الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ثرثرة في الثورة المصرية

نضال الربضي

2013 / 10 / 10
الثورات والانتفاضات الجماهيرية



الثورة المصرية حدث ٌ فريد، و إن كان الصحيح أن أصفها بأنها انقلاب مستمر هو منتوج الاستجابة لاستحقاقات وعي المصري على الخلل الموجود في إدارة الدولة و الذي حوله إلى آلة ٍ حية بدل الاعتراف بإنسانيته و توجيه طاقاتها لخدمته في عملية تبادلية تبنى الوطن و الإنسان.

لكن حقيقة الأحداث خلال سنتين و أكثر من عمر الثورة حولتها إلى مجرد حدث، شئ قد تم، و استوفى إتمامه و انتهى دون أن يستطيع أن يبني على الأساس الذي أقامه أي صرح ٍ جديد للإنسان أو يُبدِّل في الدولة و قوانينها و آليات عملها بما يصحح الخلل الموجود و يقيم الدولة الحديثة العلمانية التي يقف فيها الجميع على قدم المساواة دون تميز و يتم فيها سن الدستور الحديث المستنير و دراسة المنهج الاقتصادي الحالي و تقويمه و إعادة النظر في كيفية استغلال الموارد الطبيعية و مردودها على الخزينة المصرية ثم وضع مشاريع لتغير كل ما يلزم لعلاج الاقتصاد و تحسين ظروف الحياة و رفع الرواتب لتتناسب مع التضخم، و تثبيت الأسعار، و المضي نحو عدالة اجتماعية بخطة مدروسة و واضحة.

و شاهدنا على مدار العامين الماضين اختفاء أي برنامج عمل أو خطة أو مشروع للبحث في حلول للبطالة و التضخم السكاني غير المنطقي مع "نسيان" مقصود و مُتعمد للمناهج التعليمية و تحاشي ذكرها و عدم إيلاء مراجعتها أو التفكير في مراجعتها و تقيم مخرجاتها و ربطها بالأسلوب العلمي النقدي الحديث و اقتصاديات السوق و حاجات سوق العمل أي اهتمام.

و لعل مما يدعو للاستغراب و الدهشة تحزُّب المصرين و انسحابهم من دائرة المصرية الرحبة إلى دوائر ميكروسكوبية مؤدلجة بين ناصري و ليبرالي و فرعوني و قبطي و سلفي و إخواني، لا يمثلُّ أي منها لوحده الهوية المصرية الجامعة. و قد شهدت انتخابات الرئاسة انعكاسا ً لهذه الانسحابات فكان انتخاب الدكتور محمد مرسي العياط نموذجا ً على كيد الأحزاب لبعضها، و ما نجاح مرشح حزب الإخوان المسلمين إلا نكاية ٌ بالحزب الحاكم القديم فحق لنا أن نقول أننا نشهد للمرة الأولى في التاريخ الحديث إنتخابات رئاسة كيدية بحجم مليوني.

غير أن أكثر ما يؤلم هو عدم تمخض جهد شباب الثورة عن جامع ٍ مؤسّسي ٍ يضمن لهم استدامة زخمهم الثوري و القدرة على استثمار نتائج الحدث و استحقاقاته، و هي التي كانت ثورة ً للإنسان فأضحت بكل أسف ثورة قطع رأس ٍ لُيستبدل َ بآخر، و بهذه المواصفات للجسد الذي لم يتغير ينبغي أن يكون الرأس الجديد في نفس خصائص الجسد حتى يقبله و لا ينفر منه، و لقد كان المفروض أن يتم استبدال النظام الفاسد كاملا ً لو أحسن المصريون استكمال المبدوء، لكنهم اكتفوا بنشوة النصر الأول و قنعوا بما أنجزوه ثم عادوا إلى صفوفهم الأولى، فكان أن الفوضى اللاحقة أسوأ بكثير من الظلم السابق.

