.
توغلت التقنيات لتصبح الكتب الكترونية وكتب الورق يعتليها الغبار ويطال تجارتها الكساد في عالم الديجيتال والانترنت وأصبحت القراءة حصرية على مراسلات العمل أو الاصدقاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي وأصبحت كلمات شير وكومنت ولايك من مفردات المجاملات الاجتماعية وتحديث البوست اشعار بالوجود ضمن المنظومة الاجتماعية ومواكبة للحدث، ودخلت هذه المفردات قاموس اللغة المتداول مع مفردات أخرى تحولت من مصطلحات تقنية جافة لتعابير متداولة مثل ( سَيف ) بمعني خزن أو حفظ و(لكد) بمعنى أغلق أو أُستغلق عليه، كذلك اختزلت الكتب والروايات في اقتباسات على لسان الكتاب أو أبطال الروايات .
ونشطت عبر الانترنت مواقع لنشر الاقتباسات أدبية وفكرية وحتى فقهية فأصبحت الفكرة مبتورة بل وحادت عن أصلها مما خلق بلبلة وجدل واسع في كثير من الاحيان بين أوساط المتابعين، على سبيل المثال العديد من المقولات المشهورة عن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم والعديد من المفكرين العرب قبل عصور الظلام العثماني، تم اقتباسها على أنها لمفكرين أجانب محدثين والحقيقة أنهم اقتبسوها عن الأولين لكن ضاع المصدر الحقيقي وأصبح المقتبس هو المبدع الأول وللأسف يتم تداولها من قبل شريحة واسعة من المثقفين دون بحث وتمحيص في أصل المقولة .
وفي ظل هذا النسق السريع ازدادت صفحات الاقتباسات على مواقع التواصل الاجتماعي لتسهل على المستخدم (الشخص الواقعي في الشبكة الافتراضية ) اقتباس عبارة تواكب حالته النفسية أو توجهه الايديولوجي، يتم اقتباس فقرة مستقلة تؤخذ من المصدر الأم لتصبح كياناً مستقلاً، عملية بتر كاملة للنص العام وكأنها مخلوق آخر، عمل أبتر بعيد عن حس الكاتب الأصلي وكأنه زهرة قطعت من حديقتها لتوضع في زهرية ومن ثم تحول لصورة ومن ثم لمجسم من جبس وتبقى محتفظة باسمها كزهرة معينة من حديقة بعينها وهذا أمر مناف للحقيقة ؛ فقد طالها تغيير في اللون والرائحة والمنظر العام في الحديقة ، تلاعبت بها زوايا التصوير وتغير لونها وفقدت رائحتها فأصبحت عمل آخر لا نستطيع أن نعطيه ذات الاسم وربما تكون العبارة التي تقتبس من رواية بذات الصفات فهي تؤخذ من سياق عام، حالة نفسية متكاملة بين الكاتب والفكرة أو بين بطل الرواية وجوه النفسي وقد تحمل طابعاً مغايراً للفكرة الأصلية التي من أجلها صيغت العبارة أو تكاثفت الفقرة، ويتم تداولها بعيداً عن سياقها ويضفى عليها طابعاً مغايراً لنصها، على سبيل المثال هناك اقتباسات متداولة من رواية أحد عشر دقيقة للكاتب باولو تساق في جو الروحانيات والسمو بينما هي في حقيقة الأمر تساق في نسقها الروائي على لسان مومس تبحث في سر السعادة الجنسية في الدقائق الاحدى عشر اللاتي تعتبرهن مدة الممارسة وهو أمر مناف لما يتداوله المقتبسون في صفحاتهم حيث يضفون الروحانية ويشعرون القارئ بالسمو الاخلاقي وهو ما لا تناقشه الفقرة في سياقها الأم في الرواية ، كذلك رواية الأسود يليق بك التي غزت اقتباساتها الصفحات الخاصة والعامة في لوع رومانسي وسمو عاطفي، بينما في سياقها داخل الرواية وضمن المنظومة المتكاملة فيها انهزام عاطفي أنثوي وانحطاط واستغلال ذكوري والعديد من الاقتباسات التي يتم تناقلها دون وعي لتؤكد ضحالة الفكر وهشاشة الثقافة في غمرة التيه التقني وخيوط الشبكة تغري المستخدم للإبحار هنا وهناك في حركة دؤوبة ليكتشف بعد حين أن لا سمك في شبكته ...خاوي الفكر ، معدوم الثقافة ..
سعاد أبو ختلة
كاتبة واعلامية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