الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في سوريا إعادة لترميم النظام في غفلة من الموت السريري للمعارضة

إدريس نعسان

2013 / 10 / 12
مواضيع وابحاث سياسية


لم يعد خافياً على أحد أن مفهوم الثورة لم يتبلور طيلة ما يربو الثلاث سنوات في سوريا، و فشلت إرهاصات ربيع الحريات التي كان من الممكن أن تتحول إلى ثورة عارمة إذا توفر لها الشروط الصحية و انبثقت من لدنها قيادة حقيقية، لكن دفة القيادة بقيت شاغرة طوال هذه المدة نتيجة الانقسامات الحادة حول بعض القضايا المنفعية على مختلف ألوانها (طائفية - سلطوية - مادية - إيديولوجية و غيرها)، و تشتت القوى الفاعلة على الأرض بين ولاءات مربكة و تبعيات مبهمة الرؤى، مسلوبة الإرادة، و لهذا ظهرت الكثير من السلوكيات المسيئة ليس فقط لمفهوم الثورة بل لثقافة و حضارة الشعب السوري أيضاً، و كأن الكثير من هذه الأدوات المحسوبة على الثورة وظفت أصلاً لإفشالها و إبعاد الجماهير عنها.

لقد انتقلت الصراعات الإقليمية و الدولية إلى الأرض السورية التي وجدت فيها البيئة الملائمة، لتتحول هذه البلاد إلى مقبرة عامة يحاول كل طرف من أطراف المعادلة وأد ما يهدده أو يهدد مصالحه فيها، فالخليجيون أرادوا كسر الشوكة الشيعية الممتدة نحوهم قبل الوصول إليهم، و التي ظهرت بوادرها في البحرين بصورة جلية، لذا اختاروا فئة من المعارضة السورية دون غيرهم و قطروا عليهم السلاح و أغدقوا قادتهم بالمال تطبيقاً للمقولة السورية العامية "طعمي التم بتستحي العين" مع الحرص على ألا يكون لأحد الغلبة و إنما الغاية أن يبقى الصراع متأججاً فقط، خشية امتداد حمى الثورة إليها، أما الغرب فلم و لن يجد فرصة بهذه الجودة لجر ما تعتبره إرهاباً إلى المستنقع السوري و التخلص منه، فهو يدرك تماماً عدم تماهي الفكر التكفيري المتطرف مع الثقافة الاجتماعية السورية و هذا ما يدفع في كثير من الأحيان إلى تصفية أعداء النظام بعضهم بعضاً، إلى جانب التخلص من ترسانة السلاح التقليدي و الكيماوي السوري و إفشال صفقات الصواريخ المتطورة المبرمة بين النظام و روسيا بهدف درء الخطر عن أمن إسرائيل الاستراتيجي لكل دول الغرب و على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، و وجدت تركيا في ما يحدث في سوريا ممراً لتصدير مشكلاتها السياسية و لفت الأنظار عنها و قد نجحت في توجيه بنادق المقاتلين الكرد إلى الطرف الآخر من حدودها عبر طرح عملية السلام الجارية بينها و بين حزب العمال الكردستاني، إضافة إلى استغلال الصراع السوري اقتصادياً و تلميع صورتها بين الشعوب العربية كدولة تساند حقوق الشعوب في الحرية و الديمقراطية، و استطاعت روسيا الحليفة التقليدية للنظام ابتزاز الجميع بحنكتها الدبلوماسية و أتباعها إستراتيجية لي الأذرع الناجعة إلى هذه اللحظة، و اعتبرت إيران و حزب الله ما يجري على الأرض السورية نهاية حقبة سيادتهم و بدء مرحلة ستنقلب الموازين فيها ضدهم أو ربما تحدد نهاية قريبة لهم، و لهذا لم يكتفوا بالدعم اللوجستي بل قاتلوا على الأرض بشراسة فاقت وحشية النظام كثيراً.

لذا تبعثرت خيوط الصراع في سوريا كثيراً و تاهت المفاهيم و أرتبك الجميع في حضرة الفوضى اللتي سادت كل شيء، السياسة و العسكرة و رؤية الحل في سوريا المستقبلية، وحده النظام عرف كيف تأكل الكتف، فمنذ عقود يمارس سياستين مختلفتين، في الغرب يظهر بأنه حلفهم في محاربة الإرهاب و أنه الوحيد القادر على مواجهته و أن رحيله يعني انتصاراً للإرهاب، و في المنطقة العربية يُمثل المقاومة و الممانعة و قلعة الصمود العربي الوحيدة.

و على العكس من ذلك تماماً، فالمعارضة الممزقة نقلت العدوى إلى أدواتها العسكرية التي لم تنضج كقوة ثورية يطمأن إليها أصدقاء الثورة داخلياً و خارجياً، و بدرت منها تصرفات خاطئة أساءت إلى الثورة و أرهبت الجميع منها، ليتحول العالم إلى صياغة رؤية حل جديدة حول سوريا تتمثل في ترميم النظام سياسياً و عسكرياً أي قلع مخالبه و القضاء على تهديداته و جعله أكثر انفتاحاً على مشاركة بعض قوى المعارضة في القرار السياسي عبر تشكيل حكومة وفاق وطني و تحديد صلاحيات الرئيس و تغيير سلوكيات النظام.
لكن الثورة ما زال لديها بعض الوقت لإفشال المخطط العالمي الذي تدفعها الدول تجاهه، إذا استطاعت أن تغير موازين القوى على الأرض، بتوحيد قواها العسكرية و تنظيمها في إستراتيجية قتالية موجهة نحو إسقاط النظام وحده و ليس إسقاط المخالفين من الشعب أو أركان الدولة، لأن النظام في أضعف حالاته و ما يمد عمره و يمنحه القوة هو الفوضى المستشرية في الجانب العسكري، و في ممارسات القوى الجهادية الخارجة عن أهداف الثورة، التي توفر الحجة لبقائه، و يجب على القوى السياسية طرح بديل سياسي ديمقراطي تعددي قوي للنظام، و أن تخاطب العالم كثورة ضد القمع و الاستبداد، و ليس كحالة فوضى يخشى الجميع من تبعاتها الإقليمية و الدولية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس وإسرائيل.. محادثات الفرصة الأخيرة | #غرفة_الأخبار


.. -نيويورك تايمز-: بايدن قد ينظر في تقييد بعض مبيعات الأسلحة ل




.. الاجتماع التشاوري العربي في الرياض يطالب بوقف فوري لإطلاق ال


.. منظومة -باتريوت- الأميركية.. لماذا كل هذا الإلحاح الأوكراني




.. ?وفد أمني عراقي يبدأ التحقيقات لكشف ملابسات الهجوم على حقل -