بعد أحداث انتخاب الرئيس الأول بعد الثورة ثم الإطاحة به، و التصادمات الفظيعة التي يعاني منها المصريون الآن، مع بروز رأس الإرهاب القذر مرة ً أخرى بعد أن كاد أن يختفي كما ظننا مخطئين، نرى أن المصرين ما زالوا لم يدركوا استحقاقات ثورتهم و يعكفون على إهدار طاقاتهم في معارك لم يكن يجب أن تبدأ أو يُسمح لها أن ترى النور أصلا ً، و هم لا يعيرون قضاياهم المصيرية أي انتباه و يغيب اليوم الحديث عن الاقتصاد و التعليم و الفقر و البطالة غيابا ً تاما ً وراء الحاجة إلى تماسك المجتمع في وجه الإرهاب.

كما و يبرز لدينا خطر جديد هو خطر خلق رمز ٍ تعبُّدي ٍ جديد باسم الوطنية، هذا الرمز الذي تُساهم حملات ٌ مشبوهة في خلقه عندما تمهد و تطلب و تشجع طرح اسم بطل هذه المرحلة و هو اللواء عبد الفتاح السيسي لرئاسة الجمهورية. موقفي من اللواء السيسي هو موقف احترام ٍ لهذا الرجل الذي استطاع أن يقود المؤسسة العسكرية الوطنية المصرية قيادة ً حكيمة تضع أمامها واجبها في حماية مصر و المصرين و استكمال مسيرة سبعة آلاف عام ٍ من الحضارة و منع الانقسام الطائفي و العنصري البغيضين، مما يعني أيضا ً و يستدعي أن نضع الأمور في نصابها و أن ننظر للواء السيسي كما هو عليه، رجل مرحلة تهدف إلى إيصال مصر لشاطئ الاستقرار دون الاستفراد بها مُلكية ً خاصة أو عامة عن طريق كرسي الرئاسة و هو الكرسي الذي يحكم بالموت على الشخص الذي لا يعرف كيف يتعامل معه و ما أكثرهم.

اللواء السيسي لا يحتاج الرئاسة في شئ و ما قدمه لمصر هو واجبه الوطني الذي يُشكر عليه و يُسجل له و يُدرس للأجيال القادمة درسا ً في الرجولة و الكرامة و المصرية الحقيقة و هذا أعظم بلا قياس من رئاسة الدولة بكل ما فيها، أما مصر فهي الآن بحاجة للتركيز على الملفات الحساسة السابق ذكرها و الانتباه إلى أهمية الإنسان المصري، و لا تحتاج في شئ لصناعة بطل معبود و رمز ٍ مقدس و شخصية ٍ تستبدل شخصية مبارك أو مرسي.

الفخ الكبير هو أن ينسى شباب الثورة محورها، و هو "الإنسان المصري"، هذه الثورة التي أتت بواسطته و به و من أجله، و لم تأت ِ لاستبدال صورة بصورة و رمز برمز، هي ثورة أتت لكي تحيا مصر بأبنائها، لا لكي تأكل مصر أكبادها، و هي ثورة لا تحتاج لحزب كي يمثلها لكن تحتاج لكل المصرين، و تأنف ُ من الحزبية الضيقة أمام رحابة صدر التراب المصري و تخجل من الضيق في الفكر أمام مواهب أبنائها و قدراتها و طاقاتها المُبدعة الفوارة.

أكتب ُ هذا و أنا أرى كل ما يحدث على الأرض من استقطابات و استقطابات معاكسة و تخوين و تخوين متبادل و فخر و فخر متبادل و أخذ و عطاء و شد و جذب، كُـلـّـُه ُ يصب في الفراغ، و لا ينفع مصر شيئا ً.

مصر ستقوم مرة أخرى لكن ليكن هذا دون الثمن الأبهظ، دون سحق الإنسان و إلا ها هو جيمي في السجن، أخرجوه و اعتذروا منه و "صلاة النبي ترضي النبي" ثم نصبوه عليكم و "فضوها سيره بقى" أهذا ما تريدون؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الشرطة الإسرائيلية تستخدم مضخات الماء لتفريق متظاهرين طالبوا


.. بريطانيا.. الحكومة الجديدة تعقد أول اجتماع لها عقب الانتصار




.. اللغة والشعرعند هايدجر - د. دعاء خليل علي.


.. مواجهات في تل أبيب بين الشرطة الإسرائيلية ومتظاهرين يطالبون




.. كلمة أخيرة - صعود اليمين المتطرف في أوروبا وبريطانيا تختار ا