الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ذكريات في ضواحي بيرسلافل

جاسم ألصفار
كاتب ومحلل سياسي

(Jassim Al-saffar)

2013 / 10 / 12
سيرة ذاتية


ذكريات في ضواحي بيرسلافل
الدكتور جاسم الصفار

كان في المدينة التي اعمل فيها في روسيا مطعم صغير تعودت على تناول كوبا من الشوكولاته الساخنة فيه. خاصة وانه في ساعات الصباح يكون خاليا من زبائنه الذين يقضون فيه امسياتهم. وقد تعودت على سماع نادلة المطعم وهي تغني بصوت عذب وحنون اغاني روسية قديمة ارددها انا ايضا معها على موسيقى مسجلة تغني عن العزف الحي. وقد توطدت بيني وبين النادلة علاقة صداقة قوية اصبحت فيه "مارينا" وكان هذا هو اسمها تنتظر قدومي كل صباح لتناول الشوكولاته الساخنة وترديد بعض الاغاني. وقد استمر الحال هكذا الى ان صادف زيارة احد اصدقائي الروس المطعم لتناول قدح من القهوة. وفي ذلك الصباح اسرني هذا الصديق بأن "مارينا" غير متوازنة نفسيا نتيجة لظروف نشأتها القاسية، ولكي يثبت لي ذلك دعاني في المساء لزيارة المطعم فقبلت دعوته واتفقنا على الموعد.
وفي المساء توجهت الى المطعم برفقة صديقي وجلسنا في زاوية منعزلة. تبادلنا احاديث كثيرة ومتنوعة كنت خلالها استرق النظر والسمع لمارينا التي كانت تعمل وهي منزعجة تماما وتتصرف بخشونة مع زبائن المطعم دون ان تكترث لوجودي. لقد كانت في هيئتها وطريقة حديثها فتاة اخرى تختلف تماما عن تلك التي كنت اجالسها كل صباح. أسفت لها وغادرت المطعم مع صديقي الذي ودعني بابتسامة خبيثة بعد ان لاحظ تشوشي.
بعد بضعة ايام قررت العودة مرة اخرى لزيارة المطعم صباحا. فاستقبلتني مارينا بابتسامتها البريئة وكأن شيئا لم يكن، ولكني كنت هذه المرة غير ذلك الذي كان يجالسها كل صباح. وقد لاحظت هي ذلك فلم تشغل جهاز الموسيقى وجلست الى جانبي بصمت لم تقطعه الا لتسألني: "لماذا جئت تلك الليلة؟" فكذبت عليها مجيبا بأنها كانت صدفة دعاني فيها صديقي لتناول العشاء فقالت لي دون ان تلتفت صوبي : " نعم...أنا لست انا دائما" وقبل ان استفسر عن معاني كلماتها واصلت قائلة: "أنا لا اشعر بكينونتي وذاتي الا حين احس بلمسات حب تعوضني عما فقدته في حياتي كلها". انتهيت من تناول شراب الشوكولاته الساخنة وودعتها بنظراتي وبابتسامة مفتعلة لأني لم أكن أعرف ما الذي كان علي ان اقوله في تلك اللحظات. فقد كانت زوجتي على قيد الحياة وقتها، وأنا لم اتعود على اكثر من حب مع ان صداقاتي لا حدود لها.
انتهت في ذلك الصباح حكايتي مع مارينا، ولم اراها بعدها قبل عودتي للاستقرار في بغداد. مع اني كنت اتقصى اخبارها منذ تركها للعمل ومرورها بتجربة زواج غير موفقة، انتهت بها الى معاقرة الخمر والعلاج في مستشفى للأمراض العقلية اثر محاولتها الانتحار. واليوم لو تسألونني لماذا تذكرت مارينا بعد سنوات طوال، سأكذب عليكم وأجيب بأن ذلك حصل بالصدفة.
لهذه الحكاية بدايات لم اتطرق اليها هنا لأنها تحمل دلالات اخرى غير تلك التي في روايتي، كما ان نهايتها لم تنقضي تماما مع عودتي الى الوطن. ففي اجازتي الصيفية لهذا العام، والتي قضيتها في روسيا، التقيت مارينا مصادفة في سوق شعبي لدقائق معدودة تركنا فيها لأعيننا ان تتبادل حديثا طويلا فيه الاسف والعتاب المرير وفيه القناعة بأن كل شيء بيننا قد انتهى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلينكن في الشرق الأوسط لدفع مساعي الهدنة وإسرائيل تواصل عملي


.. إيران تعلن القائمة النهائية للمرشحين للانتخابات الرئاسية الم




.. واشنطن والرياض.. معاهدة أمنية والعين على التطبيع | #ملف_اليو


.. الحكومة الإسرائيلية تضطر لدفع فوائد أعلى على أدوات الديون بس




.. صور أقمار صناعية.. اتساع مساحة الدمار وتوغل آليات الاحتلال ف